شهدت الأيام الأخيرة جدلاً سورياً داخل كل الأطياف سواء الموالية لنظام الأسد أو المعارضة له حول من سيخلف بشار الأسد في سدة الحكم، وترافق الجدل مع تصريحات السيد رياض حجاب عن نهاية زمن الأسد واقتراب الحل السياسي، وتوافقات دولية بدأت بإعادة تفعيل الملف السوري آخرها لقاء الدوحة، وارتباط هذا الملف بجملة ملفات أخرى في المنطقة.
الجدل السوري ارتفعت حدته مع الترويج -الذي توقف- عن مجلس عسكري بقيادة مناف طلاس يكون بديلاً انتقالياً عن الأسد، وبالتالي إنشاء جسم عسكري بين المعارضة والنظام يقود مرحلة انتقالية قبل الانتخابات، وهذا ما وجد فيه البعض إعادة لإحياء النظام بوجوه جديدة وبإرادة روسية بموافقة أميركية غير معلنة، ورأى فيه آخرون محاولة مقبولة للتغيير، وأما الكتلة الصلبة من الموالين والرماديين فأعادت أسطوانة الولاء للأسد، وإعادة انتخابه كاستحقاق دستوري سوري لا بديل عنه.
عاد الجدل منذ أيام قليلة حول شخص رياض حجاب كبديل عن بشار الأسد حيث رأى كثيرون في لقائه مع قناة الجزيرة والاجتماعات التي عقدها أخيراً مؤشراً عن اهتمام دولي بشخصه، وهذا ما فتح حروباً على مواقع التواصل بين مؤيد لتلك الفكرة ورافض لها، وبين من يرى فيها مجرد عبث يسبق انتخابات الرئاسة التي يديرها النظام في الداخل كأمر واقع فيما بقية الأطياف الأخرى تعوّل على أوهام الخلاص بسيناريوهات سبق لها أن عجزت عن تقديم حلّ ينهي مأساة السوريين الإنسانية، وإخراجها من لعبة الاستقطابات الدولية والإقليمية.
الموالون ممن يعلنون انتماءهم لصنف العقلاء قالوا إن ما يحصل الآن لم يكن يحتاج إلى عشر سنوات من الحرب والخراب الاقتصادي إذا كان سيطرح من جديد عودة حجاب فلماذا كانت الثورة، وأما المتشنجون فرفضوا قطعاً إعادة خائن لحكم بلاد دفعت مئات الآلاف من شهداء الجيش والقوات الموالية.
كاتب معارض رأى فيما يحصل هدفاً غير معلن لمن يقفون خلف إعادة تعويم حجاب فهم أرادوا أن يمنحوا السوريين الذين يعيشون أقسى مراحلهم إبرة مخدرة ريثما يتم ترتيب أمر آخر يعطي الأسد وحلفاءه مزيداً من الوقت لترتيب أوضاعهم.
آخرون ممن يحلمون بكثير من العدالة والنزاهة في محاسبة النظام على جرائمه يرون أنه حتى لو تم استبعاد الأسد عن السلطة فهذا لن يكون إلا خطوة صغيرة في التغيير الذي يجب أن يكون مترافقاً مع محاكمة للمسؤولين عن القتل وتدمير حياة السوريين واقتصادهم، وهذا يعني بالضبط التغيير الكلي للنظام وأجهزته الأمنية والسياسية المسؤولة عن كل هذه المذبحة.
المعارضة لم تستطع خلال عشر سنوات تقديم مشروعها البديل، وخسرت قاعدتها التي باتت لا تثق بأدائها وتراها جزءاً من المأساة
في كل السيناريوهات المطروحة لم يتوافق السوريون على إنهاء مصيبتهم، وبعضهم أعلن صراحة عن حسده للتوافق الليبي، والأفغاني، وظهروا كمن يخشى التغيير بكل أشكاله المرحلية والمؤقتة، وتعاملوا مع مأساتهم كأنها منفصلة عما يحصل في المنطقة والعالم.
المعارضة لم تستطع خلال عشر سنوات تقديم مشروعها البديل، وخسرت قاعدتها التي باتت لا تثق بأدائها وتراها جزءاً من المأساة، وأن إدارة كارثة وطنية لا يكون أبداً إلا بتبني سيناريو وطني خالص مع بعض الحنكة التي وضح تماماً أن المعارضة السياسية لا تمتلكها.
النظام الذي قدم نفسه كمخلّص لمواليه ومن في حكمهم من الإرهاب والخونة يقف اليوم عاجزاً عن إيقاف مجاعتهم، وإعادة الحياة للاقتصاد وليرته المنهارة، ويناور أخيراً باستدرار العطف بالإعلان عن إصابة الأسد وزوجته بكورونا.
السوريون مذعورون جميعاً من التغيير ويخشونه، ليس لأنه مفتاح مستقبل مجهول، وليس لأنهم فقدوا الثقة بالعالم وحلوله العاجزة فقط.. وحتى موالو الأسد يتمسكون بأسباب جوعهم وعبوديتهم على أنه ثمن الصمود والنصر كي لا تأتي لحظة حساب عما اقترفوه، وأما المعارضون فيخشون التغيير الذي يعتقدون أنه لن يحقق لهم العدالة.