اختصر صالح مسلم، الذي عاد مؤخراً لرئاسة حزب الاتحاد الديمقراطي، دور حزب العمال الكردستاني في سوريا خلال عشر سنوات؛ في بضع كلمات عنون بها (موقع هاوار) التابع للحزب لقاءً أجراه معه، عندما نقل عنه قوله (نضالنا أجبر تركيا على التوسل لحكومة دمشق)، وهو كلام واضح لا يحتاج إلى تفسير ولا يحتمل التأويل، خاصةً إذا تذكرنا ظروف عودة الحزب إلى النشاط في سوريا بعد بداية الثورة، والجبهة التي حارب عليها والأهداف التي كرس (نضاله) من أجلها، وربطنا ذلك بالظروف الحالية التي يمر بها وقد تحقق معظم ما عاد من أجله، إلى أن وصل إلى مرحلة الصراع من أجل الاحتفاظ بموطئ قدم بأي ثمن، بعد أن أدمن البقاء في دائرة الضوء (واللعب مع الكبار)، حتى إذا كان أمام باب النظام الموصد في وجهه، وقد عاد (وفد الحزب خائباً دونه)، حسب صالح مسلم نفسه في تصريح سابق.
أعاد كلام صالح مسلم أعلاه إلى الأذهان، ما قاله رفيقه القيادي في حزب العمال الكردستاني باهوز أردال صراحةً، في معرض التذكير بأفضال حزبه على النظام، الذي تنكر للخدمات التي قدمها له، من أنه (لو لم يتم تأسيس وحدات حماية الشعب ـ التي أسسها كوادر الحزب ـ ولولا سياسة الإدارة الذاتية، لما بقي نظام الأسد)، وقبل ذلك ما قاله الزعيم الفعلي للحزب جميل بايق في حوار مع صحيفة النهار، من أن (علاقتنا بحافظ الأسد وعائلته كانت وثيقة ودافئة، ولا يمكننا أن نكون مناهضين لسوريا أو ضد الأسد)، وهي السياسة التي لم يحد عنها الحزب قيد أنملة، وسخّر الإمكانات البشرية والمادية للكُرد السوريين، حد النضوب، من أجل تحقيقها.
سيطروا بقوة السلاح على الكُرد السوريين وعملوا على إخراجهم من معادلة الثورة السورية، وذلك عبر إحياء تحالف الحزب القديم مع نظام الأسد ضد تركيا
كان واضحاً بعد بداية الثورة في سوريا، وتقاطر كوادر حزب العمال الكردستاني على المناطق الكُردية السورية من معاقلهم النائية في جبال قنديل، ومنهم صالح مسلم الذي قيل بأنه كان ملاحقاً من نظام الأسد، بأن ما يقوم به الحزب هو أبعد من أن يكون مشاركةً في الثورة كما أشاع، فقد استلم هؤلاء المنطقة من النظام بسلاسة، رغم محاولاتهم إظهار العملية تحريراً لها، وسيطروا بقوة السلاح على الكُرد السوريين وعملوا على إخراجهم من معادلة الثورة السورية، وذلك عبر إحياء تحالف الحزب القديم مع نظام الأسد ضد تركيا، الذي كان انتهى على أثر المصالحة بين الطرفين الأخيرين قبل عقدٍ من ذلك، وكانت المقدمة لذلك إبعاد زعيم الحزب من سوريا، ومن ثم توقيعهما اتفاق أضنة الأمني القاضي بحظر نشاطه في البلاد، ومنح الحكومة التركية حق ملاحقة عناصره مسافة خمسة كيلومترات داخل الأراضي السورية.
فوجئ الكُرد السوريون الذين كانوا انخرطوا بقوة في الثورة السورية، إلى جانب مواطنيهم السوريين، بفرض الشعارات المعادية لتركيا على حراكهم، مقابل تغييب نظام الأسد من المشهد ومنع المطالبة بالديمقراطية وبحقوقهم في سوريا، إلى أن نجح حزب العمال الكردستاني في نهاية المطاف، في فرض أجندته ـ وبالتالي أجندة النظام ـ على المنطقة، بعد إنهاء النشاطات المناوئة له، حتى كاد الأمر يلتبس على المراقب، ويظن بأن الثورة السورية في جانبها الكُردي، إنما قامت ضد الحكومة التركية، وللمطالبة بإطلاق سراح زعيم حزب العمال الكردستاني المحتجز في تركيا، وقد أصبحت يوميات السياسة التركية وتفاصيلها، هي المحرك للأنشطة التي يقيمها الحزب في المناطق الكُردية السورية، التي بدت كأنها أصبحت معزولة عن سوريا، إن لم تكن داخل تركيا.
الانتصار الوحيد الذي حققه الحزب كان على الكُرد السوريين، الذين أوصلتهم سياساته إلى التوسل يومياً؛ للحصول على الخبز والغاز والكهرباء والمازوت والأمان
بغض النظر عن أهمية دور حزب العمال الكردستاني، فيما انتهت إليه الأوضاع في سوريا، وخاصةً على ملف العلاقات السورية التركية، والذي لعبه عبر التضحية بأرواح آلاف الشبان الكُرد التسبب بتدمير المناطق الكُردية السورية، فإن الواقع الذي لا يمكن تجاهله، هو أن اتخاذ الحزب من تلك المناطق منصة لما يقول عنه نضالاً، قدم لتركيا الذريعة ـ أو أرغمها ـ على القيام بعمليتين عسكريتين في المنطقة، لم يكن الحزب خلالهما بمستوى الشعارات التي لا يزال يرفعها، وأن الانتصار الوحيد الذي حققه الحزب كان على الكُرد السوريين، الذين أوصلتهم سياساته إلى التوسل يومياً؛ للحصول على الخبز والغاز والكهرباء والمازوت والأمان، أو لفتح الحدود للفرار من جحيمه، بحيث أصبح السؤال عما حصل عليه الكُرد من وراء نضال الحزب، سؤالاً مشروعاً، وإن كانت الإجابة واضحة.