صفقة F-16 التركية الأميركية والحسابات "القسدية"

2024.06.20 | 05:58 دمشق

طائرة f16
+A
حجم الخط
-A

نجحت تركيا أخيرًا في الحصول على موافقة الكونغرس الأميركي لإتمام صفقة طائرات F-16 المحدثة بعد جدال ماراثوني بين الطرفين نتيجة لتصادم المصالح بينهما وشراء منظومة S-400 الروسية، مما أغضب واشنطن التي قررت إخراج تركيا من مشروع طائرات F-35. لكن الحرب الروسية الأوكرانية خدمت تركيا على الصعيد الاستراتيجي لأنها ربطت انضمام السويد وفنلندا لحلف الشمال الأطلسي بشروط عدة منها طائرات F-16.

في نظرة معمقة لهذه الصفقة، تبدو الملامح الأولية لها أنها إنجاز تركي في كسب الصفقة رغم بقاء منظومة S-400 الروسية لديها. لكن لو نظرنا إلى الدول التي لديها أو سيكون لديها طائرات F-35، مثل إسرائيل واليونان، وهي دول منافسة لتركيا في المنطقة بل لها خلافات معها في ملفات عدة، فإننا سنجد أن التفوق الجوي ليس لصالح تركيا. ثانيًا، بكل تأكيد لن تُستخدم هذه الطائرات لا ضد الروس ولا ضد الحلفاء، وهنا هل سيسمح لتركيا باستخدام تلك الطائرات ضد قسد؟ لأن من الشروط الأميركية عدم استخدام الأسلحة ضد حلفاء الولايات المتحدة، وقسد حتى الآن حليف تحتاجه واشنطن لأهداف عدة في المنطقة لتحجيم النفوذ الروسي والإيراني.

لا يمكن إنكار أو إخفاء الصراع الإعلامي بين تركيا وقسد أو الصراع خلف الكواليس السياسية بينهما. فقسد تحاول دوماً إقناع الإدارة الأميركية والعالم بأنها الوحيدة الفاعلة كفصائل مقاتلة على أرض الميدان ضد داعش، بل إنها تتهم تركيا بدعم داعش من أجل الاستمرار في مناوشتها وإضعافها. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى تريد إظهار نفسها كإدارة ذاتية شبه ديمقراطية وأنها قادرة على حفظ الأمن والتنمية الاقتصادية في المناطق التي تسيطر عليها. وأن النجاح الاقتصادي مستمر لولا الضربات الجوية من قبل المقاتلات التركية ضد أهداف اقتصادية أو بنى تحتية نفطية وغيرها التابعة لها. وكان لأنصار قسد في الكونغرس الأميركي دور في تأخير هذه الصفقة، وحتى الآن ما زال أنصار قسد يقومون بما يمكن القيام به من أجل إبقاء الضغط على تركيا الساعية لإقامة عملية عسكرية خامسة ضد قوات سوريا الديمقراطية.

هذا التزامن بين الصفقة والتصريحات رسالة تركيا لقسد بأنها لن تسمح لها بالبقاء كنقطة ضعف ضد أمنها القومي مهما طالت الحماية الأميركية لها أو الفيتو الأميركي على استخدام طائرات F-16 ضد قسد.

وبالتزامن مع صفقة F-16 يحذر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من تنظيم أي انتخابات في الشمال الشرقي من سوريا، ويتوعد باللجوء إلى القوة العسكرية لمنع هذه الانتخابات التي اعتبرها طريقة من أجل شرعنة وجود حزب العمال الكردستاني وتعزيز فكرة تقسيم الأراضي السورية التي ترفضها أنقرة جملةً وتفصيلًا. ويتعمد الرئيس التركي ذكر النظام السوري على أنه هو الآخر لن يسمح بإجراء تلك الانتخابات غير الشرعية، وهذا تطور واضح في خطاب الرئيس التركي تجاه النظام في دمشق، وخاصة بعد الأنباء عن لقاء جمع بين مسؤولين عسكريين أتراك ونظرائهم من النظام في قاعدة حميميم. وكانت قبل ذلك لقاءات جرت في بغداد، قد صرح عنها رئيس الوزراء العراقي. هذا التزامن بين الصفقة والتصريحات رسالة تركيا لقسد بأنها لن تسمح لها بالبقاء كنقطة ضعف ضد أمنها القومي مهما طالت الحماية الأميركية لها أو الفيتو الأميركي على استخدام طائرات F-16 ضد قسد. وزارة الدفاع التركية هي الأخرى أدلت بدلوها وفي نفس التوقيت أيضًا عبر تصريحها بأنها حيدت منذ بداية العام 1151 عنصرًا لحزب العمال الكردستاني، منهم 630 في الشمال السوري، وهذا يعني التركيز الأكبر على الشمال السوري، وخاصة بعد التوصل لاتفاق مع بغداد على اعتبار هذا الحزب منظمة إرهابية وربما تسعى أنقرة لجعل نفس هذا الأمر مع النظام السوري ضمن المفاوضات الأولية بينهما.

من السذاجة بمكان مقارنة أو مقاربة تركيا بقسد بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية، فأوجه المقارنة غير موجودة أصلاً على المستوى الاستراتيجي أو العسكري أو الاقتصادي أو أي شيء آخر. لكن مقتضيات الظروف الحالية جعلت لقسد وجودا نتيجة لتردي الأوضاع الأمنية في سوريا والعراق قبلاً. وأيضًا واشنطن تحتاج لمقاتلين لها على الأرض السورية، ولذلك في كل محفل سياسي متعلق بسوريا تؤكد على دعمها لقسد لضرورات الحاجة الإقليمية الحالية. وهذا ما يقلق قسد، أن يوماً ما سوف ترفع واشنطن يدها عن قسد، ولذلك تحاول بشتى الطرق إيجاد صيغة سياسية أو قانونية لوجودها في سوريا، وتسعى لإقناع واشنطن بهذا الأمر. وعلى النقيض، تقوم أنقرة بنشر وإقناع الجميع بأن قسد امتداد لتنظيم إرهابي لا يمكن التعاون معه، وأنها مستعدة للتعاون مع خصوم الأمس (النظام السوري) من أجل إنهاء فكرة قسد والإدارة الذاتية. وأنه وإن مُنعت تركيا من استخدام الطائرات الأميركية لضرب قسد إلا أنه لن يمنعها أحد من الاستمرار في ملاحقة قسد عبر تحالفات إقليمية لمنع مشروعها السياسي، وعبر الدعاية الإعلامية على أن قسد امتداد لتنظيم إرهابي مسجل في لوائح الخارجية الأميركية ودول الاتحاد الأوروبي.