بدأ الشتاء هذا العام في سوريا بارتفاع كبير لأسعار الملابس الشتوية بحيث يعجز الفرد عن الحصول على ما يلزمه ضمن الأرقام التي تكتسح السوق.
اليوم يلجأ الكثير من أفراد المجتمع السوري لإيجاد حلول لتجاوز الأزمة والحصول على حاجياتهم، إحدى الحلول المنتشرة بكثرة هذه الأيام هي بيع الثياب المستعملة، تختلف طرق تسويق البضاعة فمنها ما يجمع في مراكز محددة ويُباع ومنها ما يُنشر عبر صفحات التواصل الاجتماعي ويتم تسويقه من خلالها.
صالات لبيع الثياب المستعملة
ظهرت في سنوات الحرب تجمعات تُباع فيها الثياب المستعملة، حيث بدأت الفكرة عن طريق الجمعيات النسائية في دمشق، والتي تهدف إلى تأمين عمل لربات البيوت اللاتي لا يعملن وليس لديهنَّ دخل، لمساعدتهنَّ على سد حوائجهنَّ، إذ تعمل تلك الجمعيات على استئجار صالة تملؤها الطاولات، وتؤجّر هذه الطاولات للسيدات من أجل عرض بضائعهن عليها.
في البداية كانت البضائع متنوعة، كل ما يفيض عن حاجة النساء في المنزل من المواد المتنوعة، بالإضافة لأعمال يدوية وبعض المؤن المصنوعة منزلياً.
وكان تؤجَّر الطاولة، عام 2015، بمبلغ 500 ليرة سوريّة والبيع يكون ببعض مئات، ثم ومنذ عامين وبسبب الحاجة بدأت الألبسة المستعملة بالسيطرة على المشهد، فتحوّلت المبيعات نتيجة الظرف الاقتصادي وصعوبة تأمين الحاجيات، من أعمال يدوية وغيرها إلى ثياب استُعملت من قبل النساء أنفسهنَّ أو أبنائهنَّ وعائلاتهنَّ، وتخلّوا عنها مقابل مبالغ مادية قليلة جداً مقارنة بالسوق.
تقول سمر محمد (اسم مستعار): "كنت أقصد هذه السوق المسمى (سوق عتيق) منذ سنوات، كان يمكنني الحصول على ملابس أو أحذية بأسعار زهيدة، الآن بدأت الأسعار بالارتفاع ولكنها تبقى مقبولة مقارنة بأسعار الأسواق".
هذه الجمعيات معروفة في سوريا، حيث تعتمد على مجموعة نساء يعرفن بعضهنَّ البعض ويعملن على تجميع مبالغ مالية بالاشتراك فيما بينهن، ثم لاحقاً حوّلن هذا التجمع إلى سوق مفتوح وغالباً ما يكون هذا السوق في صالة من صالات أحد الجوامع أو صالات الأعراس وحتى في المراكز الثقافية تحت مسمّى حرف يدوية.
تتفق إحدى النسوة مع أصحاب المكان أو القائمين عليه على مبلغ محدد لقاء استئجار الصالة في يوم محدد لفتح السوق، علماً أنه يُفتح ليوم واحد في الشهر، أما في السنوات الأخيرة أصبح يفتح يومين في الأسبوع أو أكثر، وهناك إقبال شديد على هذا السوق إن كان من قبل النساء اللاتي يستأجرن طاولات أو اللاتي يردن الشراء.
بشرى مرعي (اسم مستعار) تُحدثنا عن تجربتها بالبيع هناك قائلة: "العام الماضي استأجرت طاولة بـ12 ألف ليرة سورية، وجمّعت جميع الملابس والأحذية التي لم تعد تلزمني وعرضتها للبيع، أعلى سعر للقطعة في هذا السوق قد يصل إلى 20 ألف ليرة، وبيع مجموعة من القطع يعود ببعض المال، الذي استخدمته لاحقاً في شراء ملابس وأحذية من طاولات أخرى".
يعدّ هذا السوق هو الأشهر في دمشق ببيع الملابس، كان فيما سبق يفتح في مناطق مختلفة الآن أصبح هناك مكان واحد معتمد، تَستخدم النساء المال الذي تحصل عليه إمّا في شراء ملابس أخرى أو لمصروفها المنزلي وحاجاتها الأساسية، مضيفةً بشرى: هناك أسواق أخرى مشابهة ولكن تختلف أنواع البضائع التي تعرض من أدوات كهربائية مستعملة أو مطرزات وغيرها.
هناك أيضاً طرق أخرى تبيع فيها النساء الثياب المستعملة لديهن، فبعض محال "البالة" تساعد النساء في تسويق بضاعتهنَّ مقابل ربح صغير، حيث يشتري صاحب متجر "البالة" بسعر يحدده الطرفان، ثم يبيع البضاعة عن طريق عرضها في متجره، وبذلك يحقق ربحاً للطرفين.
التسويق عبر وسائل التواصل الاجتماعي
غيّرت وسائل التواصل الاجتماعي طبيعة الحياة بشكل كبير، حيث أصبح من الممكن الوصول إلى أكبر عدد ممكن من الأفراد عن طريق مجموعات أُنشئت عبر الإنترنت لتسويق البضائع وبيعها.
بدأ البيع على الإنترنت عن طريق إنشاء كل متجر صفحةً على "فيس بوك" يعرض فيها عنوانه وبضائعه وأسعارها، مؤخراً لم تعد هذه الصفحات مهمة مقارنة بمجموعات كثيرة تُنشأ لعرض الثياب المستعملة، أو تعرض هذه الثياب في مجموعات عامة محلية لكل منطقة في دمشق.
لا يمكنك تصفح "فيس بوك" اليوم إلا وتظهر لك عشرات من هذه الصفحات ومئات الخيارات للملابس والأحذية التي تُباع بأسعار تنافس السوق مع إمكانية الشحن بين المحافظات وإلى مكان وجود الزبون، حيث ترفق بالمنشور طريقة التواصل عبر "ماسنجر" أو "واتساب"، وهناك يتم الاتفاق على كيفية التسليم.
معظم المسوقات في هذه الصفحات هنَّ طالبات جامعيات أو فتيات لم يحصلن على عمل وفي بعض الأحيان فتيات يعملن ويسوقن للبضائع عبر الإنترنت في وقت واحد.
رنيم سعيد (اسم مستعار) تتحدث عن ذلك لـ موقع تلفزيون سوريا وتقول: "منذ أسبوعين كانت تجربتي الأولى لبيع ملابس مستعملة عبر الإنترنت، اضطررت لذلك بسبب حاجتي لمبلغ مالي لأدفعه للمعهد الذي أدرس فيه، نشرت بعض الملابس الشتوية على إحدى المجموعات من معاطف لم أعد استخدمها، وأرفقت تحتها سعرها استطعت بيع خمس قطع من أصل سبع".
هناك اختلاف بنوعية البضائع وجودتها والإقبال عليها، بين الإنترنت وصالات البيع، ولكن كل منها لديها من يرتادها، البضائع التي تعرض على الإنترنت هي تقريباً جيدة ومقبولة ويمكن بيعها بسهولة، وكذلك الأمر في الصالات مع اختلاف بسيط من حيث جودة الملابس ونوعيتها حيث توضع ملابس على الطاولات حتى ولو كانت هناك قطع سيئة في بعض الأحيان على عكس الإنترنت الذي ليس من مصلحة المسوقين فيه نشر بضاعة سيئة تقلل نسبة المتابعين.
ومن الملفت أن بعض البضائع المعروضة على صفحات الإنترنت جديدة ولكنها بسعر رخيص مقارنة بالسوق، لقد أصبح الإنترنت وسيلة مضاربة للسوق بسبب ذلك، حيث إن بعض المستوردين أو المعامل المحلية تبيع القطعة بسعر الجملة عبر هذه الصفحات، ما يشكّل فرقاً كبيراً بالسعر عن السوق بسبب غياب الوسيط (أي أصحاب المتاجر الذين يضاعفون السعر ويبيعونه بأرقام عالية).
تتقلص المقدرة الشرائية للأفراد بشكل يومي بسبب الغلاء الكبير في الأسعار ومحدودية الدخل، بلغت أسعار الملابس هذا الشتاء أرقاماً خيالية، ففي السوق العادي يتراوح سعر المعطف الشتوي بين 85 ألفاً حتى الـ150 ألفاً، وهذا طبعاً في المحال العادية بعيداً عن الماركات، أما سعر الكنزة فيبدأ بـ15 ألفاً للكنزات سيئة الجودة وصولاً لـ75 ألفاً، والسراويل ذات الأمر حيث يبلغ الحد الأدنى لأسعارها 25 ألف ليرة وتصل إلى 75 ألفاً.
ولا تختلف "البالة" كثيراً عن السوق العادي، فقد أصبحت أسعارها منافسة أيضاً حيث يبلغ أدنى سعر للمعاطف الشتوية 35 ألفاً ويرتفع السعر ليصل لـ75 ألف ليرة كحد أعلى، وتبدأ أسعار الكنزات من 10 آلاف لتصل إلى 30 ألفاً، والسروايل ما بين 15 إلى 30 ألف ليرة أيضاً.
يبتكر السوريون يومياً حيلاً جديدة للنجاة من تبعات الانهيار الاقتصادي وعجزهم عن تحصيل حاجاتهم الأساسية من غذاء وملبس، ورغم هذه الظروف الصعبة وقلة الإمكانية المتاحة للبقاء، فإنّهم لا يستسلمون أبداً أمام فداحة الواقع.