ترامب.. هل هو عقدة التقارب أم التباعد بين أنقرة والنظام السوري؟

2024.07.29 | 08:10 دمشق

آخر تحديث: 29.07.2024 | 08:10 دمشق

5444444444444444444
+A
حجم الخط
-A

لم يعد يخفى على أحد في الآونة الأخيرة محاولات التقارب والتصريح بها بين تركيا والنظام السوري، وزيادة عدد الدول الداعمة لذلك التقارب لما فيه مصلحة اقتصادية وأمنية لجميع دول المنطقة، كما ترى هذه الدول نتيجة لمتغيرات الواقع السياسي في الشرق الأوسط.

هذا ما أكد عليه وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، في تصريحه على إحدى القنوات، مبيناً أن التعاون مع النظام السوري ضروري من أجل قضايا أمن الحدود ومكافحة الإرهاب وعودة اللاجئين.

ورغم كل هذه المحاولات والدعم المقدم لها، تبقى هناك كلمة سر حاسمة يمكن أن تغير معادلة التقارب والتباعد بين الطرفين، ألا وهي الرئيس القادم للولايات المتحدة الأميركية.

ومعظم التوقعات تصب في صالح دونالد ترامب للوصول لسدة الرئاسة. وفي حال وصوله، ستكون الحسابات مختلفة تماماً عند جميع الأطراف التي بدأت من الآن اتخاذ خطوات استباقية لتفادي أي صدام معه.

بعيداً عن تفاصيل إدارته السابقة للملف السوري، فإن الحاضر لا يشبه الأمس. فالخلافات التي كانت موجودة بين تركيا والنظام السوري تحاول أنقرة اليوم أن تختصرها بقسد ومشروع الانفصال الكردي في الشمال السوري على أنه تهديد للأمن القومي التركي ووحدة التراب السوري، ولا بد من التعاون مع النظام لدرء هذا الخطر.

تسعى تركيا استباق الخطوات قبل وصول ترامب للرئاسة تحسباً لأي مفاجأة يطلقها الرئيس الجمهوري.

هذا التعاون تحتاجه تركيا ليكون ركيزة قانونية وسياسية لها من أجل عملية عسكرية ضد قسد وتحجيمها قدر الإمكان في حال سنحت لها الفرصة. فعندما كان ترامب رئيساً للولايات المتحدة الأميركية لم يمانع تلك العمليات بل ضبطها، ولعله هذه المرة لن يمانع أيضاً (في حال وصوله للبيت الأبيض).

ربما تراهن تركيا على هذا رغم علمها بعدم وجود نية لدى واشنطن لإنهاء قسد في الوقت القريب، لأن المرحلة ما زالت تتطلب وجود قسد لتحجيم النفوذ الإيراني من العراق إلى سوريا وتحجيم وإنهاء الجماعات الإسلامية الراديكالية الموجودة في سوريا. ولكن في حال تمت المصالحة بين أنقرة ودمشق، فكلاهما سوف يعنى بهذين الملفين، وخاصة أن الأمر أصبح الآن متعلقاً بالأمن القومي لبلدين متجاورين تجاوزا كثيرا من الخلافات بينهما (في حال تم التطبيع).

ولو أضفنا على ذلك التعاون التركي العراقي في ملف حزب العمال الكردستاني وتصنيفه من قبل بغداد على أنه حزب إرهابي، فإن الحصار وتضييق الخناق عليه في سوريا والعراق سيصبح أكثر فأكثر، وهذا بحد ذاته يعتبر نجاحاً مهماً لتركيا على صعيد إنهاء أو تحجيم حزب العمال الكردستاني.

ولهذا تسعى تركيا استباق الخطوات قبل وصول ترامب للرئاسة تحسباً لأي مفاجأة يطلقها الرئيس الجمهوري، فهو الذي رفض عملية الانسحاب من أفغانستان وقد يفعل ذلك في سوريا ويعزز العلاقات مع قسد لاستكمال دورها الذي أوجدت من أجله على الأراضي السورية. ولكن تبقى في الذاكرة التركية كلمة ترامب الشهيرة عندما قال: لو تمت المقارنة أو المفاضلة بين تركيا وقسد، فالجواب معروف.

كل الفرضيات التي رُسمت للتقارب بين دمشق وأنقرة قد لا تحصل في حال صعد ترامب ضد تركيا وروسيا لأسباب اقتصادية أو غيرها من الأسباب.

أما روسيا المتحمسة لهذا الصلح، فلن تجد فرصة أفضل من وصول ترامب للرئاسة. فهو الذي لديه علاقات خاصة مع بوتين كما هو الحال مع أردوغان، والظروف اليوم ليست كما كانت. فالحرب الروسية الأوكرانية لم تكن موجودة، ولا الحرب الإسرائيلية في غزة. ولعل ترامب سوف ينفذ تهديده بوقف المساعدات العسكرية لأوكرانيا، ولهذا الأمر تبعات كثيرة. وربما تحاول روسيا إقناع ترامب بخصوص الفوائد المرجوة في حال عودة العلاقات التركية السورية، لأنه يتناسب عكساً مع النفوذ الإيراني الكبير في الداخل السوري. إضافة إلى أنه خطوة نحو التهدئة في المنطقة كلها. ولا أحد يعلم كيف ستدار الملفات المختلفة بين واشنطن وموسكو بعد وصول ترامب، لكن المؤكد أنه سوف ينعكس على الملف السوري، وخاصة أن تركيا متحمسة للمصالحة مع النظام السوري.

أما النظام السوري الذي خبر ترامب بشكل جيد، فإنه يعلم أن التقارب مع تركيا يُعد استكمالاً مهماً لتقاربه مع المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، اللتين تتمتعان بعلاقات كبيرة ومهمة مع واشنطن. ولو أضاف إلى ذلك تركيا، فإنها خطوة كبيرة ومهمة نحو إعادة تأهيله سياسياً وبشكل كبير. وأيضاً ربما تكون طريقة لتجاوز العقوبات الأميركية (قانون قيصر) والنأي بالنفس نوعاً ما عن الصدام المرتقب بين طهران وترامب، الذي يُحمّل إيران الاضطرابات الحاصلة في الشرق الأوسط إضافة إلى ملفها النووي.

لكن النظام لن يفوت الفرصة ليزيد من مطالبه من تركيا، وفي نفس الوقت سوف يستخدم هذا التقارب كورقة ضغط يلوح بها أمام قسد التي يبدو أنها بدأت تستشعر الخطر. ولعل تصريح مظلوم عبدي بأن قوات قسد تعمل من أجل وحدة الجغرافيا السورية وأنهم مستعدون للحوار مع جميع القوى ومنها تركيا مؤشر على الحسابات القادمة في حال فوز ترامب بالانتخابات الرئاسية.

لكن في ختام القول، يجب أن لا ننسى أن ترامب نفسه هو من فرض بعض العقوبات على تركيا، وهو من ضرب الليرة التركية وهدد بتدمير الاقتصاد التركي وقصف قواعد عسكرية للنظام السوري، مما يعني أن كل الفرضيات التي رُسمت للتقارب بين دمشق وأنقرة قد لا تحصل في حال صعد ترامب ضد تركيا وروسيا لأسباب اقتصادية أو غيرها من الأسباب.