عن أكذوبة حالة التجريد والعزلة المفروضة على أوجلان

2024.09.02 | 06:04 دمشق

244444444444444444445
+A
حجم الخط
-A

في شهر مايو/ أيّار 2018، وتحت عنوان "أوجلان الأردوغاني" كتبتُ منشوراً على صفحتي في "فيس بوك"، ذكرت فيه: "هناك فجوة بين أوجلان وقيادة حزبه بدأت تظهر وتتسع، وصار أوجلان أقرب إلى العدالة والتنمية منه إلى حزب العمال الكردستاني وقيادته في قنديل".

وفي 8 مايو/ أيّار 2019، نُشر لي موقع تلفزيون سوريا مقالاً بعنوان: "هكذا تكلّم أوجلان الأردوغاني"، ذكرت فيه: "حزب (PKK) يعاني من انقسام غير معلن، وأن الرأس الحقيقي للحزب هو جميل بايك، ولم يعد عبد الله أوجلان".

وفي 8 مارس/ آذار 2024، نشرت صحيفة "العربي الجديد" مقالاً لي بعنوان "أوجلان أتاتوركياً وأردوغانياً"، ذكرت فيه: "لم يبق لدى الحزب ما يحرّك به مشاعر الشّارع الكردي الموالي له، غير هذه الأهزوجة الأكذوبة التي ظلّ يروّجها عقدين ونصف تقريباً، على أنَّ أوجلان يعاني الأمرَّين والعذاب في سجنهِ، والأخبار مقطوعة عنهُ، بسبب العُزلة وحالة التّجريد التي تفرضها السّلطاتِ التركية عليه! (...)"، السّؤال الذي لا يطرحهُ المحازبون "الأوجلانيون": لماذا تفرضُ تركيا العزلة والتّجريد على أوجلان.. ما الخطر الذي يشكّله هذا الرّجل على أمن تركيا واستقرارها؟.

هل صحيح أنّ الدولة التركيّة تفرض حالة العزلة والتجريد على عبدالله أوجلان وتمنعه من اللقاء بمحاميه، أم هو نفسه لا يريد اللقاء بهم؟

مناسبة التذكير بما سبق، ما صرّح به الكاتب والباحث الكردي (التركي) عبد الرحيم سماوي في 22 أغسطس/ آب 2024، خلال مقابلة على قناة "خاني. تي. في" الكرديّة عبر منصة "يوتيوب"، وردّاً على سؤال لمقدّم البرنامج سليم جوروكايا (قيادي سابق منشقّ عن العمّال الكردستاني): هل صحيح أنّ الدولة التركيّة تفرض حالة العزلة والتجريد على عبدالله أوجلان وتمنعه من اللقاء بمحاميه، أم هو نفسه لا يريد اللقاء بهم؟

أجاب سماوي: "لا تفرض الدولة أيّة عزلة أو تجريد على أوجلان، لا يوجد هناك سبب أو مبرر لذلك أصلاً، أوجلان لا يُصرِّح بما يزعج الدولة التركيّة أو يضرّ بمصالحها. السبب في عدم ظهوره هو أنّه لا يودّ التواصل مع مخاطبه الخارجي (محاميه، أسرته، حزبه) احتجاجاً على قيادة الحزب في جبال قنديل.

في شهري أيار وحزيران الماضيين، أرسل ثلاث مرّات رسائل إلى جبال قنديل، لكنه لم يتلقَّ أيّ ردٍّ إيجابي فيه استجابة لمطالبه وأوامره.. "واضح أنّ قيادة الحزب في قنديل تمارس الرقابة الصارمة على رسائل ومطالب أوجلان، وتخفيها، أو تحوّرها وتحرّفها، وتظهرها للرأي العام على أنّها التكليف غير الأخلاقي من قبل الدولة، (في إشارة من سماوي إلى تصريحات مصطفى قره سو، القيادي في الكردستاني)، وبالقطع، تلك كانت توصيات أوجلان"، والكلام لعبد الرحيم سماوي.

وحين سأله جوروكايا عن مضمون تلك التوصيات الموجّهة من أوجلان إلى قيادة حزبه، أجابه سماوي: "1- إخراج جميع عناصر الكردستاني المسلّحة من تركيا، 2- إفراغ مناطق قنديل وشنكال (سنجار) من مقاتلي الكردستاني، 3- إبعاد قوات سوريا الديمقراطيّة (قسد) عن الحدود التركيّة مسافة 10كم داخل الأراضي السوريّة، 4- ضرورة قطع العلاقة مع الأميركيين في شمالي سوريا، والدخول في حوارات مع النظام السوري في دمشق، ومهمة حماية مناطق شمالي سوريا تناط بـ(بيشمركة روج، والجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا، وعناصر حزب الاتحاد الديمقراطي) بعد اندماج هذه القوّات داخل الجيش السوري التابع للنظام، وبإمكان أردوغان إعطاء ضمانات لإنجاز ذلك"، والكلام لأوجلان، ينقله عبد الرحيم سماوي.

أبعد من ذلك، أشار سماوي إلى أنّ هذه التوصيات (الأوامر) جرى إرسالها إلى جبال قنديل بخط يد أوجلان وتوقيعه، وهذا يعني في ما يعنيه؛ عدم انقطاع التواصل بين أوجلان وقيادة حزبه، وزيف ادّعاء ومزاعم حالة التجريد المفروضة عليه، فضلاً عن أنّ مضمون التوصيات توحي، بل تؤكّد أنّها اتفاق بين أوجلان والاستخبارات التركيّة، أو هي بالأصيل توصيات الاستخبارات التركيّة، على لسان أوجلان وبخطّ يده!

وممّا ذكره سماوي في تلك المقابلة: إنّ الحالة الصحيّة لأوجلان جيّدة، وهو الذي يحدّد نوع الطعام الذي يتناوله، من قائمة الأطعمة المقدّمة له!

الواضح من تصريحات سماوي، التي لم ينفها حزب العمال الكردستاني أو أيّ من فروعه داخل سوريا أو تركيا، والرجل يعي ويدرك المسؤوليّة القانونيّة والسياسيّة من إطلاق هكذا تصريحات، أنّه يريد كشف الغطاء عن سريّة المراسلات بين أوجلان وحزبه، من جهة، وفضح الخلاف بين أوجلان وقيادة حزبه، من جهة ثانية، وأنّ زعيم "الكردستاني" حالياً يتبنّى مصالح الدولة والحكومة التركيّة 1000 بالمئة، من جهة ثالثة.

بدت على سماوي الثقة والمكاشفة والأريحيّة في الكلام، خلال كشفه تلك المعلومات التي تقلب الطاولة على مزاعم وادعاءات حزب العمّال الكردستاني وما يروّج له في إعلامه عن مظلوميّة أوجلان وحالة العزلة والتجريد التي تفرضها الدولة التركيّة عليه.

وحين أكّد سماوي على أنّ الحزب الكردستاني يفرض رقابة على تصريحات زعيمه، ويحوّرها، ولا يريد للرأي العام الكردي الاطلاع على تفاصيلها، دفع ذلك الكاتب والباحث المنشقّ عن الحزب سليم جوروكايا إلى القول ممازحاً: إنّ "قناة خاني تي في مفتوحة لأوجلان كي يعبّر عن رأيه، طالما إعلام العمّال الكردستاني يمنعه من ذلك".

عبد الرحيم سماوي

ولمن لا يعرفه؛ عبد الرحيم سماوي، فهو كاتب وباحث كردي من تركيا، ولد سنة 1964 في مدينة نصيبين التابعة لولاية ماردين جنوب شرقي تركيا، جرى اعتقاله على خلفية الانقلاب العسكري الذي شهدته تركيا في 12 سبتمبر/ أيلول 1980، وأودع سجن ديار بكر، وكان وقتذاك في الـ16 من عمره، لذا، زُجَّ به في مهجع الأطفال، وبقي في السجن لمدّة سبعة أعوام.

في أثناء سنوات اعتقاله، ابتعد عن حزب العمّال الكردستاني، وتحوّل إلى التديّن، وبعد الإفراج عنه، استقرّ في مدينة إزمير جنوب غربي تركيا، ويميل إلى الأوساط الإسلاميّة السياسيّة الموالية لزعيم الإسلام السياسي في تركيا؛ نجم الدين أربكان، ولاحقاً، تعزّزت علاقته مع رجب طيّب أردوغان، وصدرت له عدّة كتب منها "مهجع الأطفال" يتحدّث فيه عن ظروف سجن ديار بكر، إبان الانقلاب العسكري سنة 1980.

عمل سماوي كناشط حقوقي ومدافع عن حقوق الإنسان في جمعيّة "مظلوم-در"، ويرأس حاليّاً مركز للدراسات الاستراتجيّة، ويعمل ويقدّم استشارات سياسيّة، وتعتبره بعض المصادر مقرّباً من الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان، وفي إحدى الجولات الانتخابيّة كان مرشّح حزب العدالة والتنمية للبرلمان التركي عن ولاية ماردين.

توسّط عبد الرحيم سماوي في سنوات 2013-2014 بين الحكومة التركيّة و"حزب الاتحاد الديمقراطي-PYD" (فرع حزب العمّال الكردستاني في سوريا)، كما توسّط في المفاوضات التي جرت بين الاستخبارات التركيّة والعمّال الكردستاني، داخل وخارج تركيا، وزار جبال قنديل عدّة مرّات، والتقى هناك بجميل بايك وبقية قيادات الكردستاني.

السؤال هنا: لماذا التزم حزب العمّال الكردستاني وقيادته في جبال قنديل صمت القبور، حيال تصريحات عبدالرحيم سماوي، ولم يرد الحزب نفياً بما لديه من وثائق ومعطيات؟ غالب الظنّ أنّ ظهور سماوي على شاشة قناة معارضة للعمّال الكردستاني، لم يكن له أن يتمّ إلّا بعد أخذ الضوء الأخضر من الاستخبارات التركيّة، وربّما من أوجلان نفسه.

أوجلان بالنسبة إلى جبال قنديل، استسلم للدولة التركيّة تماماً، لكن الحزب لا يعلن ذلك على الملأ، لأنّ هذه الجماعة وعلى امتداد 40 سنة، صدّرت وتصدّر زعيمها على أنّه بطل، مقاوم، ومعصوم عن الخطأ، ومفكّر، وفيلسوف..

بات في حكم المؤكّد أنّ قيادة العمّال الكردستاني، وتحديداّ (جميل بايق) ومن معه، خاضعون لسيطرة ونفوذ وأوامر إيران، ويتصرّفون من خارج إرادة وسلطة وأوامر زعيمهم (المسجون) في تركيا؛ عبد الله أوجلان.

وأن أوجلان بالنسبة إلى جبال قنديل، استسلم للدولة التركيّة تماماً، لكن الحزب لا يعلن ذلك على الملأ، لأنّ هذه الجماعة وعلى امتداد 40 سنة، صدّرت وتصدّر زعيمها على أنّه بطل، مقاوم، ومعصوم عن الخطأ، ومفكّر، وفيلسوف... إلخ، على امتداد أربعة عقود والحزب يسعى إلى نمذجة وأسطرة زعيمه، ونسب المعاجز والخوارق له، ويستحيل إعلانه الآن "خائناً" أو "مستسلماً" لتركيا، لأنّ أيّ تصريح أو بيان يصدر من الحزب بهذا الخصوص، سيطلق رصاصة الرحمة على هذا التنظيم الذي تاريخه ملطّخ بالدم والتضليل والمزاعم والشعارات الزائفة.