لم ترقَ الإجراءات والقرارات الدولية الخاصة بالملف السوري، وبالتحديد حول المقتلة التي تدور رحاها منذ عشر سنوات تقريباً في سوريا إلى حجم معاناة السوريين، وحتى لم تستطع ردع القتلة، المتمثلين في رئيس النظام بشار الأسد ورجالاته، والاحتلالين الإيراني والروسي، فضلاً عن الميليشيات الطائفية التي غزت المدن السورية تحت إشراف نظام الملالي في طهران، وعلى مرأى ومسمع العالم أجمع، وأعضاء مجلس الأمن الدولي؛ هذه القضية أو المعضلة التاريخية، والتي تعتبر جريمة مركّبة ضد السوريين -عندما تخلى عنهم دعاة الإنسانية والديمقراطية، ومن يسنّون القوانين "المنصفة" ويصدّرون شعارات تنادي بحقوق الإنسان- لم تكن إلا اتفاقاً مبرماً بشكل مباشر أو غير مباشر، بين القوى الكبرى، وخاصةً التي ترى في مصلحتها "مثل أميركا وروسيا والصين، وبعض دول الاتحاد الأوروبي" أن شعوب الشرق الأدنى يتحتم عليها الرضوخ تحت سياسات ومنهجية أنظمتهم الدكتاتورية، وبالأخص، الشعب السوري، الذي كان وسيبقى هدفاً مشروعاً "للتجهيل والتفقير "بوجهة نظر الأوصياء الغربيين، والطاغية بشار الأسد، لما له من قوة وثقل وتأثير على الصعيد الجيوسياسي ضمن المنطقة العربية، في الوقت الراهن والمستقبل.. هذا ولم نتطرق إلى ثقل الشعب المصري، كأمة فاعلة في الشرق الأوسط؛ إذ إن الجنرالات المقربين من أميركا في مصر استطاعوا وأد مشروعية صناديق الاقتراع، ونسفوا قيم ومفاهيم الديمقراطية التي تتغنى فيها واشنطن، عندما انقلب "عبد الفتاح السيسي" على الرئيس المصري الراحل محمد مرسي، مدمّراً كل أحلام المصريين وفرحتهم بالحرية، عقب عقود من الذل والمهانة والفقر، عندما كان الدكتاتور حسني مبارك يحكم البلاد!
طبعاً، لم يكن الشعب السوري وحده في الفخاخ القاتلة، إذ لم ترتح ما تسمى القوى الفاعلة في العالم، ومنها "إسرائيل" حتى قضت على مكونات الشعب العراقي، وسحقت النسيج الاجتماعي، من خلال الغزو الأنجلو أميركي للعراق في عام 2003، ليصار بعد ذلك ضرب المنطقة بعدة أدوات، أولها استغلال ثورات الربيع العربي، وعسكرتها، ودفع الجهاديين (منهم الاستخباراتيون) نحوها بشكل طردي، ومتعمد، وبتغاضٍ صريح.. علاوة على نسيان المسبب الرئيس للمقتلة ضد الشعوب، في العراق واليمن ومصر وليبيا، وسوريا ولبنان، وتونس؛ تجاهلوا الدكتاتوريين وأعوانهم، والقوى العسكرية وأجهزة المخابرات التي فتكت بالأبرياء والمنتفضين ضد الاستبداد، بل ودعموا بقاءهم بذرائع شتى، معظمها "عدم وجود البديل"، أو أن على الجميع محاربة الإرهاب (تنظيم الدولة الإسلامية-داعش).
وبالتزامن مع الجولات السياسية والمؤتمرات، والمفاوضات في سوريا على مدى عقد من الزمان، كان للأسد حصة "الجمل"، في القتل والترهيب والقمع والاعتقالات، والتهجير والتغيير الديمغرافي، بمساعدة إيران، وروسيا، التي دخلت بقدها وحديدها في عام 2015، لتقصف المشافي والمدارس، والأماكن المدنية، وتقتل ألوف الأبرياء من النساء والأطفال، وتجلب أيضاً مرتزقتها "فاغنر" للقيام بعمليات خاصة (اغتيالات وجرائم ضد الإنسانية) على الأراضي السورية، ضاربين عرض الحائط بوجود خلايا "داعش"، بل إن الروس عقدوا صفقات تجارية لبيع النفط في دير الزور مع إرهابيي تنظيم الدولة بوساطة رجال أعمال تابعين لنظام الأسد مثل جورج حسواني، وحسام قاطرجي، إضافة إلى قياديين كبار في ما تسمى "قوات سوريا الديمقراطية-قسد"!
لم يكن الموقف الأوروبي واضحاً نحو نظام بشار الأسد منذ بداية الثورة السورية التي حوّلها الأسد وحلفاؤه إلى حرب دموية ضد الشعب السوري
لم يكن الموقف الأوروبي واضحاً نحو نظام بشار الأسد منذ بداية الثورة السورية التي حوّلها الأسد وحلفاؤه إلى حرب دموية ضد الشعب السوري؛ إذ اقتصرت قرارات الدول الأوروبية على تأمين الأغذية ومخيمات اللجوء، وتحسين ظروف النازحين داخلياً، ومساعدة اللاجئين في أوروبا، مع رعاية مؤتمرات صحافية واستضافة رموز سياسيين سوريين كبار، كمعارضين لنظام الأسد. وكانت كل المساعدات التي حصل عليها اللاجئون والنازحون السوريون عبارة عن قيم مضافة من خلال غسيل الأموال، أو إن صح التعبير، هي شراء ولاءات وتبادل مصالح بين الدول أنفسها على حساب دماء السوريين ومأساتهم!
أما بالنسبة للدول العربية والإسلامية، فها نحن نرى بعضهم يتراكضون لإعادة تدوير الأسد ونظامه، وكسر مشجب الذرائع القديم.. إذ إنهم كانوا يقولون سابقاً: "لا مكان للأسد في سوريا ولا شرعية له".
الجميع كان متفقاً على وأد الثورة السورية وترك الطاغية بشار الأسد يكمل مجازره بحق السوريين! وهذا ما طفا على السطح في النهاية؛ إذ قال حسن حسن" وهو مدير برنامج "اللاعبون من غير الدول"، التابع للمركز الدولي للسياسة في واشنطن، إنه كان على اطلاع دائم بما يخص المناقشات المهمة، والمتعلقة بدعم بعض دول الخليج لروسيا كي تقودَ دوراً مفصلياً في سوريا، وكان الدور المفصلي هو قتل ألوف السوريين الأبرياء، وقصف المشافي والمدارس كما ذكرنا آنفاً، ولم يكن كل هذا كافياً، إنما صُيرت سوريا بفعل نظام الأسد وحلفائه، وصمت المجتمع الدولي المتقصّد إلى دولة فاشلة ومن أفقر دول العالم رغم أنها غنية بالثروات التي تكفي قارة بحالها، ومصنفة بأنها أكثر الأماكن خطراً.
سيبقى الأسد كدمية في نظر الجميع، وحتماً الشعب السوري الحرّ، حتى يرحل، إما (بأزمة قلبية)، أو لجوئه إلى المعسكر الشرقي تحت وصاية روسية. وقد تنشأ تحالفات جديدة (عسكرية) إقليمية مع الأميركان، ولربما يصعد التيار الإسلامي بموافقة واشنطن لمواجهة عدوتها المناكفة (روسيا) بـ "ناتو عربي إسلامي"، كما فعلت سابقاً في تشجيع طالبان والقوى "الوهابية" لمحاربة الاتحاد السوفييتي في أفغانستان، لكن هذه المرة بتكرار اللعبة ذاتها بقناع آخر: بيع السلاح الأميركي للعرب، -تجارة رابحة- والثانية استغلال موسكو المنهكة في سوريا وإضعاف جميع الأطراف. وستكون الصين وقتئذ محاصرة في المحيط الهادئ، بخط عسكري مباشر، ضمن تحالفات مثل تحالف" أوكوس" الثلاثي، بين أميركا وأستراليا وبريطانيا، والذي ينص على تطوير ونشر غواصات نووية، مع وجود عسكري غربي يقلص من الخطر الصيني. فضلا عن التحالفات بين كوريا الجنوبية وإندونيسيا، والهند واليابان، وأستراليا وفيتنام، لكسر أية محاولة صينية تهدد تايوان، التي تعتبر عظمة ضلع استراتيجية بالنسبة لواشنطن.