نظرت الدكتورة ربا السيد والخوف يعتصرها إلى نهر الفرات وخلفه منزل عائلتها في مدينة البوكمال التابعة لمحافظة دير الزور، ففي شهر تشرين الثاني من عام 2017، تمكنت هي وزوجها عدنان الجاسم وأولادهما الأربعة من الهرب من تنظيم الدولة، ومن قصف النظام السوري وروسيا، ثم أخذ الجميع يستعد للمرحلة الثانية من تلك الرحلة الخطرة للوصول إلى مدينة الباب التي تسيطر عليها تركيا في الشمال السوري.
إلا أن زوجها عدنان عاد إلى المدينة ليجلب معداته الطبية من المشفى الميداني المحلي وذلك حتى يستخدمها عند وصوله إلى الشمال السوري، وعندئذ بدأ القصف الجوي.
وعن ذلك تحدثنا الدكتورة ربا فتقول: "عندما رأيت الطائرة وهي تقصف المكان الذي كنا نعيش فيه تحطم قلبي، ثم أصيب عدنان إصابة شديدة، فاحتاج لعملية بتر لأجزاء من قدمه وذلك عند وصولنا إلى مدينة الباب، ولكن خلال ستة أشهر استطاع أن يعاود المشي وعاد لمعالجة المرضى من جديد. لقد اخترنا البقاء في سوريا لنساعد غيرنا... وظننا أننا سنكون بأمان أكثر في مدينة الباب، لكني لم أتخيل أني سأخسره بسبب فيروس كورونا".
إذ بعدما كافح هذا الطبيب طيلة أشهر ليبقي المصابين بفيروس كورونا على قيد الحياة، ولمنع انتشار المرض في ذلك المجتمع الهش، أصبح الدكتور عدنان أول شخص يعمل في الرعاية الصحية في المناطق الخارجة عن سيطرة بشار الأسد يفارق الحياة بسبب كوفيد-19 في شهر أيلول الماضي.
إذ عندما بدأ الفيروس ينتشر خارج الصين خلال العام المنصرم، ظهرت مخاوف من تفشي المرض في شمال غربي سوريا حيث يعيش 1.1 مليون شخص في خيام ومساكن مؤقتة. كما أن منظومة الرعاية الصحية في تلك المنطقة والتي استهلكت وتراجعت بعد عقد من الحرب، كانت بالأصل تعاني وهي تحاول معالجة حالات سوء التغذية وغيرها من الأمراض المنتشرة.
إلا أن الوباء لم يتفشَّ بشكل كبير في مناطق الثوار بسوريا حتى بداية موسم البرد بنهاية السنة الماضية، وهكذا تم تسجيل 19.447 إصابة بالمرض، بالرغم من أن العدد الحقيقي يرجح بأنه أعلى بكثير، وذلك بسبب عدم توفر ما يكفي من مواد الفحص للكشف عن الإصابات، كما تضاعف عدد الوفيات بسبب هذا الفيروس ثلاثة أضعاف ما بين شهري تشرين الثاني وكانون الأول بحسب ما أورده مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا).
وما تزال هنالك الكثير من المخاوف التي ترى بأن شتاء قارصاً آخر يمكن أن يزيد من عدد الإصابات في مخيمات النزوح، في الوقت الذي تستعد فيه بقية دول العالم لاستقبال اللقاحات المضادة لفيروس كورونا.
وحول هذه النقطة يخبرنا الدكتور مصطفى محمود وهو طبيب تخدير عمل في العناية المركزة إلى جانب الدكتور عدنان في ثلاث مشاف فيقول: "كان امتهان الطب في سوريا أمراً عسيراً من قبل، كما أن الحرب عرضت الطبيب الذي يبقى في المشفى للخطر في بعض الأحيان، ناهيك عن عدم توفر ما يكفي من الموارد لدينا، بعد ذلك ظهر فيروس كورونا. لقد كان الدكتور عدنان قائداً حقيقياً، فقد نظم مجموعات من الأطباء ليقوموا بمساعدتنا في محاربة هذه الجائحة، كما حاول أن ينشر الوعي بين الناس حول أهمية غسل الأيدي والتباعد الاجتماعي وارتداء الكمامة... لذا كانت خسارته مؤلمة، إذ فقدنا كل الأشخاص الذين كان بوسعه أن ينقذ حياتهم لو بقي بيننا هنا. بيد أن استعداداتنا أصبحت أفضل قليلاً الآن، بوجود مزيد من الأسرة والمرافق، إلا أن الشتاء لا بد أن يكون قاسياً علينا".
وتوافق الدكتورة ربا على الفكرة القائلة بأن المناطق التي يسيطر عليها الثوار في سوريا تواجه أزمة صحية تسوء يوماً بعد يوم، فهي ما تزال في طور التعافي من إصابة حادة بكوفيد-19، لكنها ترى بأن مواصلة العناية بالآخرين هي الطريقة المثلى لتكريم ذكرى زوجها الراحل، وتعلق على ذلك بالقول: "كان عدنان كل حياتي، لقد كان النورالذي ينير دربي ودرب أولادي ودرب مرضاه، إلا أن هذا النور انقطع فجأة. لقد كان يحب مساعدة الآخرين، ولهذا يجب علينا أن نواصل مشواره".
المصدر: غارديان