بشار الأسد والاختيار الأصعب بين مغريات الإمارات وضغوط الميليشيات

2024.11.09 | 06:37 دمشق

6333333333
+A
حجم الخط
-A

بدأ بشار الأسد يشعر بأنه وقع في مأزق بسبب الميليشيات الإيرانية، التي أصبحت الحلول معها عقيمة، ويكاد يكون ثقلها عليه أصعب من ثقل الثورة السورية التي هددت بقاءه لمدة ثلاثة عشر عاماً.

يتجلى هذا الثقل في النقمة التي جلبها عليه من قبل الإسرائيليين، الذين كانوا راضين عن أدائه وأداء والده حافظ الأسد لمدة خمسين عاماً كأعداء حميميين وحماة لجبهة الجولان، محافظين على برودتها وحمايتها وضمان أمنها من أي اختراق.

يقف اليوم بشار على مفترق طرق في ظل الاختيار الصعب الذي يُملي عليه أن يختار بين البقاء كحليف لإيران ضد طموحات الدول العربية، أو أن يفك عرى التحالف مع إيران وميليشياتها، بعد أن أصبح يشعر بالإحباط من تقويض نفوذه من قبل طهران وأن تجاوبه مع التحالفات الجديدة قد يمنحه مساحة للمناورة ضد روسيا وإيران، خصوصاً بعد تراجع الدعم العسكري الروسي له، وبعد توطيد الإمارات ومصر علاقاتهما معه، وفتح الإمارات أبواب سفارتها في دمشق، وإعادته إلى الجامعة العربية.

يصرون على ضرورة قطع خط الإمداد السوري الذي يعتبر الشريان الرئيسي الذي يدعم حزب الله ويجعله قادراً على الاستمرار في خوض المعارك في الجنوب اللبناني.

لم يعد خافياً على المراقبين للشأن السوري ومجريات الحرب الإسرائيلية مع حزب الله جنوبي لبنان، نوايا نظام الأسد في الابتعاد عن النيران التي تحرق محور إيران وحزب الله، المحور الذي كان الأسد أحد أركانه.

واليوم، يخالف الأسد خيارات هذا المحور بالابتعاد عنه والخروج من العباءة الإيرانية، التي ترفض أيديولوجيتها السماح بخروج أحد حلفائها الاستراتيجيين من محورها، وخاصة سوريا، التي تمثل عقدة الوصل بين لبنان والعراق، والرئة التي تتنفس منها إيران في العراق كخط إمداد لأذرعها في فلسطين ولبنان.

تمتاز سوريا بموقع استراتيجي هام وعمق جيوبوليتيكي عسكري فريد لإيران، حيث يتوسط موقعها لبنان والعراق، اللذين يحملان أهمية كبيرة لإيران. ويعتبر موقعها الجغرافي صلة الوصل بين القطرين، مما يجعل منها طريق إمداد مهم لحزب الله من إيران وممراً برياً يربط مدينة حمص بأكثر من معبر من جهة الغرب، ومن خلال مدينة القصير بلبنان، وبادية تدمر وريف دمشق ودير الزور شرقاً بالعراق، ما يجعلها مستودعاً للاحتياطات القتالية الاستراتيجية لحزب الله وشريان إمداد حيوي لاستمرار عملياته العسكرية المحتدمة في شمالي إسرائيل.

لا تعوّل تل أبيب كثيراً على تغيير الموقف الذي ينتهجه بشار الأسد في تأمين الأرضية المناسبة للميليشيات التي عملت على إنشاء طرق مخفية وشبكة من الأنفاق تحت الأرض تحضيراً للمعارك المقبلة.

وتعمل تلك الميليشيات اليوم على نقل الذخيرة والسلاح بأنواعه، من العتاد الثقيل والمتوسط، والطيران المسير والصواريخ، وحراسة طريق الإمداد القادم من إيران.

طلبت أبوظبي وعمّان من إسرائيل منح الأسد فرصة أخيرة، كإضافة إلى المحاولات السابقة لإقناع الأسد بتقليص نشاط الحرس الثوري الإيراني وحزب الله، ومطالبتهم بمغادرة الأراضي السورية، والاستيلاء على معسكراتهم وإقفال المقرات الخاصة بكل من له صلة بمحور المقاومة. وتعهد الأسد بعدم السماح بعبور أي نوع من الدعم المادي والعسكري القتالي والإداري إلى لبنان عبر الأراضي السورية.

قدّمت الإمارات، بالتعاون مع الأردن، إغراءات مالية كبيرة لإقناع الأسد بالتخلي عن إيران وحزب الله، وفك شراكته الاستراتيجية معهم. كما قدمت دبي عروضاً وإغراءات مالية ضخمة، مع الاستعداد لإطلاق مشاريع إعادة الإعمار في جميع المحافظات السورية إذا قام الأسد بتفكيك ارتباطه بمحور إيران.

في الوقت نفسه، تعهد الأردن بمحاربة المجموعات المعارضة للحكومة السورية في جنوبي وشرقي سوريا، باعتبار أن الأسد يُعتبر حليفاً لمواجهة الإسلاميين السياسيين من جماعة الإخوان المسلمين، والحد من نفوذ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.

المواقف التي شجعت الإمارات والأردن على تقديم المبادرة لإسرائيل جاءت بناءً على المؤشرات التي أبداها بشار الأسد، والتجاوب الكبير الإيجابي المتماهي مع الإملاءات الإسرائيلية. لقد نأى بنفسه عن حرب غزة ومعركة حزب الله في الجنوب، وتراجع دعمه لحزب الله في مختلف المحافظات، وأغلق مكتب تجنيد حزب الله في دمشق، وقيّد تحركاتهم في البلاد. لكن ذلك لم يكن كافياً بسبب التوزع الجغرافي المتباعد لانتشار حزب الله والميليشيات الإيرانية غير المنتظم خارج معسكرات دائمة. وهذا ما لا يرضي القادة الإسرائيليين الذين يرفضون وجود أي ميليشيا تتبع لإيران على الأراضي السورية، ويصرون على ضرورة قطع خط الإمداد السوري الذي يعتبر الشريان الرئيسي الذي يدعم حزب الله ويجعله قادراً على الاستمرار في خوض المعارك في الجنوب اللبناني.

في الواقع، ليس الأمر بهذه السهولة على بشار الأسد في جغرافية سوريا، حيث لا يسيطر سوى على أقل من نصفها، في حين أصبح ولاء قادة الفرق والألوية والفروع الأمنية لإيران، إضافة إلى شقيقه ماهر، قائد الفرقة الرابعة، الذي يدين بولائه التام لإيران، ويشارك في تجارة المخدرات، ويستغل عناصر الفرقة الرابعة لشحن المخدرات من لبنان إلى سوريا، ومن ثم إلى الحدود السورية الأردنية. ويشمل ذلك توريد السلاح عبر ألويته وكتائب النقل والتسليح لإيصاله إلى الجنوب اللبناني. والأصعب من ذلك هو تحريك إيران أذرعها في سوريا لتنفيذ أجنداتها، مما يزيد من تعقيد الوضع.

يجد الأسد نفسه بين ضغوط إيران وميليشياتها من جهة، ومغريات الدول العربية الراغبة في إنهاء النفوذ الإيراني في سوريا من جهة أخرى.

فعلى سبيل المثال، هناك حركة "النجباء" العراقية، إحدى الميليشيات العابرة للحدود التي شاركت في قمع الثورة السورية إلى جانب الأسد، وتضم نحو عشرة آلاف مقاتل من أكبر فصائل الحشد الشعبي في العراق. هذه الحركة يقودها أكرم الكعبي، الذي أسس عام 2017 "لواء تحرير الجولان"، مهدداً إسرائيل بالدخول إلى المستوطنات الإسرائيلية في الجولان انطلاقاً من الأراضي السورية.

أما في الجنوب السوري، فالطامة الكبرى تتجلى في تموضع ميليشيا "فاطميون"، التي يبلغ عدد أفرادها حوالي خمسة آلاف عنصر، ينتشرون من السويداء شرقاً وصولاً إلى نصيب وتل شهاب ومعربة غرباً. وهم يتبعون للفرقة الخامسة عشرة قوات خاصة إدارياً كعناصر مشاة في نقاط حرس الحدود على الحدود الأردنية،  ويتبعون تجارياً للفرقة الرابعة، إذ يقومون بمرافقة قوافل تهريب المخدرات حتى تعبر الحدود، ويتلقون تعليمات القتال من غرفة عمليات "زينبيون" الموجودة في منطقة السيدة زينب بدمشق.

ختاماً، يجد الأسد نفسه بين ضغوط إيران وميليشياتها من جهة، ومغريات الدول العربية الراغبة في إنهاء النفوذ الإيراني في سوريا من جهة أخرى. فهل سيتمكن من اتخاذ قرار جذري في هذا الاتجاه، أم ستستمر سوريا في دائرة الصراع التي يحكمها توازن قوى إقليمي ودولي معقد؟