قال المفكر العربي عزمي بشارة ورئيس المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، إن هناك عدة عوامل تحكم سلوك الاحتلال الإسرائيلي عقب تنفيذ "حماس" لعملية "طوفان الأقصى" المفاجئة، مشيرا إلى أن الاحتلال يحاول تكوين رؤية استراتيجية أو رسم خطة تجيب عن "سؤال ماذا بعد" عمليات قصف وتدمير غزة، لافتا إلى أن التردد الإسرائيلي في العملية البرية يندرج تحت هذا التساؤل، وهو: هل لدى إسرائيل استراتيجية واضحة قادرة على تنفيذها؟
وأضاف بشارة في مقابلة مع "التلفزيون العربي"، الأحد، من مدينة لوسيل في قطر: "هناك سلسلة من ردود الأفعال الإسرائيلية هذا قائم أكيد.. حصل جرح نرجسي عقب هجوم 7 من أكتوبر وتسبب بحالة من الحيرة بعد هذا النوع من الإذلال أو ما يسمونه هم إذلال دعنا نسميه نوعا من التروما الصدمة.. هذه اللغة التي يستخدمها الساسة والإعلاميون بإسرائيل وهذا ولّد ردوداً غاضبة إرضاء للشارع وانتقاما لصورتهم.. هناك عناصر نفسية وسياسية.. لكن بالتأكيد هم يبحثون عن خطة تشمل أمرين بعد القصف واستنزاف الفلسطينيين في غزة وحركات المقاومة من ناحية تنفيذ الأهداف التي وضعوها.. والوضع الأمني الجديد في غزة كما يسمونه كيف سيبدو لذلك أولا.. ما اصطلح عليه حاليا في السياسة الإسرائيلية أنه لا يمكن العودة إلى 6 من أكتوبر ويجب الانتقال إلى وضع جديد لا تكون فيه حماس موجودة في غزة وهم يسمونه "طرف إرهابي".. أو مقاوم يتبع الكفاح المسلح وهذا يتطلب ضربة قوية للحركة وقياداتها وهم يذكرون علنا الأسماء الموضوعة على قائمة الاغتيال.. وهي سياسة ليست جديدة لقد اتبعوها على طول تاريخ حركة التحرر الفلسطيني..".
وأشار بشارة إلى إسرائيل تحاول تسديد ضربة للقوى المسلحة بحيث على الأقل لا تحكم غزة، وهم يبحثون عن طرف آخر يحكم غزة ويفضل أن يكون بإشراف عربي ودولي و"لكن ليس من الضرورة أن يحققوا ما يطمحون إليه..". كما يقول.
وتابع "أنا أعتقد أنه بعد 7 من أكتوبر هم جديون في ذلك.. لكن هم ليسوا وحدهم على الساحة يوجد حركات مقاومة إضافة للحشود العربية في الساحات من المحيط إلى الخليج وفي العالم أيضا، خاصة بعد قصف المستشفى المعمداني وما حصل هو تحول في الرأي العام العالمي نتيجة لهول الجريمة التي حصلت وعدم إمكانية قبولها أو التسامح معها بأي منطق كان.. هذه عوامل جديدة دخلت على الساحة، العنصر المهم الآن هو حجم المقاومة التي سيواجهونها عند دخول غزة والجبهة الشمالية عند دخول حزب الله.. أعتقد هناك كما من عدم اليقين لديهم وهم متردوون بشأنها وهناك عنصر أخير هو الضغط الإسرائيلي الشعبي من أجل الأسرى إن كانوا عسكريين أو مدنيين بالتأكيد يوجد تلخيص غير مسبوق لناحية الإجماع الإسرائيلي من عام 67 الفترة التي يسمونها فترة الانتظار عندما كان هناك إحساس باقتراب تهديد وجودي.. اللغة التي تستخدم في الإعلام لغة تعبوية وهناك إجماع وطني لاستعادة المعنويات لأن الصدمة خلقت نوعا من فقدان التوازن الاجتماعي والسياسي والفكري.. لذلك لاستعادته يحاول الإسرائيليون بناء إجماع من جديد، بعد الانسحاب من غزة عام 2005 اعتبروا أنه كانت هناك سلسلة أخطاء.. هناك إجماع على ذلك إنهم لم ينهوا حكم حماس، لا يوجد صوت يعترض على ذلك، لكن هناك بعض الأصوات التي تدعو للتفكير بتداعيات العملية البرية.. العقلانية الإسرائيلية الآن لا تعمل..".
تآكل معنويات جيش الاحتلال وضوء أخضر أميركي
وتحدث بشارة عن العوال التي تدفع إسرائيل للتردد بشن عمل عسكري بري على غزة، قائلا "الأصوات الرئيسية في الجيش تدعو للانتهاء من الموضوع وأيضا السياسيون.. الضغط العسكري على السياسيين أكبر. لقد استدعوا الاحتياط وانتظروا فترة طويلة.. إن الانتظار مكلف اقتصاديا ويترك آثارا نفسية على الجنود، استدعوا 350 ألفا الانتظا سيؤدي إلى عملية تآكل بالمعنويات.. إضافة إلى الضغط العسكري على السياسيين وهذا ما يذكرني بالـ 67.. طبعا الطرف الآخر ليس 67".
بشارة أوضح وجود ضوء أخضر أميركي غير مسبوق يعطي إسرائيل حرية العمل لتحقيق هدفها وهم متفقون مع واشنطن عليه وبحسب المفكر العربي "الأميركيون يتفقون مع إسرائيل على الهدف وهو القضاء على حركة حماس وبقي تحديد الوسيلة لتنفيذه.. أما العوائق فهي الخسائر التي ستلحق بالجيش وعدم اليقين من الجبهة الشمالية وسؤال ماذا بعد.. يعني ماذا سيفعلون بعد ذلك، ومن قال أصلا إن العملية البرية ستكون مضمونة كيف ستنجح خطتهم.. مثلا في الضفة الغربية حركة حماس لا تحكم مع ذلك يوجد فيها مقاومة.. هناك خداع ذاتي بدافع ترميم صورة إسرائيل أمام العالم وأمام أنفسهم يؤجلون الأجوبة حول اليوم التالي.. وهم غير مهتمين بحياة الأسرى لأن حياتهم تخضع للهدف.. هم لا يستطيعون التصريح بما أقول.. سيدعون أنهم داخلون إلى غزة لتحرير الأسرى.. الانتظار سيؤدي أولا إلى زيادة الضغط عليهم وزيادة القصف ستؤدي إلى جرائم حرب كبرى، وإلى زيادة الضغط العالمي، كلما تأخرت القضية ستقل القدرة على التدخل والجبهة الشمالية إلى أين سيصل التصعيد فيها؟.. من يريد فعلا أن يدخل قد يستعجل ولا يؤجل كل ذلك احتمالات.. هذه تحليلات طبعا..".
الموقف العربي والمصري
يرى بشارة أنّ الموقف المصري والعربي الرافض لتهجير سكان غزة، إيجابي بحد ذاته، لكنه لاحظ أن المشكلة تكمن في اعتبار أن "التهجير فقط هو خط أحمر"، بينما يجب أن يشمل هذا الخط الأحمر المجازر واستهداف المدنيين.
وتابع "أخشى أن تفهم إسرائيل الرفض العربي الرسمي القاطع حصراً للتهجير، بأنه مسموح إبقاء سكان غزة في هذا القفص وقتلهم فيه".
وحول المواقف العربية والإقليمية من الحرب على غزة، ذكّر بأن معظم الحكومات العربية لم تطالب بوقف إطلاق النار في الأيام الأولى، وتركزت تصريحات مسؤوليها على عدم تمدد الحرب، أي منع انخراط "حزب الله" فيها، وهذا أساس الموقف الأميركي. ولفت إلى أن تحرك الحكومات العربية ومؤتمراتها تلت التحركات الشعبية العربية، وتحديداً قصف مستشفى المعمداني "وهذا لاحتواء الغضب الشعبي، لأن هناك خوفاً من عودة تحرك الشعوب في الشوارع، وفلسطين مكان طبيعي لتجمع الشعوب العربية".
بشارة أكد أن الدول العربية قادرة على تعديل الموقف الأميركي المنحاز بشكل غير مسبوق لمصلحة إسرائيل، في حال اتخذت مواقف عملية وحقيقية موحدة "فلو افترضنا أن البلدان العربية الرئيسية التي تتأثر بتهجير الفلسطينيين من غزة أو من الضفة، اتخذت قرارات وخطوات حقيقية تبدأ بإغلاق سفاراتها في إسرائيل، ماذا يحصل على ضوء عدم توفر بدائل عن العرب بالنسبة للولايات المتحدة؟".
حراك الضفة يقترب من الانتفاضة
أما بالنسبة للحراك والتضامن في الضفة الغربية المحتلة قال بشارة إن الحراك هناك يشبه الانتفاضة، موضحا أن"الطابع الرئيسي للنضال بالضفة هو طابع مدني.. وأن عدد الشهداء بالضفة صادم بأي منظور كان، 94 شهيدا منذ 15 يوما، إذا نظرت إلى الانتفاضة الأولى في العام الأول استشهد 405 فلسطينيين.. لذلك بكل المقاييس ما يجري في الضفة يشبه الانتفاضة، تضامن ومعنويات عالية لكن الحرب تغطي عليه.. الحرب تحتل الأخبار.. هذا ظلم بحق الضفة الغربية يوجد نضال بطولي هناك، كذلك فإن إسرائيل تتصرف في الضفة كأنها في حرب وهذا يقودني إلى الفكرة الموجودة لدى الغرب الناجمة عن شعور "النحن" المشترك عن إسرائيل ودائما تصديق إسرائيل بما تقول لأنها تمشي مثلنا تضحك مثلنا تتحدث مثلنا هي منا.. هكذا هو الشعور الغربي نحو إسرائيل.. يصدقون أن إسرائيل لا تستهدف المدنيين، لكن إسرائيل تستهدف المدنيين ماذا تفعل في الضفة الغربية؟! هي تقتل في المظاهرات.. ماذا يعني إطلاق النار على الشباب في المظاهرات. إسرائيل منذ النكبة سياستها قائمة على استهداف المدنيين وقتلهم..".
ويوضح أن إسرائيل دائما ما استهدفت المدنيين لمعاقبتهم وارتكبت مجموعة مذابح لتخويف الناس لتهاجر وتترك أرضها، وبشكل واضح فإن العمليات الانتقامية التي ارتكبتها الفرقة 101 في قرى الضفة الغربية عندما كانت سيطرة الأردن بالخمسينيات تندرج في هذا الإطار، "كان يرد على كل عملية فدائية تسمى تسللا عبر الحدود بالذهاب إلى قرية وإخراج الناس من البيوت وارتكاب مذبحة.. في عدة قرى وعدة مرات لحد السموع سنة 76 عشية حرب 67 ارتكبت سلسلة من العمليات استهدفت المدنيين.. عقابا لهم أي عقاب المجتمع.. يتحدثون بشكل علني عن معاقبة المدنيين.. بايدن يقول لنا هناك فرق بين حماس والشعب الفلسطيني هذه مقولة نسبية عليها ألف سؤال، ولكن أنت تقول تريد القضاء على حماس وتقول في الوقت ذاته لا يوجد فرق كبير من حماس والشعب الفلسطيني.. إذا أنت تريد القضاء على الشعب الفلسطيني. لذلك ما يجري في الضفة الغربية هو استهداف للمدنيين هذا القصف للمستشفى والسوق والمقهى هذا هدف واستهداف وليست أضرارا جانبية.. الأهداف واضحة يجب أن يدفع المجتمع الثمن الذي قبل بهذا.. هكذا يفكرون ويقولون إن سياسة تربية الشعوب بالقصف هي سياسة تفوقية عنصرية.. وكولونيالية..".
"اليمين الإسرائيلي المجنون"
الرأي العام الإسرائيلي.. ما يجري في المجتمع الإسرائيلي هو اكتشاف أن اليمين المتطرف.. وهم يسمونهم اليمين المجنون.. لا يعرفون كيف يحاربون وقت الحروب يجب أن تبحث عما يعرف المحاربة مثل قادة الجيش العلمانيون والذين يتظاهرون اليوم ضد هؤلاء الناس.. فمن يحتل الشاشات الآن هم الناس الذين كانوا يتظاهرون ضد الإصلاح القضائي لنتنياهو ولأول مرة في أثناء الحرب بداية الحرب هذا الهجوم على رئيس الوزراء.. منذ بداية الحرب على الهجوم على رئيس الوزراء ومطالبته بأن يستقيل هذا لم يحصل في التاريخ.. توجد محالة لاستعادة وحدة المجتمع الإسرائيلي خلف العقيدة القتالية الجيش وليس خلف المستوطنين اليمين الديني.. الذي لا يصلح أن يقود الدولة في زمن الحروب.. الخطاب السياسي نفسه استيطاني.. متطرف.. لكن الناس التي تحمله هم الذين كانوا يتظاهرون ضد هؤلاء قادة الاقتصاد والجيش بناة المؤسسة التقليديين.. نعم بشكل واضح نتياهو انتهى سياسيا بعد الحرب قد تمون هناك لجان تحقيق.
انحياز الإعلام الغربي لإسرائيل
وحول انحياز الإعلام الغربي لإسرائيل، قال بشارة إنه "يجب محاسبة الإعلام الغربي الذي تجند لدعم إسرائيل وعمل على تغييب السياقات في نقل ما يجري"، فالبداية كانت بالنسبة للإعلام "الهجوم الإرهابي" الذي نفذته حماس متغاضيا عن تاريخ الاحتلال والحصار المفروض على قطاع غزة، وكأن الفلسطينيين في غزة ليسوا بشرا لهم أحلامهم وطموحاتهم ومن حقهم العيش بحرية وحياة طبيعية مثل الإسرائيليين. وانتقد بشارة تجاهل الإعلام الغربي والسياسيين الغربيين كلام وزير الدفاع الإسرائيلي العنصري الذي وصف الفلسطينيين والعرب بـ "الحيوانات البشرية" معتبرا التصريح دعوة صرحية لمعاملتهم على هذا الأساس باعتباره قادرا على إصدار الأوامر للجيش الإسرائيلي.
وفكك بشارة السلوك المنحاز واللامهني من قبل وسائل الإعلام الغربية الرئيسية التي روجت للرواية الإسرائيلية، وفرضت رقابة شديدة على الصحفيين وعلى مصطلحاتهم وقامت بفصل بعضهم، لاعتراضهم حرف السياق الفلسطيني عن الخبر، ورد كل المجازر الإسرائيلية إلى عملية "طوفان الأقصى".
بشارة انتقد أيضا تعاطي الإعلامي الغربي مع الفلسطينيين كأرقام وليس كبشر لكل منهم قصة وحياة وأقارب وسيرة. ونتيجة لذلك، وصف بشارة ما يواجه المتضامنين مع الفلسطينيين حالياً في الغرب بـ"المكارثية الجديدة".
وعلق بشارة على فرض الإعلام الغربي سؤال "إدنة" على كل ضيف فلسطيني أو متضامن مع القضية الفلسطينية وهو ما أحدث جدلا على وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي من قبل ناشطين عرب وفلسطيين؛ أوضح بشارة أن هناك تجاوزات حصلت في عملية "طوفان الأقصى" تتعلق بخطف مدنيين وقتلهم معتبرا أن"هذا يمثل عبئاً على الحركات المسلحة الفلسطينية"، ولكنه ذكّر بأن "هذا ليس نقطة البداية في النقاش، بل الاحتلال وجرائمه، إن كنا ندينهم، نكمل النقاش وننتهي إلى تقييم سلوك، فندينه أو لا ندينه، لأن الفلسطينيين ليسوا شعب الله المختار، بل ككل الشعوب الأخرى يخطئون ويصيبون".