تستمر المواجهات بين جيش الاحتلال الإسرائيلي وفصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، لليوم الخامس على التوالي، في إطار عملية "طوفان الأقصى" التي أطلقتها "كتائب القسّام" - الذراع العسكرية لحركة "حماس" - فجر السبت الفائت، وبدأتها بإطلاق آلاف الصواريخ على مواقع ومطارات وتحصينات عسكرية للاحتلال الإسرائيلي.
وتزامن إطلاق الصواريخ مع عمليات تسلّل تاريخيّة لـ"كتائب القسّام" برّاً وبحراً وجوّاً إلى مواقع وقواعد و"مستوطنات" إسرائيلية في (غلاف غزة)، حيث اشتبكوا مع الجيش الإسرائيلي وأسروا "عشرات الضباط والجنود".
ومنذ انطلاق عملية "طوفان الأقصى" وحتى الآن، أكثر ما يتردّد إلى الآن هو مصطلح "غلاف غزة" أو ما يُعرف بالعبرية بـ"عوتيف غزة"، والذي سنشير إلى أهم ما يتعلّق به، منذ "اتفاق أوسلو"، وحتى توغّل الفصائل الفلسطينية في "الغلاف"، منذ فجر السبت الفائت (7 تشرين الأوّل 2023).
بدايةً، الإشارة إلى أنّ المدن والبلدات القريبة من قطاع غزة بلفظ "مستوطنات" هي إشارة خاطئة، لأنّها ليست كذلك بموجب القانون الدولي، لوقوعها داخل حدود الاحتلال، وفق ما ذكرت شبكة "BBC" البريطانية.
انسحاب الاحتلال الإسرائيلي من قطاع غزة
بموجب "اتفاق أوسلو" الموقّع بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية في 13 أيلول 1993، دخلت السلطة الفلسطينية إلى قطاع غزة، لبدء تطبيق الحكم الذاتي الفلسطيني في القطاع ومنطقة أريحا.
وطرح رئيس الحكومة الإسرائيلية آنذاك أرييل شارون، خطة الانفصال عن قطاع غزة، عام 2004، والتي تشمل إخلاء المستوطنات في القطاع والانسحاب الكامل من أراضيه، وهي الخطة التي أقرها "الكنيست" بعد عام من طرحها تقريباً.
وفي عام 2005، خرجت قوات الاحتلال الإسرائيلي بالفعل من قطاع غزة وأخلت 25 مستوطنة (يقطنها 8500 مستوطن تقريباً)، وانتهى الوجود الاستيطاني الإسرائيلي فعلياً بإعلان "تل أبيب" إنهاء الحكم العسكري في القطاع.
وعقب الانسحاب، أنشأ الاحتلال الإسرائيلي منطقة عازلة -أُطلق عليها اسم "غلاف غزة"- بين القطاع والأراضي الفلسطينية التي تحتلها إسرائيل، بعد إخلاء "25 مستوطنة إسرائيلية كانت داخل القطاع"، إلّا أنّ الاحتلال أبقى على عدد من التجمّعات في المنطقة المتاخمة للمنطقة العازلة مع القطاع.
ما هو "غلاف غزة"؟
"غلاف غزة" هو مجموعة تجمّعات إسرائيلية -يُطلق عليها تجاوزاً للقانون الدولي "مستوطنات"- تحيط بقطاع غزة من الشمال والشرق والجنوب الشرقي، على مسافة تقدر بنحو 40 إلى 41 كيلومتراً في محيط القطاع.
و"الغلاف" الذي كان يشكّل حصناً منيعاً للاحتلال الإسرائيلي وعازلاً بين قطاع غزة والضفة الغربية المحتلة، يتألّف من 50 تجمّعاً إسرائيلياً يقدّر عدد المستوطنين فيها بـ55 ألفاً، ويقسم إلى 3 مناطق إقليمية تابعة للاحتلال، وهي:
- منطقة "أشكول" شمالي غزة، مساحتها نحو 380 كيلومتراً مربعاً، وتضم 32 تجمّعاً يعيش فيها أكثر من 13 ألف مستوطن.
- منطقة "شاعر هانيغف" شرقي غزة: مساحتها نحو 180كيلومتراً مربعاً، تضم أكثر من 11 تجمّعاً يعيش فيها أكثر من 7 آلاف مستوطن.
- منطقة "أشكلون" جنوب شرقي غزة: مساحتها نحو 175 كيلومتراً مربعاً، تضم 4 تجمّعات ويقدّر عدد السكّان فيها بنحو 17 ألف مستوطن.
ما أهمية "المستوطنات" في محيط غزة للاحتلال الإسرائيلي؟
بحسب تقارير إخبارية، فإنّ الحكومات المتعاقبة للاحتلال أولت أهمية خاصة لـ"غلاف غزة" بعد الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة، عام 2005، وعزّزتها بعشرات "المستوطنات"،موزّعة على ثلاث مناطق يديرها ثلاثة "مجالس إقليمية" تتبع للاحتلال.
وعزّز الاحتلال الإسرائيلي من سيطرته على "غلاف غزة" لأهداف إستراتيجية بوصفه منطقة عازلة على طول الحدود البرية مع القطاع، ولكي تقطع إمكانية الاتصال الجغرافي بين قطاع غزة والضفة الغربية، في محاولة منه لإجهاض أي فرصة لإقامة دولة فلسطينية.
وتستخدم إسرائيل هذا الواقع لتغيير ديمغرافي، حيث تقدّم مغريات واسعة لسكّان المستوطنات، وغالبيتهم من "اليهود الشرقيين"، بوصفهم حاجزاً جغرافياً وديمغرافياً، وجعلت من هذا "الغلاف" خط الدفاع الأوّل عن مناطق احتلالها من جهة قطاع غزة، الذي تسيطر عليها حركة حماس.
أبرز "مستوطنات غلاف غزة"
تعد "سديروت" أكبر "المستوطنات" الإسرائيلية في محيط قطاع غزة، كما أنها الأقرب إلى القطاع من جهة الشمال، كما تعدّ "زيكيم" شمالي صحراء النقب، من أبرز "المستوطنات" أيضاً، إذ تضم مصفاة للبترول ومحطة كهرباء، إضافةً إلى قاعدة عسكرية تطل على البحر المتوسط.
ومن "المستوطنات" البارزة أيضاً: "عسقلان، كيسوفيم، نحال عوز، كريات ملاخي، كريات غات، أسدود، ديمونا، تنتيفوت"، وهي أبرز المناطق التي استهدفتها "كتائب القسّام"، خلال عمليتها المستمرة "طوفان الأقصى"، إلى جانب استهداف "قاعدة رعيم العسكرية، معبر إيريز".
"طوفان الأقصى"
تعدّ عملية "طوفان الأقصى"، تصعيداً غير مسبوق لـ فصائل المقاومة الفلسطينية، منذ سنوات طويلة، حيث اجتاحت خلالها "كتائب القسّام" العديد من المناطق التي تحتلها إسرائيل واخترقت حصنها المنيع المعروف بـ"غلاف غزة".
وأسفرت هذه العملية حتى الآن، عن مقتل أكثر من 1200 إسرائيلي وإصابة الآلاف وأسر العشرات، خلال خمسة أيّام هي أعنف ما شهدته "إسرائيل"، منذ "حرب تشرين الأول/ أكتوبر" عام 1973.
وردّاً على الطوفان، أطلق جيش الاحتلال الإسرائيلي عملية "السيوف الحديدية"، وخلالها نفّذت طائراته مئات الغارات الانتقامية على قطاع غزة، ما أدّى إلى مقتل 1055 فلسطينياً وآلاف الجرحى، فضلاً عن دمار كبير في الأبنية السكنية.