صورة لله يا محسنين

2022.02.20 | 05:54 دمشق

202202030958395839.jpg
+A
حجم الخط
-A

قرار الرؤساء بالتوزير، أو بتسمية الحكومة الجديدة، يُرفق بصورة برهان للرئيس مع أعضائها أو مع الوزير، الصورة جزء من شرعية المنصب، ينصبها الوزير على مكتبه في وجوه الزائرين، باثًّا الهيبة وناشرًا الذعر في قلوب المراجعين، قوته من قوة الرئيس، وعزمه من عزم الرئيس، فقد اتصل به، ومسّه، أمر يذكّر بقصة السامري الذي قبض قبضة من إثر الرسول.

قيل إنَّ الممثل هاني السعدي الذي اشتهر بكتابة مسلسلات ناجحة، فانصرف إليها عن التمثيل، التقى بالرئيس حافظ الأسد مكرمًّا منه، وذكر ذلك مرة لأصدقائه، وإن الراوي شكك بالأمر، يبدو أن الرئيس بخل عليه بصورة، حافظ الأسد كان بخيلًا بالمال والصور، وكريما بالبطش والحصر.

لم يُعرف عن الأسد عطايا مثل عطايا الخلفاء ولا من دونهم من الأشراف وزعماء القبائل، كانت الصورة معه أكبر عطاياه

وقع أمر مماثل لرائد الفضاء محمد فارس، الرائد الوحيد في سوريا، فاستقبل استقبالًا سيئًا في القصر، كان قد سبق منير حبيب ابن الأكرمين، واحتار القصر بين الثواب والعقاب، فهو رجل ملأ السمع والبصر، وأوكلت مهمة تقليده وسام التكريم لأحد مستخدمي القصر، ولم يكن في سوريا سوى رائد فضاء واحد. يروي السياسي المصري مصطفى الفقي خبرًا عن زيارة الملحن والمغني محمد عبد الوهاب للرئيس مبارك، وأنه بعد نهاية الزيارة سعى إلى الفقي مهرعا ورجاه أن تنشر صورته مع الرئيس في الصفحة الأولى في الأهرام حتى يتباهى بها أمام الزوار.

لم يُعرف عن الأسد عطايا مثل عطايا الخلفاء ولا من دونهم من الأشراف وزعماء القبائل، كانت الصورة معه أكبر عطاياه، فالصورة السحرية تفتح الأبواب المغلقة، ويمكن للمنعم عليه بصورة مع الرئيس أن يتاجر بها، فيشتغل مقاولًا، ينقل بها موظفًا من مكان ناء إلى قلب المدينة، ويضع شرطيًا على معبر حدودي فيغتني. أحد السوريين أطلق صفحة سماها "الشوفونية"، الشوفونية هي أشد أمراض وسائل التواصل الاجتماعي شيوعا، يصوّر المرء نفسه بهاتفه مع وجباته، ومع قهوته وسيجارته. داعيا الناس إلى الفرجة.

 كان حافظ الأسد بخيلًا بالظهور والأضواء، ولأنه باطنيّ، كان يدرك قيمة الغياب والإغباب، وحاذقًا في حسابات مسافات العزلة والحجاب السياسي السلطاني، تاركًا الوزراء أنفسهم يتحسرون على لقائه، قد يكون لقاء الوزير لقاءً واحدًا هو لقاء القسم لا يتكرر، بعض الوزراء لم يلتق به.

 لباب القول: إنَّ بشار الأسد هذه الأيام بحاجة إلى صورة تذكارية مع رئيس مثله، عربي أو أجنبي، منتخي أو ملك.

هو يتسول الصورة ويتمناها، كي يقول لشعبه إن الرؤساء على أشكالها، لكنه رئيس معزول سياسيًا ويفضّل أن يكون رئيسًا لدولة كبيرة أو غنية أو قوية، النملة تحبّ صورة مع الفيل كي تريها لصديقاتها النملات، وتروي لهن كيف كان الجسر يهتز تحت أقدامها وهي تعبره، سيقنع الرئيس شعبه أنه رئيس يُزار، وإن كان لا يستطيع زيارة زملائه، الزيارة الوحيدة المتاحة هي زيارة وزير الدفاع روسيا الشقيقة في ثكنة حميميم.

قديما كانت الصورة التذكارية تصورا شعرا، وكان المتنبي يتصدر الصورة، ثم جاء عصر التوقيع بالقلم للذكرى وما لبثت الكاميرا أن ازاحت القلم عن منزلته. تقليد التوقيع للذكرى مأخوذ من الغرب وصناعة النجوم. أمسى الفنان نجمًا يهتدى به في ظلمات الليل وأنوار الفجر، الفنان المشهور يوقّع لمحبّيه، فيعود صاحب التوقيع إلى أصحابه متباهيًا بصورته معه، رائدًا لفضاء من غير مركبة فضائية. ومع شيوع الهواتف بكاميرات التصوير شاع السيلفي.

يحرص الرؤساء العرب على "شوفونية" محلية، مثل الظهور مع أسرة فقيرة، أكل طعام الناس، غالبًا ما يكون الطعام معدًا في القصر الجمهوري

أمس التقى الرئيس السوري مع وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو في طرطوس، بعد أربع ساعات من النقع في حمض الانتظار، كان حمض الانتظار سنّة سورية في المكاتب الحكومية والتحقيقات السياسية، وجلس وزير الدفاع إلى يمين الرئيس في مخالفة للمراسيم. الجزاء من جنس العمل، الرئيس بحاجة ماسة إلى صورة. ذكر نابهون أن قصة خطف الطفل قطيفان مشبوهة ومفتعلة، للقول إن النظام الذي انتصر على مئة دولة، النظام ماهر في التحقيقات البوليسية وقادر على إنقاذ طفل بعد التعاون مع الإنتربول الدولي، وإنه فلم هندي كوميدي جرت صناعته بغير إتقان، وهو فلم بنهاية سعيدة للأطراف الثلاثة؛ الشاطر والمشطور وبينهما كامخ.

يحرص الرؤساء العرب على "شوفونية" محلية، مثل الظهور مع أسرة فقيرة، أكل طعام الناس، غالبًا ما يكون الطعام معدًا في القصر الجمهوري. يُذكر أن بشار الأسد بادر إلى الظهور مع الفنانين، ياسر العظمة وعلي فرزات في صور وأفلام إخبارية، عندما كانا نجمين ينتقدان الفساد، العظمة في المسلسلات وفرزات في الرسوم، وهو ما يمكن أن نسميه تعفيش المعارضة.

برز الرئيس مؤخرا مع الفنانة السورية سلاف فواخرجي الحسناء من غير مناسبة، لقد رفع الدعم عن طائفة جديدة من السوريين، وودّع الاشتراكية، ظهر في صورة مع حسناء شيكاغو، دعمًا لها ومواساة وتعزية ومكافأة للشعب بصورة حلوة مع رئيسة الجمال السوري، وعسى أن يظهر مع الداية أم زكي تعبيرا عن الولادة الجديدة وحتى لا نتهم الرئيس بأنه انتصر لشارع شيكاغو على أهل باب الحارة.