أراد إقليم كُردستان العراق احتواء حزب العمال الكُردستاني وترويضه، فتساهل معه تحت شعارات وحدة الدم والأخوة الكُردية وتحريم القتال الأخوي، وقلل من شأن عدوانيته المعلنة اتجاهه وغض الطرف عن وجوده على أراضيه، فاستغلت أجهزة المخابرات الإقليمية الحزب، وحولته بالاستفادة من الدعم الدولي الذي حصل عليه بغرض استخدامه؛ إلى قنابل موقوتة داخل إقليم كُردستان وموزعة على حدوده، يحاصره حصاراً مطبقاً من جميع الجهات ويعمل على ابتلاعه، وآخر تلك الجهات المناطق الكُردية السورية؛ التي يسيطر عليها الحزب بطلبٍ من نظام الأسد منذ بداية الثورة السورية، تحت أنظار سلطات الإقليم وبدعمٍ سخي منها، بعد أن تسامحت مع إساءاته الكثيرة لها، ووضعت أراضيها في خدمة تحركات قادة فرعه السوري وإدارته، وسهّلت عبر اتفاقات غير منصفة، رعتها بين الحزب والمجلس الوطني الكُردي المقرب منها سيطرته على تلك المناطق، وزوّدتها بالمساعدات الإغاثية التي صبت في مستودعاته، فاستخدمها في إحكام سيطرته عليها.
وصل تدخل حزب العمال الكُردستاني في شؤون إقليم كُردستان، حدَّ التحريض والمشاركة في العنف خلال الاحتجاجات التي شهدتها مدينة السليمانية مؤخراً، في سعيّ منه لركوب موجتها واستخدامها وسيلة لتقويض سلطة الإقليم. ومن المعروف بأن تلك الاحتجاجات انطلقت على خلفية الصعوبات المعيشية التي سبّبها؛ تعمد الحكومة المركزية العراقية عدم إرسال رواتب موظفي الإقليم، في مخالفة للدستور العراقي والاتفاقات الموقعة معها بالصدد، الأمر الذي استغل نتائجه الحزب، الذي يتمتع بوجود كبير في مدينة السليمانية الواقعة على الحدود الإيرانية، والتي تعتبر معقلاً لحليفه حزب الاتحاد الوطني الكُردستاني، وهو ثاني أكبر أحزاب الإقليم المشاركة في حكومته، درجة إعلان أحد أعضاء مجلس قيادة الحزب الأخير، بأن: (حزب العمال الكُردستاني ومن ورائه أجهزة استخبارات إقليمية)، هم من يقفون خلف ما يجري من أعمال التخريب والحرق، التي طالت المؤسسات الحكومية والخدمية ومقرات الأحزاب في المدينة.
حزب العمال الكُردستاني لم يخفِ يوماً عداءه لإقليم كُردستان، حيث اعتبره زعيم الحزب المسجون في تركيا (خنجراً في خاصرة الأمة)
والواقع هو أن حزب العمال الكُردستاني لم يخفِ يوماً عداءه لإقليم كُردستان، حيث اعتبره زعيم الحزب المسجون في تركيا (خنجراً في خاصرة الأمة)، وعمل دوماً على الطعن في شرعيته والتقليل من شأنه من خلال هجوم إعلامي مركز ومستمر، لا يخفي رغبته في تدمير تجربة الإقليم وإعادة الأوضاع فيه إلى نقطة الصفر، وقد تطور الأمر إلى عدد من الأعمال العدائية في مناسبات مختلفة، منها ممانعة نشر حكومة الإقليم سلطتها على أراضيها واستخدام القوة في ذلك، مثلما حدث مؤخراً في منطقة سنجار التي تعتبر في العرف الإيراني جزءاً من الهلال الشيعي، حيث اعترض الحزب الذي يعيش توءمة مع الحشد الشعبي العراقي على اتفاق تطبيع الأوضاع بين حكومة الإقليم والحكومة العراقية، القاضي بإخراج مسلحيه من المنطقة تمهيداً لتطبيع الأوضاع فيها وعودة الأهالي إليها، وكان آخر ما فعله الحزب بعد أن أُسقط في يده، وبعد حملات تخوين وشتائم بحق قيادة الإقليم، وضمن إطار التحايل على اتفاق سنجار، هو دمج مسلحيه هناك في فوج تابع للحشد الشعبي، يضم كامل القوات والفصائل التابعة لحزب العمال الكردستاني في العراق ويعسكر على تخوم المنطقة، علماً أن مسلحي الحزب يتقاضون رواتبهم من قيادة الحشد في بغداد، خاصةً منذ انضوائهم في لواء الفتح المبين الذي أسسته منذ عامين.
لقد اعتمد حزب العمال الكُردستاني سياسة القضم التدريجي لأراضي إقليم كُردستان، ومن ثم التطفل على سيادته ومنعه من فرض قوانينه عليها، بداعي أن الأراضي الكُردية مشاع لكل الكُرد ولا يعترف بحدودها، وأن من حقه الوجود حيثما يشاء، رغم أن الحزب ينفي أية طبيعة قومية عن نفسه، ولا يخفي عداءه للقومية الكُردية، إلى حد القول بأنه سيقاوم أي مشروع انفصالي كُردي وأية محاولة لتقسيم الدول التي يوجد فيها الكُرد، ويظهر فوق ذلك احتراماً لقوانين تلك الدول، إذ يواظب عبر حزب الشعوب الديمقراطية المقرب منه في المشاركة في الانتخابات التركية، وينخرط في خدمة المخططات الإيرانية في إيران والعراق وسوريا، ويقوم بالتنسيق مع نظام الأسد لإبقاء سيطرته على المنطقة. لقد بلغ التبجح بحزب العمال الكُردستاني حداً، أنه وجه السؤال إلى قيادة إقليم كُردستان، عما إذا كانت على علم بالقوة التي أرسلتها لفرض سيادتها على أراضٍ لها في المنطقة الحدودية التي يزاحمها الحزب عليها، وعن الهدف من إرسال تلك القوة، رغم أن المنطقة الحدودية التي توجهت إليها دوريات الحكومة المحلية الكُردية، أصبحت خارجة عن سلطة الإقليم بسبب وجود الحزب الذي يفرض نمط تفكيره عليها، حيث يقيم الحواجز ويفرض الإتاوات على الأهالي ويقوم باختطاف أبنائها لتجنيدهم، كما تتعرض المنطقة لهجمات جوية تركية بذريعة وجوده فيها، بحيث أصبح سكانها بين المطرقة والسندان، ما اضطر معظمهم إلى مغادرتها، بحيث خلت عشرات القرى من السكان.
بادر مسلحو الحزب إلى زرع الألغام في طريق دوريات الإقليم المتوجهة إلى المنطقة التي يسيطر عليها
لم يكتفِ حزب العمال الكُردستاني بتوجيه الأسئلة لإقليم كُردستان؛ حول فرض سيادته على أراضيه، فقد جاء ذلك بعد أن بادر مسلحو الحزب إلى زرع الألغام في طريق دوريات الإقليم المتوجهة إلى المنطقة التي يسيطر عليها، ما أدى لمقتل وجرح عدد من عناصرها، كما هاجم دوريات حراسة آبار النفط التابعة لحكومة الإقليم في المنطقة، وعمد إلى تفجير أنبوب نفطه الوحيد داخل الأراضي التركية. لقد وصل اختراق حزب العمال الكُردستاني لإقليم كُردستان، حد استخدام بعض المنصات الإعلامية التابعة للإقليم والممولة منه في خدمته، بعد النجاح في توظيف بعض كوادره السابقين فيها، أو استخدام موالين لأحزاب مقربة منه في ذلك، حيث تعمل تلك المنصات على تطبيع وضع الحزب ودمجه في نسيج المنطقة، وتصمت على أعمال التخريب التي يقوم بها ضد الإقليم، الأمر الذي يجعل سعيه إلى استرداد زمام المبادرة، يزداد صعوبةً مع مرور الوقت.