icon
التغطية الحية

عصر جديد لمواد جديدة.. ابتداء من الهواتف الذكية وحتى الصواريخ

2024.07.09 | 08:50 دمشق

المركبات تدخل في تصنيع طائرة بوينغ 787
المركبات تدخل في تصنيع طائرة بوينغ 787
The Wall Street Journal - ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

ثمة حفنة ضئيلة من العصور التي ظهرت فيها مواد جديدة في تاريخ البشرية، وهنا يتبادر إلى الأذهان السيراميك والفولاذ والبلاستيك، والآن أصبحنا على أعتاب عصر جديد، ألا وهو عصر المواد المركبة.

عندما نتحدث عن المركبات، فإننا نتحدث عن أشياء مثل الألياف الكربونية التي تدخل في صناعة التوربينات وسيارات السباق، وطائرات بوينغ 787، وتتميز هذه المواد بخفتها الشديدة مقارنة بقطع المعدن التي تحل محلها، إلى جانب متانتها وحاجتها لمصادر قليلة حتى يجري تصنيعها.

حقق العلماء المتخصصون بالمواد نجاحاً ضئيلاً في صناعة مركبات رخيصة من السهل الحصول عليها طوال عقود من الزمن، أو ربما طوال ألف عام، لأن أهل بلاد الرافدين هم من اخترعوا تلك المواد إن كنا نتحدث من الناحية التقنية، وذلك لأن طبيعة تصنيع تلك المواد التي تعتمد على قوة الإنسان وعمله جعلتها باهظة الثمن، وهذا ما جعل تطبيقاتها تقتصر على حفنة من المجالات والميادين التي تتفوق فيها مزاياها على تكاليفها، مثل الصناعة التي تستخدم في المجال الجوي.

والآن، وبفضل أساليب التصنيع الجديدة التي بوسعها تقديم قطع مصنعة من مواد مركبة بسرعة وبكلفة رخيصة، تغير كل ذلك، أما النتائج فكثيرة ومثيرة.

حققت المركبات الحديثة مرتبة رائدة في مطلع القرن العشرين، في حين اخترعت مركبات أخرى بوتيرة ثابتة، وبدأت الصناعة تحقق تقدماً كبيراً في أواخر تسعينيات القرن الماضي وأوائل الألفية الثالثة، وذلك عندما بدأت العمليات الآلية بتحويل أشياء مثل ألياف الكربون إلى هياكل عملاقة مثل أجسام الطائرات وشفرات طواحين الهواء وبذلك وصلت تلك العمليات إلى مرحلة النضج.

وخلال العامين المنصرمين، خرجت مجموعة من الشركات الناشئة بعمليات تهدف لتصنيع جميع أشكال الأشياء الصغيرة من المركبات، وبطريقة سريعة وغير مكلفة.

بيد أن تحويل أجزاء أساسية من الفولاذ والبلاستيك الذي نصنعه ونستخدمه إلى مركبات تضم مجموعة من الألياف التي تدخل ضمن مجموعة متنوعة من المواد البلاستيكية، قد يؤدي إلى ظهور أنواع جديدة من وسائط النقل، ومزيد من الأسلحة الحربية المخيفة، وهواتف ذكية أخف وأمتن، وأجهزة إلكترونية يمكن للمرء أن يرتديها إلى جانب غيرها من الأجهزة الإلكترونية الاستهلاكية الأخرى.

كل ذلك بات ممكناً بفضل المركبات، إذ في الوقت الذي تترتب عليها مخاطر، بوسع تلك المركبات أن تؤدي وظيفتها بكفاءة عالية تماماً كما تفعل القطع المعدنية التي تتمتع بمتانة كبيرة، لكن تلك المركبات أخف من تلك القطع بكثير، كما أن المركبات هي السبب في توفير الطائرات الحديثة في الوقود، ولولا الشفرات الضخمة للتوربينات المصنوعة من المركبات لكانت صناعة طاقة الرياح ضرباً من المستحيل.

السعي نحو التطور

بيد أن صناعة طائرات من المركبات شيء، بما أن طائرات بوينغ احتلت مكانة رائدة بفضل هذه التقنية عند ظهور طائرة بوينغ 787 بفضل سطحها المرئي المصنوع من مركب ألياف الكربون، وتصنيع كميات هائلة من قطع أصغر مصنوعة من مركبات شيء آخر، بما أن هذه القطع تشبه تلك القطع التي تصنع من التيتانيوم أو غيره من المعادن والتي تدخل في صناعة البراغي والدعائم التي تسهم في تركيب جسم طائرة بوينغ 787.

وبالنسبة للتقنيات الرائدة الأخرى في مجال التصنيع، مثل الطباعة ثلاثية الأبعاد، فإن جعل الاعتماد على تلك المركبات هو التوجه السائد بات عملية قائمة على التطور أكثر من كونها عملية ثورية.

أصبح بإمكاننا اليوم شراء مواد استهلاكية مؤلفة من قطع خفيفة للغاية ومتينة جداً، وعلى رأسها الأحذية الرياضية، وأسلاك عجلات الدراجات، والساعات الفارهة، إلا أن ما سيأتي سيثير انتباه الناس واهتمامهم بنسبة أكبر، وذلك لأن شركة إيرباص تختبر اليوم تقنية شركة آريز لتستبدل الدعامات المعدنية الموجودة داخل طائراتها بقطع مصنوعة من مركبات قدمتها شركة هندسية في سنغافورة تنفذ كماً كبيراً من عمليات إصلاح الطائرات في الولايات المتحدة.

هذا وتعمل شركة 9T Labs هي الأخرى في مجال تطبيقات الطيران، وتأمل أن تطلق إحدى الشركات التي تتعامل معها حتى نهاية هذا العام على أقل تقدير دراجات هوائية مصنوعة من قطع تقدمها هذه الشركة. فيما وقعت شركة  Orbital Composites عدداً من العقود مع الجيش الأميركي بهدف تطوير عملية تصنيع المركبات في مجال الأقمار الصناعية والصواريخ والمسيرات والطائرات التي تفوق سرعتها سرعة الصوت.

يخبرنا مارتن إيشنهوفر وهو الرئيس التنفيذي لشركة  9T Labs بأن عملية تصنيع الجزء الخارجي من سيارة فورمولا وان، أو هيكل دراجة هوائية مخصصة للسباقات المهمة، ماتزال عملية تحتاج إلى عدد كبير من العمال، ولذا، فإن هدف شركته وغيرها من الشركات التي تعمل في هذا المجال هو التخلص من العمالة البشرية الكبيرة التي تعتمد على العمل اليدوي الماهر من تلك العملية، وتحويلها إلى عملية آلية كعملية تصنيع القطع المعدنية والبلاستيكية التي اعتمدت طوال عقود.

عمليات تصنيع رائدة

وللوصول إلى هذا المستوى من الاعتماد على الآلة، يرى جيف سلوان وهو أحد من يكتبون في مجلة (عالم المركبات) التي تغطي كل ما يتعلق بهذا المجال، بأن عملية التصنيع التي تعتمدها شركات مثل آريز و 9T Labs تختلف تمام الاختلاف عن الطريقة التي تعتمدها الشركات المصنعة للطائرات ولتوربينات الهواء، وذلك لأن شركة آريز تشكل الألياف الكربونية عبر الاعتماد على عملية تشبه عملية ثني الأسلاك، وهنا مالك عزيزي القارئ إلا أن تتخيل كيف تصنع شماعة المعاطف، برأي ريلي ريز وهو المدير التنفيذ لهذه الشركة. وبعد تشكيل تلك الألياف تغلف بالراتينج ليوضع الشكل الناتج بعدئذ في قالب مخصص حتى يعرض للحرارة والضغط لتشكيل القطعة المطلوبة وتقسيتها وضغطها. وتعتمد شركة 9T Labs تقنية مشابهة، لكنها تبدأ باستخدام عملية تصنيع إضافية تشبه عملية الطباعة ذات الأبعاد الثلاثية، وذلك عبر وضع شرائح رفيعة من الألياف الكربونية على شكل معين، ثم صبها في قالب بطريقة تشبه طريقة شركة آريز كما يخبرنا إيشنهوفر.

في حين تعتمد شركة Orbital Composites على عمليات مختلفة تمام الاختلاف كما يخبرنا مديرها التنفيذي آمولاك باديشا، وذلك عبر الاستعانة بالروبوتات الجاهزة مع رؤوس الطباعة المخصصة لتقوم بنفث الألياف الكربونية، وبذلك تطبع الشركة أشكالاً ثلاثية الأبعاد من خلال عملية تشبه عملية التلوين بأقلام الشمع على دفاتر التلوين المخصصة للصغار. بيد أن الفرق يكمن في أنه صحيح أنه يمكن رسم أشكال ثلاثية الأبعاد باستخدام أقلام التلوين، نجد بأن شركة Orbital تستخدم قوالب قابلة للإزالة لتدعم أشكال الألياف الكربونية التي طبعتها.

يعتبر التنوع الكبير في الأساليب الآلية التي تعتمدها تلك الشركات الثلاث أمراً عادياً بالنسبة لعالم تصنيع المركبات الذي يتسم بالتقسيم، كما يعبر ذلك عن وجود كثير من الطرق الممكنة لتحقيق النجاح بالنسبة لهذه الشركات، والتي باتت تستكشف طريقة جديدة أساسية لتصنيع الأشياء تماماً كما طورت شركات كثيرة في حقبة أخرى طرقاً لتصنيع البلاستيك عبر حقنه في قوالب، أو لتشكيل المعادن التي تدخل في صنع الآلات.

في الوقت الذي تبدو فيه المركبات أشبه بتقنية ستظهر في المستقبل، نكتشف بأن كثيراً منها يعود لملايين السنين من ظهور البشر على الأرض ولتقنية تصنيع المواد قبل ظهور البشر حتى، وذلك لأن الخشب عبارة عن مادة مركبة أصلية، تتألف من ألياف طويلة وقصيرة تلتصق ببعضها بواسطة مواد أخرى، أي أنها تشبه إلى حد كبير مركبات اصطناعية حديثة مصنوعة من ألياف الكربون وأنواع من راتينج الإيبوكسي. ولقد كان الخشب أحد أهم العوامل التي مكنت البشر من تحقيق النجاح، فهو يبدي ما تبديه المركبات من مزايا وعيوب.

يتميز الخشب بخفته ومتانته وقدرته على تحمل الضغط والشد، كما يمكن تحويله بسهولة إلى أشكال أخرى، لكن يمكن تقطيعه بواسطة فأس، وبالطريقة نفسها تعاني المركبات حالات ضعف منها الانقسام الذي يحدث بين طبقاتها.

يرى جيرمي كوه رئيس قسم حلول المواد المتطورة لدى شركة ST Engineering بأن أكبر تحد بالنسبة لتقنيات المركبات الجديدة أنها يمكن أن تتعطل بسبب الجهد بمرور الوقت. ولهذا تجري شركته تجارب في الوقت الحالي لاستبدال براغي مصنوعة من التيتانيوم بقطع غيار مصنوعة من المركبات في صناعة الطائرات، وذلك عبر الاعتماد على طريقة التصنيع التي تعتمدها شركة آريز.

أظهرت التجارب الأولى بأن البراغي المصنوعة من المركبات تبلي بلاء حسناً كتلك المصنوعة من المعدن عندما تكون جديدة، وفي الوقت ذاته، تتسم بأنها أخف وأسهل في التصنيع، وأرخص بنسبة كبيرة، ولا تتعرض للمشكلات الجيوسياسية التي تتصل بسلسلة التوريد والتي ترتبط بالجهات الموردة المهيمنة على العالم بالنسبة لتوريد التيتانيوم، أي الصين وروسيا.

لا يدري كوه كم من الوقت ستبقى تلك البراغي المصنوعة من مركبات تبلي بلاء حسناً إلى أن تجري شركته تجارب مضنية مكررة لإجازة استخدام تلك القطع.

بيد أن التطبيقات الأخرى لهذه المركبات الجديدة لن تحتاج لوقت طويل قبل أن تصل إلى الأسواق، وخاصة تلك التي تدخل في صناعة المواد الاستهلاكية، فقد دخلت شركة آريز في مفاوضات مع شركة واحدة على الأقل بخصوص استخدام مركباتها لتصنيع سماعات الواقع الافتراضي، بما أن الوزن كان عائقاً كبيراً أمام اعتماد مواد معينة.

وعليه، بوسعنا في يوم من الأيام أن نشتري هواتف ذكية مصنوعة من مركبات لا من معادن، وينطبق الأمر نفسه على السيارات، لكن هذا يعتمد أيضاً على شدة حالة العطالة التي لم تتمكن حتى أفضل التقنيات من التغلب عليها، لأن المستهلك يربط المعدن بالجودة برأي ريز، حتى ولو لم يكن المعدن هو المعدن الأمتن والأخف أو الأفضل بالنسبة للتطبيق المعني.

المصدر: The Wall Street Journal