عندما وصل إشعار رسالة عبر تطبيق فيس بوك لياسمين المشعان في عام 2015، فتحتها لتجد صورة شقيقها المتوفَى عقبة، كانت الصورة مرعبة، لأن آثار التعذيب وسوء المعاملة كانت بادية على جسده، غير أن ردة فعلها لم تتسم بالخوف أو الصدمة، بل بالارتياح، وعن ذلك تعلق قائلة: "قلت لنفسي إنه في السماء ولم يعد يحس بأي ألم".
كغيره من السوريين والسوريات، اختفى عقبة في عام 2011، إلا أن كل ما حدث له بقي غامضاً إلى أن وصلت تلك الصور لشقيقته، وبعدها اكتشفت بأنه تعرض للتعذيب والقتل في أحد سجون النظام السوري. والحق يقال هنا إن ياسمين خسرت خمسة من أشقائها منذ بدء الحرب، أربعة منهم اختطفهم نظام الأسد، والخامس اختطفه تنظيم الدولة.
تقدر منظمات حقوقية بأن هنالك نحو 100 إلى 150 ألف محتجز أو مختف بشكل قسري في سوريا، ومايزال مصير هؤلاء مجهولاً. ولهذا تحارب ياسمين اليوم لتصل إلى أي جواب يريح أهالي المختفين قسرياً ليشرعوا بعد ذلك بمرحلة التشافي. ولذلك تطالب الجمعية العمومية لدى الأمم المتحدة بالقيام بإجراء يقوم على إنشاء آلية رسمية للتحقيق بأمر اختفاء هؤلاء الأشخاص.
عائلات قيصر
بعد اكتشاف ياسمين لمصير شقيقها، أسست رابطة عائلات قيصر التي تضم مجموعة من الأهالي الذين فقدوا أحباءهم في سجون النظام السوري، بعدما تمكنوا من تعقب مصير أقاربهم من خلال قاعدة البيانات التي قدمها قيصر، وقيصر ما هو إلا اسم حركي لمصور جنائي كان يعمل رسمياً لدى الشرطة العسكرية في سوريا. ولذلك تحولت صور قيصر وأهالي الضحايا الذين التقطت لهم تلك الصور إلى محور لتقرير أصدرته منظمة هيومن رايتس ووتش في عام 2015.
ومنذ أن نشرت صور قيصر، لم تكل ياسمين أو تمل في الدفاع عن الأهالي الذين تتقاطع قصتهم مع قصتها، فهم ينتظرون أي جواب عن أقاربهم المختفين قسرياً. ففي تشرين الأول الماضي، قدمت ياسمين برفقة أمينة خولاني وهي ناشطة وعضو مؤسس لمنظمة عائلات من أجل الحرية وهي منظمة سورية تناصر هؤلاء الأهالي، إلى نيويورك لتحث الدول الأعضاء في الأمم المتحدة على تكوين هيئة رسمية مكلفة بالتحقيق لمعرفة مكان المفقودين في سوريا.
تعلق ياسمين على ذلك بقولها: "إنها لمشكلة كبيرة للآلاف، بل لمئات الآلاف من السوريين الذين لا يعرفون شيئاً عن مصير أحبائهم المختفين قسرياً".
هالة غاوي وأمينة خولاني تحضران اجتماعاً لمجلس الأمن الدولي في 7 من آب الماضي بمدينة نيويورك الأميركية
أثر الإخفاء القسري على السوريات
فقدت أمينة خولاني ثلاثة من أشقائها بسبب الإخفاء القسري، كما حبسها النظام بسبب نشاطها، ولهذا ترغب بنشر الوعي حول الإخفاء القسري الذي يستهدف الرجال بنسبة أكبر، وأثره على الحياة اليومية للنساء السوريات، وعن ذلك تقول: "إن النظام والقوانين في سوريا كلها أبوية، وهذا ما يحد من قدرة النساء على اتخاذ القرارات".
في شهر تشرين الثاني الماضي، أصدرت اللجنة الثالثة التابعة للأمم المتحدة قراراً يدعم تقرير الأمين العام حول المفقودين في سوريا، إذ يدعو ذلك التقرير إلى "تكوين مؤسسة جديدة متخصصة بتوضيح الأمور حول مصير ومكان الأشخاص الذين يعتقد بأنهم مفقودون". كما أبدت الأمم المتحدة دعمها لتلك المبادرة بشكل علني.
ولهذا، فإن الخطوة المنطقية التالية بالنسبة للجمعية العمومية هي تأسيس آلية رسمية، وهذا ما جعل منظمة هيومن رايتس ووتش تترقب مثل هذا التحرك من قبل الجمعية العمومية في أقرب وقت ممكن، إذ يقول لويس شاربونو وهو خبير أممي لدى منظمة هيومن رايتس ووتش: "ينبغي على الأمم المتحدة والدول الأعضاء فيها أن يطالبوا الحكومة السورية وحلفاءها بالسماح للأجهزة الرقابية الدولية المستقلة المتحررة من كل القيود بالوصول إلى المعتقلين إلى جانب السماح لتلك الجهات بتقييم ومراقبة الأوضاع في مقارّ الاحتجاز".
ملفات معقدة
تأمل كل من ياسمين وأمينة أن تشهدا أي تحرك بالنسبة لهذا الملف ابتداء من شهر شباط 2023، إذ تعتقد كل منهما بأن الجهود الأممية بالنسبة لسوريا تركز على تجديد الآلية المعقدة لتمرير المساعدات عبر الحدود، وهذا ما يرجح أن يبقي مجلس الأمن مشغولاً حتى نهاية هذا العام، وذلك لأن ملف آلية المساعدات عبر الحدود قد تم تسييسه بشكل كبير من قبل روسيا والصين لمواصلة الضغط على المجلس للحد من حجم المساعدات التي يتم تمريرها، إذ تزعم كل منهما بأن آلية تمرير المساعدات الإنسانية عبر الحدود تمثل خرقاً لسيادة سوريا، ولذلك تعتقد كل من ياسمين وأمينة أنه من الأفضل التريث إلى أن يتم تمديد تلك الآلية قبل الضغط من أجل المفقودين السوريين.
بيد أن ياسمين ترغب بالتعبير عن تلك الحاجة الملحة والعاجلة وأن تخلق انطباعاً يظهر بأن هذا الملف لا يمكن أن ينتظر أكثر من ذلك، لأنه ملف عاجل، وعن ذلك تقول: "مايزال الاعتقال والإخفاء القسري يحدث في سوريا حتى يومنا هذا، وكلما انتظرنا أكثر، زاد عدد الأهالي الذين يعيشون تلك المعاناة".
المصدر: Forbes