لم تفرج قوات الأمن التابعة للإدارة الذاتية (الأسايش)، عن الـ 14 معلماً الذين اعتقلتهم قبل أيام في عامودا شمالي الحسكة، وفي الرميلان ومعبدة شمال شرقي الحسكة بتهمة تدريس منهاج النظام، وتحت حجج عديدة منها منع الدروس التعليمية الخاصة، ما دفع عشرات الطلاب للتظاهر يوم أمس للمطالبة بإطلاق سراحهم، وسبق ذلك بيان إدانة من المجلس الوطني الكردي الذي اعتبر أن هذه الخطوة تعيق "الشباب الكرد للالتحاق بالجامعات وسبل العلم".
واعتقلت الأسايش يوم السبت الفائت 5 مدرسين في بلدة عامودا واقتادتهم لجهة مجهولة ومن ثم اعتقلت في اليوم نفسه 9 مدرسين آخرين في مدينة الرميلان وبلدة معبدة، وذلك بتهمة إعطائهم دروساً خصوصيةً لمناهج وزارة التربية التابعة للنظام السوري في المرحلتين الإعدادية والثانوية، دون أن تحذر المعاهد أو المدرّسين مسبقاً من تدريس مناهج النظام.
سبق كل ذلك اعتقال 7 مدرسين في الـ 22 من الشهر الفائت بالتهمة نفسها، لكن الأسايش أطلقت سراحهم بعد مطالب شعبية وضغط مباشر من قبل المسؤولين الأميركيين بعد عدة مراسلاتٍ مع المجلس الوطني الكردي.
مدرّسون في الدرباسية يوقّعون على عريضة
ووقَع 22 مدرّساً في مدينة الدرباسية بعد ساعات من اعتقال زملائهم في الرميلان ومعبدة وعامودا، على عريضة أوضحوا فيها أنهم تلقوا تهديدات من الأسايش ما سيتسبب بتوقفهم عن التدريس، مؤكدين بأنهم طالبوا بمنح تراخيص أو موافقات لإتمام التدريس في الأشهر القليلة المتبقّية من العام الدراسي.
وأشار أحد المدرّسين الذي فضّل عدم الكشف عن اسمه بأنّ التهديدات التي يتعرّضون لها، صادرة عن أحد كوادر حزب العمال الكردستاني من أصول تركية، وأن الغاية من هذه التهديدات هي إرغام الأهالي على تدريس أبنائهم مناهج الإدارة الذاتية "المؤدلجة" وغير المعترف بها، مؤكّداً بأنّ الأهالي لن يخضعوا لهذه الضغوطات، ولكن قد تهدّد المنطقة ببدء موجة هجرةٍ جديدة.
خطورة مناهج الإدارة الذاتية.. والتركيز على الطلبة الأكراد
يرى كثير من الناشطين والسياسيين الأكراد والعرب على حد سواء أن سياسات الإدارة الذاتية في ملف التعليم أصبحت كارثية، منذ أن سلمهم النظام إدارة 2000 مدرسة من أصل 2400 مدرسة في محافظة الحسكة مطلع العام 2014، لتفرض "الإدارة" منهاجها المؤدلج على جميع المراحل الدراسية، دون أن يكون له اعتراف من قبل النظام أو اليونيسيف، وهذا ما يشكل هاجساً لدى الأهالي فيما يتعلق بمستقبل أبنائهم التعليمي.
وفرضت الإدارة الذاتية مناهجها التعليمية على المكوّن الكُردي دون سواه، في حين سمحت بتدريس المناهج التابعة للنظام السوري في المدارس الخاصة بشرط عدم تسجيل أي طالب كردي فيها وهددت بإغلاق المدرسة الخاصة في حال حصل ذلك، ونصبت حواجز تفتيش على الطرق المؤدّية لتلك المدارس، كما تغاضت عن المدارس الواقعة في المربع الأمني وفي القرى الواقعة جنوبي مدينة القامشلي التي تقطنها الغالبية العربية، والتي كانت المنفذ الوحيد للطلبة الأكراد.
وأفادت مصادر محلية من مدينة القامشلي بأنّ أبناء قيادات في الإدارة الذاتية يدرسون في المدارس الخاصة المسيحية وفي جامعة الفرات في مدينة الحسكة وباقي الجامعات في المحافظات السورية الأخرى.
ويُذكر بأن مناطق سيطرة قسد في كلٍّ من محافظتي الرقة ودير الزور، تُدرّس فيها مناهج مصدقة من اليونسيف، وذلك بعد الرفض الشعبي والعشائري لمناهج الإدارة الذاتية المؤدلجة وغير المعترف بها، حيث خرجت عشرات المدن والبلدات بمظاهرات للمطالبة بحقوقهم ورفض سياسات قسد والإدارة الذاتية.
التعليم من أهم نقاط الخلاف في الحوار الكردي - الكردي
يعزو مراقبون وناشطون هذه التحركات الأخيرة في اعتقال المدرسين إلى حالة التوتر التي سادت على عملية المفاوضات الكردية الكردية بين حزب الاتحاد الديمقراطي والمجلس الوطني الكردي الذي أصدر بدوره بياناً عقب الاعتقالات لتوضيح موقفه وتقديم مطالبه.
وكان ملف التعليم أحد أبرز النقاط الخلافية في المفاوضات التي استمرت أشهراً العام الفائت منذ نيسان الفائت، وأكد عضو في المجلس الوطني الكردي طلب عدم الكشف عن هويته، لموقع تلفزيون سوريا، أن المجلس طالب الوسيط الأميركي في المفاوضات، بالضغط على الاتحاد الديمقراطي للتنازل عن سياساته في قطاع التعليم في محافظتي الرقة ودير الزور وإلغاء مناهج الإدارة الذاتية، وبعد ضغطٍ متكرر وعد مظلوم عبدي قائد "قسد"، بالسماح بفتح معاهد ومدارس خاصة تدرّس مناهج النظام المعترف بها، وعلى أثره فُتِحت العديد من المراكز التعليمية.
وفي فترة ما بين انتهاء حكم إدارة ترامب وبداية تولّي بايدن الرئاسة الأميركية، أقدم مسلحون تابعون لحزب العمال الكُردستاني والمعروفون بشبيبة الثورة (جوانن شوشكر) في مدينة القامشلي بحرق معهدين برميهما بقنابل المولوتوف، وهذا ما كان بمنزلة تهديد لأبناء المنطقة بالالتزام بمناهج الإدارة الذاتية، وبعد ذلك وقعت حادثة اعتقال المدرسين الـ 7 في الـ 26 من الشهر الفائت في مدينة الدرباسية لتدريسهم مناهج النظام السوري، مع العلم أنه لم تُصدِر الإدارة أيّة "قوانين" تمنع بها التدريس بغير مناهجها.
وأصدر المجلس الوطني الكردي بياناً يوم الأحد الفائت أكد فيه اعتقال المدرسين في الدرباسية وعامودا ومعبدة "ليس فقط للإضرار بالطلبة فحسب بل لإشاعة مزيد من القلق والهلع بين الناس، وتمكين استبدادهم من سد السبل أمام الشباب الكرد للالتحاق بالجامعات وسبل العلم الأمر الذي يتعارض مع حقوق الانسان وكل القيم والمواثيق الدولية والإنسانية".
وأشار بيان الوطني الكردي إلى أن اعتقال المدرسين "يزرع المزيد من العراقيل أمام انطلاق الحوار الكردي وإفشال ما ترمي إليه المفاوضات التي ينتظرها أبناء الشعب الكردي".
وطالبت قيادة "قسد" بالإفراج الفوري عن المدرسين و"تحمل مسؤولياتها بما تعهد بها من توفير مناخات إيجابية للحوار ومنع تكرار الأعمال الترهيبية بحق أبناء شعبنا، ووضع حد نهائي لذلك ".
ولفت البيان إلى أن إيقاف التدريس في دورات الشهادة الثانوية العامة سيجعل ما بذله الطلاب خلال الأشهر الماضية من جهد وذويهم من مال للتقدم للامتحانات التي أصبحت على الأبواب؛ "هباء".
"الوطني الكردي" يضع شرطا لعودة المفاوضات مع "الاتحاد الديمقراطي"
وكشف مصدر مطلع أن المجلس الوطني الكردي بصدد إيقاف المفاوضات الجارية مع أحزاب الوحدة الوطنية الكردية التي يرأسها حزب الاتحاد الديمقراطي، بعد عمليات حرق مكاتب المجلس وخطف ناشطين وسياسيين كُرد والتصريحات التي أدلى بها آلدار خليل.
وأوضح المصدر، الذي فضّلَ عدم الكشف عن اسمه، لموقع تلفزيون سوريا، أنّ المجلس اشترط خلال الاجتماع الأخير الذي جمعه مع مظلوم عبدي قائد قوات سوريا الديمقراطية مع الوسيط الأميركي بتاريخ 3/2/2021 في القاعدة الأميركية بريف مدينة الحسكة، عودتهم إلى الحوارات، بتقديم الطرف الآخر اعتذاراً رسمياً عن سلسلة التجاوزات - بحسب وصفه - والتصريحات التخوينية التي أدلى بها آلدار ضد المجلس وبيمشركة "روج آفا".
كما أشار المصدر، إلى أنّ المجلس عقد منذ مطلع شهر شباط الجاري لقاءين مع الراعي الأميركي وعبدي، أحدهما مع ممثلٍ عن الخارجية الأميركية الجديد ديفيد براوستين، مضيفاً أنّ وفد المجلس سرد في اجتماعه الأخير سلسلة الأحداث التي جرت في مناطق سيطرة قسد بدءاً بحرق مكاتب المجلس واعتقال المدرّسين في مدينة الدرباسية وخطف كلٍّ من الناشط الإعلامي فنر محمود والسياسي علي طنكو وتصريحات قادات الإدارة الذاتية التي تبتعد عن روح الشراكة والتفاهم.
واستبعد الأخير إجراء أيّ اجتماعاتٍ جديدة في الأسبوع المقبل "في ظلّ الهيمنة والعقلية الإقصائية التي يتحلّى بها قادات حزب الاتحاد الديمقراطي، معوّلين على زيادة الضغط من الراعي الأميركي".