تأخذ ربّات المنازل على عاتقها تلبية شهوات أطفالها الصائمين في رمضان وتحضير وجباتهم المفضلة على مائدة الإفطار، إكراماً وبراً لطاعتهم، وكثيراً ما تفطر الأسرة بكاملها على طبق اشتهاه صغير الصائمين لديها إن توفرت مكونات ذلك الطبق.
في مخيم الركبان على شريط الحدود السورية الأردنية وبعد أن أنهت صفا 11 عاماً مشاهدة مقاطع الفيديو على أحد التطبيقات، طلبت من والدتها تحضير الشاورما للإفطار، طلبها فاجأ الأم وأيده بقية أطفالها ودفعها لإخفاء ملامح خيبتها، بحسب قولها لموقع تلفزيون سوريا.
وتابعت والدة صفا "أم محمد" المعيلة لأربعة أطفال: "وجدت أنّ لحم اللانشون أو ما يعرف بالمرتديلا خيار مناسب لوضعي المادي، فعلبة المارتديلا بوزن نصف كيلو غرام تباع في المخيم بسعر 20 ألف ليرة سورية، فيما يصل ذات الوزن من لحم الدجاج إلى 40 ألف ليرة".
"شاورما المرتديلا".. بديل عن اللحوم
وتشرح أم محمد طريقة التحضير الخالية من التعقيد، إذ تضع القليل من الزيت النباتي في مقلاة على نار هادئة مع شرائح البصل والمرتديلا المقطعة على شكل شرائط رقيقة ومتساوية وتضيف بعض التوابل المتوفرة في مطبخها لمدة 20 دقيقة.
تلف أم محمد المكونات في أرغفة الخبز وتضيف لها المخلل وصلصلة الثوم وما يتوفر من خضروات، وأخيراً تقوم بتحمير الساندويش على نار هادئة أيضاً وتقديمها كـ"وجبة فاخرة دفعتها الحاجة وأوضاع المخيم المأساوية لابتكارها".
وأضافت السيدة "نالت الوجبة إعجاب أطفالي وكذلك بعض جيراني ممن أرسلت لهم الساندويشات كسكبة رمضانية الذين طلبوا مني تعليمهم طريقة التحضير".
ونشرت منصة حصار المختصة بتغطية واقع مخيم الركبان صوراً لطبق "شاورما المرتديلا" الذي انتشر مؤخراً بين سكان المخيم العاجزين عن تغطية نفقات اللحوم الحمراء ولحوم الدجاج على حد سواء.
وأشارت المنصة إلى تردي الوضع الاقتصادي لمعظم سكان المخيم وتدني مستوى التدخل بالتوازي مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية وقلة توفرها.
وتروي السيدة مروة الحسن لموقع تلفزيون سوريا تجربتها مع "شاورما المارتديلا" التي تعلّمت طريقة تحضيرها مؤخراً، مؤكدة أنها "كانت أفضل ضبق تحصل عليه أسرتها المؤلفة من تسعة أفراد خلال شهر رمضان الحالي".
ووفقاً للحسن فإنّ اللحوم بجميع أنواعها خرجت من قائمة أطباق خيمتها منذ وصولها إلى المخيم قبل 8 سنوات، مشيرة إلى اعتمادها بشكل أساسي على المساعدات الإنسانية التي تصل إلى المخيم إضافة إلى مبالغ نقدية صغيرة تصل إليها كل بضعة أشهر من شقيق زوجها المفقود في تدمر منذ العام 2014.
وختمت السيدة حديثها بالقول "ليست شاورما المرتديلا وحدها الوجبة المزيّفة الوحيدة لدى الأهالي في المخيم، فالعديد من الأطباق وأصناف الحلويات لا تقوم نسوة المخيم بتحضيرها كما اعتدن عليه قبل أن توصلهنّ الحرب إلى المخيم".
مخيم الركبان
ويعيش سكان مخيم الركبان المحاصر من قبل النظام السوري والميليشيات المساندة له ظروفاً اقتصادية ومعيشية صعبة للغاية منذ أواخر العام 2017 عندما أغلق الجيش الأردني الحدود مع المخيم بالكامل عقب تعرض قوات حرس الحدود لعدة هجمات من قبل تنظيم "داعش".
ومنع النظام السوري وصول منظمات الإغاثة للمخيم عدة مرات، وعند قبوله بوصولها عرقل دخول المواد الأساسية والعلاجية، وتعرضت قوافل المساعدات للسرقة والنهب وهجمات في مناطق سيطرة النظام.
ووصف بشار الأسد خلال مقابلة أجراها مع وكالة نوفوتسي الروسية في آذار 2023 مخيم الركبان بـ"معسكر إرهابي بالكامل"، مدعياً أن قاعدة الولايات المتحدة في منطقة التنف تدرب مقاتلين وتؤوي عائلاتهم في المخيم.
ويفتقر المخيم لوجود إحصائية دقيقة حول عدد النازحين إليه، في حين أشارت تقديرات منظمات إنسانية أواخر العام إلى وجود ما لا يقل عن ثمانية آلاف مدني معظمهم يعيشون تحت خط الفقر.
وفي حزيران 2023 أعلنت المنظمة السورية للطوارئ ومقرها واشنطن إطلاق عملية مساعدة تاريخية باسم "واحة سوريا" لإيصال مساعدات غذائية وطبية بمساعدة طائرات شحن عسكرية أميركية إلى مخيم الركبان وكسر الحصار المفروض عليه من قبل النظام السوري وروسيا.
وشملت المساعدات حينئذ مواد طبية وغذائية وتموينية وحليب أطفال وأدوات زراعية وبذور نباتات وبعض مستلزمات مشاريع صغيرة للاكتفاء الذاتي، إلى جانب لوازم مدرسية وتعليمية.