يتقصد النظام السوري إفشال وعرقلة وتأجيل خطط الاستجابة اللاحقة لكارثة الزلزال المدمر، وجعل المناطق المهدمة في الساحل وحلب بمثابة البقرة الحلوب، التي تدر الأموال الإغاثية ومشاريع التعافي المبكر، فبعد مرور أكثر من عام على الكارثة ما يزال متضررو الزلزال في حلب واللاذقية من دون مأوى ويحصلون على فتات المساعدات الكبيرة سواء الأممية أو تلك القادمة من حلفاء النظام.
أفادت مصادر أهلية من حلب لموقع تلفزيون سوريا بأن المناطق المنكوبة تعاني من ضعف كبير في الاستجابة وعلى رأسها تأخر ترحيل الأنقاض و البطء في إصدار نتائج الكشوفات الهندسية وكشوفات لجان السلامة العامة، مع المماطلة في تأهيل الطرقات و القيام بأعمال النظافة وإزالة النفايات، و عدم الكشف عن التسريبات في شبكات مياه الشرب والصرف الصحي، خاصة بعد أن توزعت أضرار شبكات الصرف الصحي على امتداد أغلب قطاعات حلب، ونفس الأمر ينطبق على قطاعي الاتصالات والكهرباء التي تحتاج إلى آليات هندسية لأعمال تأهيل وصيانة الشبكات والأبراج والمحولات.
وفي حين يقيم معظم المتضررين في مراكز إيواء أو موزعين على بيوت المعارف والأقارب، لا تزال خطط النظام التي تخص مرحلة ما بعد الاستجابة الطارئة للزلزال تراوح في مكانها، فقد تمثلت الإنجازات الحكومية ببناء قاعدة بيانات موحدة للمتضررين، و الاكتفاء بمتابعة تنفيذ برامج الدعم المقدمة لهم من الجهات الداعمة، مع العمل على استكمال عمليات المسح لحصر أعداد الأبنية غير الآمنة والتي لا يمكن إصلاحها وعدد السكان الذين كانوا يعيشون فيها، إضافة إلى حصر المباني الآمنة والمباني التي تحتاج للهدم.
وفي آخر تصريحات مسؤولي النظام حول الكارثة، كشف محافظ حلب حسين دياب، عن ما اعتبره "جهود أفراد المجتمع المحلي التي تضافرت في تدعيم المباني السكنية التي يقطنها الأفراد الأكثر ضعفاً والذين تأثروا بشدة بالزلزال، حيث قامت مبادرة التدعيم وبالتنسيق مع لجنة الإغاثة الفرعية بأعمال التدعيم لخمسة أبنية في مدينة حلب بعد حصول أهالي تلك الأبنية على الموافقات اللازمة من نقابة المهندسين والجهات ذات الصلة بهذه الأعمال".
وأضاف أن اللجان الهندسية "ما زالت تقوم بالكشف لبيان سلامة المباني وأن العمل لا يزال قائماً على استكمال الكشوفات الهندسية الأولية وتقارير التقييم والتوصيف من أجل سبر الضرر في كامل مدينة حلب من مجلس المدينة ونقابة المهندسين وبدعم من المنظمات الدولية في قطاع الإيواء وبإشراف فريق عمل الاستجابة للزلزال المنبثق من لجنة الإغاثة الفرعية في محافظة حلب".
خطط غير جادة
على الرغم من مضي أكثر من عام على الزلزال في سوريا، ما تزال المناطق المنكوبة تعاني من تبعات الكارثة، على مستوى البنية التحتية والخدمات الأساسية، وهذا دليل على فشل حكومة النظام في إدارة الأزمة، بحسب حديث الباحث الاقتصادي يحيى السيد عمر لموقع تلفزيون سوريا.
وأضاف: "الفوضى التنظيمية في المناطق المنكوبة تتحمل مسؤوليتها حكومة النظام خلال العقود السابقة، فغالبية المناطق المنكوبة غير مشمولة بالمخططات التنظيمية، ما يعقد من جهود إعادة الإعمار، إضافة للترهل الإداري والفساد، فعلى الرغم من حصول حكومة النظام على مساعدات مالية وعينية كبيرة نسبياً، إلا أنها لم تستثمرها في معالجة الأزمة".
ومن الملاحظ وجود الأنقاض في العديد من المناطق المنكوبة حتى الآن، وهذا يمكن تبريره بالإضافة للفساد والترهل الإداري، بأن حكومة النظام ما تزال تسعى لاستثمار الكارثة سياسياً، من خلال تصدير الرسائل للخارج بأن: العقوبات الغربية هي ما تمنع جهود الاستجابة للزلزال.
ويلاحظ السيد عمر أن "حكومة النظام تبدو غير جادة في تأهيل المناطق المنكوبة، وذلك لغايات سياسية، إضافة لكونها لا تمتلك المؤهلات الإدارية والتنظيمية اللازمة، ناهيك عن الفساد المالي والإداري، وكل هذا يعرقل من جهود الاستجابة، لذلك من غير المتوقع حدوث تغييرات جذرية على هذا الملف خلال المدى المنظور".
وحول مستقبل المنكوبين سواء من الناحية الخدمية أو الصحية أو التعليمية أو الإيواء، يرى السيد عمر أن كل المؤشرات تؤكد ثبات الوضع الحالي في المناطق المنكوبة، وعلى كل المستويات، بما يشمل البنية التحتية والمرافق الخدمية. مؤكدا أن حكومة النظام لا تمتلك إمكانيات مالية لدعم إعادة الإعمار، فهي في أزمة اقتصادية خانقة، وحتى في حال حصولها على مساعدات، سيحول الفساد المالي والإداري دون استثمار هذه المساعدات في دعم المناطق المنكوبة.
أما على مستوى مشاريع التعافي المبكر، فهي الأخرى غير ممكنة في ظل الظروف الحالية، بحسب السيد عمر، والدليل على ذلك، أن المناطق المدمرة بسبب الصراع والخاضعة لسيطرة النظام، لم تشهد أي مشاريع تعاف مبكر، ولم تشهد تأهيلا اقتصاديا أو خدميا، وهذا ما يمكن إسقاطه على المناطق المنكوبة بالزلزال، فحالها لن يكون أفضل من حال المناطق المدمرة بسبب الحرب، لذلك وكخلاصة، يمكن القول إنه من المستبعد أن تشهد المناطق المنكوبة أي انتعاش، ومن غير المتوقع استهداف المنكوبين بخدمات استثنائية صحية أو تعليمية أو خدمية.
بقرة حلوب
يسعى النظام من خلال تكثيف التغطيات الإعلامية التي تخص هذه المناطق، وعبر تفعيل الزيارات الأممية المكوكية إليها، إلى الحصول على مبالغ التعافي والإصلاح والصيانة، وهذا ما يجعل من إهماله لجميع خطط ما بعد الاستجابة الطارئة مسألة مقصودة، ولا يمكن تبريرها بالعجز الحكومي إطلاقا.
وتركز الماكينة الإعلامية للنظام على العوائق التي تواجه خطط الاستجابة، مثل العقوبات الاقتصادية وعدم توفر الوقود الكافي وشح الإمكانات المتعلقة بالآليات التي تستخدم في عمليات الإنقاذ والحفارات والكوادر البشرية المدربة، مع الحاجة إلى آليات إنقاذ وإسعاف ودفاع مدني، عدا آليات تأهيل الطرقات وآليات أخرى لأعمال النظافة وإزالة النفايات، وآليات هندسية لأعمال تأهيل وصيانة شبكات المياه والصرف الصحي وأجهزة فحص المياه، وأجهزة إلكترونية للكشف عن التسريبات في الشبكات، ويضاف إلى هذه القائمة الطويلة، تأمين مجموعات توليد للكهرباء باستطاعات مختلفة، وأنظمة للإنذار عن الحريق للوحات الرئيسية وحساسات وصافرات وكباسات ومستلزمات صيانة أبراج الاتصالات، بينما يحتاج قطاع الطاقة والكهرباء إلى آليات هندسية لأعمال تأهيل وصيانة شبكات الكهرباء ومحولات كهربائية باستطاعات مختلفة، مع مستلزمات صيانة الشبكة الكهربائية وقواطع كهربائية وكابلات.
ويقارن المعارض السوري أيمن عبد النور بين الطريقة التي اتبعها النظام في العقود الماضية مع محافظة القنيطرة المدمرة بعد حرب تشرين 1973، والأسلوب الذي يتملص من خلاله من مسؤولياته أمام خطط الاستجابة والتعافي التي تخص المناطق المنكوبة بالزلزال شمالي البلاد وفي الساحل السوري.
ويضيف خلال حديث لموقع تلفزيون سوريا أن القنيطرة وبالرغم من كون جزء منها تحت سيطرة النظام إلا أنها تركت بدون إصلاح أو ترميم، وذلك بهدف استجداء التمويل الدولي والمواقف السياسية، ونفس الفكرة تنطبق تماما على المناطق المهدمة بسبب الزلزال.
ويتابع عبد النور، أن قضية المنكوبين وآلامهم ومآسيهم لا تهم النظام، كون المعيار الأول في تعامله مع المواطنين السوريبن هو فقط مدى تأثيرهم على بقائه، مع ما قد تشكله نكبتهم من بقرة حلوب تدر الأموال الإنسانية الأممية والإقليمية.
وبناء على ما سبق، يتوقع عبد النور أن تشهد المناطق المنكوبة مشاريع تخص التعافي المبكر، بدعم أممي، نظرا لكثافة النشاط الإعلامي للنظام حول الموضوع، مشيرا إلى كثافة الوفود الإنسانية نحوها سواء من جهة الإمارات أو الصين أو روسيا، إضافة لوفود من سلطنة عمان ووفود من الأمم المتحدة، ويسعى النظام من كل ذلك إلى الحصول على مصدر دخل إضافي منتهزا الحجم الكبير للكارثة.