محمد أحمد، نازح سوري من قرية قبتان الجبل في حلب، "ينحت في الصخر" حرفياً، في محاولة منه لتأمين قوت عائلته في إدلب، الأمر الذي يزداد صعوبة مع تأثّر السوريين بتداعيات الحرب الأوكرانية.
"الحالة هون تحت الصفر، والله العظيم يا شباب، عم قول لولادي طولوا بالكون بالأكل، يعني على حق الخبز عم ننكسر". يقول أحمد في مقابلة له مع تلفزيون سوريا، في موقع عمله بمكسر للحجر في إدلب.
وهذه حالة واحدة فقط، من بين ما يزيد عن 4 ملايين سوري محاصرين في تلك المنطقة، فرّوا من بطش نظام الأسد إلى أطراف البلاد الشمالية، ليجدوا أنفسهم تحت وطأة حرب تشتعل نيرانها في قارة أخرى، وتزيد من صعوبة تأمين الاحتياجات الأساسية للحياة.
الحرب في أوكرانيا والجوع في سوريا
فضلاً عن معاناتهم من نقص السكر والدقيق وزيت عباد الشمس، بسبب الحرب الأوكرانية، يواجه السوريون من نازحين ومقيمين شمال غربي البلاد، ارتفاعاً في أسعار المواد الغذائية الرئيسية يتراوح بين 22 في المئة إلى 67 في المئة بحسب تقديرات نقلتها صحيفة "إنديبندنت" البريطانية، عن منظمة "فيلق الرحمة" (Mercy Corps) الدولية.
وكانت سوريا تعاني أساساً من موجة جفاف تؤثر بقسوة على إنتاج الحبوب في البلاد، وهو ما اعتبره مركز "السياسات وبحوث العمليات" مؤشرا على مجاعة وشيكة، في بحث له قبيل اندلاع الحرب في أوكرانيا بنحو شهرين فقط، البلاد التي يصادف أنها المصدر الأساسي للقمح الداخل إلى شمال غربي سوريا.
أزمات تراكمت على مدار السنوات الماضية بسبب إجراءات الاحتراز والتصدي لوباء كورونا، أدت إلى تضخم الأسعار في الأسواق العالمية والعربية، وأتت الحرب الأوكرانية الآن لتشكل ضربة قاصمة للسوريين والمنظمات المعنية بمساعدتهم.
برنامج الأغذية العالمي التابع لمنظمة الأمم المتحدة، وهو أكبر المساهمين في الإغاثة بالمنطقة، قرر هذا الأسبوع خفض المساعدات الغذائية الممنوحة شهرياً لأكثر من مليون إنسان في شمال غربي سوريا.
تقليص التمويل المقدم إلى شمال غربي سوريا
وفي المنطقة نفسها فقدت 10 مراكز طبية تابعة لمنظمة العفو الدولية تمويلها، ما أجبرها على تقليص خدماتها بشكل حاد، وفق تقرير للمنظمة الخميس الماضي.
وفي أنحاء البلاد يتخطى نحو 87 في المئة من السوريين بعض وجبات الطعام، ويأكلون كميات أقل، في سبيل تأمين تكاليف المعيشة الأخرى، وفق المجلس النرويجي للاجئين.
أزمة تنوي روسيا استغلالها لأبعد حد، وشد قبضتها على خناق السوريين الفارين إلى آخر بقعة خارجة عن سيطرة النظام السوري وحلفائه.
هل من الممكن أن يصبح الوضع أسوأ؟
نعم، هذا مرجح بشدة، فالمساعدات الإنسانية الأممية تدخل إلى سوريا عبر معبر وحيد وأخير، هو معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا، والذي ينتهي تفويضه في 9 من تموز المقبل.
روسيا، وعبر مندوبها في مجلس الأمن، فاسيلي نيبينزيا، هددت في نيسان الماضي بإمكانية تصويتها بالـ"فيتو" ضد قرار تجديد التفويض لمعبر باب الهوى، في محاولة لإرغام المجتمع الدولي على إيصال المساعدات لإدلب عبر مسارات يسيطر عليها نظام الأسد.
من جانبهما، الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي، هددا بإيقاف تمويل المساعدات الإنسانية لسوريا في هذه الحالة، وهو ما يتوقع المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية، بأن يتسبب بموجة لجوء جديدة للسوريين باتجاه تركيا وأوروبا.
وعلى الضوء القاتم لهذه المعطيات، مع ما يرافقها من دعوات لإعادة "طوعية" للاجئين السوريين من دول الجوار، تستضيف العاصمة البلجيكية بروكسل خلال اليومين القادمين المؤتمر السادس للمانحين حول "دعم مستقبل سوريا والمنطقة"، ومن المرجح بشدة ألا تتحسن على أثره أوضاع أولئك الذين يحفرون في الصخر لسد رمق من بقي على قيد الحياة من عائلاتهم.