حمل اللاجئون السوريون في ألمانيا عاداتهم وتقاليدهم معهم وخاصة فيما يتعلق بتقاليد الزواج، رغم الاختلافات الكبيرة بين مجتمعهم والمجتمع الألماني. وتشكل المبالغ الباهظة التي تطلبها العائلات السورية من مهور وغيرها، بالإضافة إلى استخراج الأوراق الرسمية عقبة أمام الشباب الراغب بالزواج، وبقدر ما تبدو هذه المطالب بسيطة في الظاهر، إلا أن آثارها تمتد إلى ما هو أبعد من ذلك.
أوراق رسمية وسمسرة
"اضطررت للتعامل مع سماسرة في داخل سوريا حتى أستطيع الحصول على الأوراق الرسمية التي تثبت أنني أعزب".
يقول عاصم (28 عاماً) لتلفزيون سوريا إن هذه الأوراق كانت الجزء الأسهل من العملية المعقدة لينجح بالزواج من الفتاة السورية التي خطبها في ألمانيا، فبرغم أن عملية الحصول على هذه الأوراق ليست صعبة إلا أنها تثير الاستياء مع الاضطرار للتعامل مع السماسرة ودفع الأموال لهم، مهما كانت هذه الأموال قليلة.
ويضيف عاصم لموقع تلفزيون سوريا أن "الأوراق هي إخراج قيد وبيان عائلي وبيان ولادة، وتكاليفها تُضاف إلى المشكلات التي نواجهها للزواج والمتعلقة بالمهور و(ملبوس البدن) وغيرها من الأمور".
اشترطت عائلة الفتاة على عاصم أن يتكفّل باستخراج الأوراق الرسمية لابنتهم من سوريا كذلك، وهو ما أدى إلى مبالغ إضافية قام بدفعها عدا عن التكاليف الأخرى بما في ذلك إيجاد شقة مناسبة للسكن وهو أمر ليس سهلاً في العاصمة الألمانية برلين، خاصة مع ارتفاع إيجارات المنازل عدا عن الغلاء الناتج عن التضخم.
ويستطيع السوريون عادة استخراج أوراقهم الرسمية من داخل سوريا وتحديداً في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام السوري في حال وجود قريب من الدرجة الأولى أو أقرباء آخرين من العائلة، وفي حال عدم وجود أي شخص سيضطر السوري لاستخراج أوراقه عبر السماسرة وهو ما يعني كلفة تُضاف إلى عملية إرسال الأوراق عبر العاصمة اللبنانية بيروت.
الحالة نفسها عانى منها أحمد (30 عاماً)، والذي اصطدم بالطلبات المتتالية لأهل زوجته، بما في ذلك اشتراط والدها استمرار حصولها على المساعدات من الدولة الألمانية لعام كامل بحسب ما قاله لموقع تلفزيون سوريا.
طلبات كثيرة ومبالغات في المهور
بحسب الأرقام الرسمية الصادرة عن الحكومة الألمانية، يشكل السوريون ثالث أكبر جالية أجنبية في ألمانيا بعد الجاليتين التركية والبولندية، ووفق مكتب الإحصاء الفيدرالي للسكان الأجانب بلغ العدد الإجمالي للسوريين 876 ألف و 585 سورياً، يبلغ عدد المتزوجون منهم 269 ألفاً و 850 شخصاً، فيما يصل عدد العزاب إلى 512 ألف و 925 شخصاً، حصل الكثير منهم على الجنسية الألمانية، والمشروطة بعملية اندماج تشكل عائقاً بالأساس للسوريين هناك.
لكن عملية الاندماج هنا لا تعني تغيير عقلية أو ذهنية تتعلق بالعادات والتقاليد بعد سنوات من انتقال السوريين إلى ألمانيا، ويرى الباحث الاجتماعي حسام السعد في حديثه لموقع تلفزيون سوريا أن المبالغة في الطلبات والمهور يعود بالأساس إلى عدم تغيير هذه العقلية الاجتماعية لدى شريحة واسعة من السوريين.
وأضاف "كان هناك قوانين اجتماعية معينة فيما يخص المهور وغيرها من التفاصيل بحسب البيئة والطبقة الاجتماعية وغيرها في سوريا قبل عام 2011، والمشكلة ليست فقط بعدم اختلاف هذا الأمر بل باستمراره" بحسب رأيه.
وأوضح السعد "نقل السوريون مجتمعهم من سوريا إلى ألمانيا كما هو بما في ذلك تقاليد الزواج وأعتقد أن الشباب يفضلون الزواج من صبية سورية لعدم الثقة بالفتيات الألمانيات وحتى السوريات المقيمات وحدهن وهذا ما يفرض تدخل الأهل وهو ما يعني إعادة إنتاج لبنية العادات والتقاليد الموجودة بما في ذلك المهور وبما أن ذلك يجري في أوروبا حيث الاقتصاد أفضل ومختلف، يؤدي ذلك إلى طلب مهور وتفاصيل أكثر غلاءً، عدا عن وجود نوع من التباهي لدى البعض".
حديث التطور والاختلاف الذي أشار إليه السعد لمسه أحمد، والذي قال لموقع تلفزيون سوريا إن أهل إحداهن طلبوا مهراً بنحو 25 ألف يورو، عدا عن شرطه المذكور باستمرار المساعدات، ما جعله يتراجع عن الفكرة كلها، والتوجه للخطبة من سوريا نفسها أو من تركيا.
من جهته قال علي (32 عاماً) لموقع تلفزيون سوريا والمقيم في برلين إن إحدى أبرز المشكلات التي يواجهها الشباب في طريقهم نحو الزواج هي الطلبات المادية المرتفعة التي تُضاف إلى المهر، فيما يعرف بـ"ملبوس البدن" والذهب وغيرها، وتحول الأمر "إلى ما يشبه التجارة، عدا عن التكاليف الأخرى من العثور على منزل وشراء الأثاث الذي يُكلّف وسطياً ما يقارب الـ10 آلاف يورو".
وعادة ما يلجأ الراغبون بالزواج للتواصل مع جمعيات إسلامية ترسل لهم شيخاً لعقد القران وتمنحهم في المقابل أوراقاً باللغات الألمانية والعربية والإنجليزية ومعترف عليها في سوريا والدول العربية وذلك بمقابل يصل إلى 400 يورو تقريباً.
الزواج من فتيات في سوريا وتركيا
في ظلّ ارتفاع المهور وتكاليف الزواج لجأ سوريون لطلب الزواج من فتيات مقيمات في سوريا أو في تركيا، على اعتبار أن المبالغ قد تكون أقل والعملية أكثر بساطة خاصة في ظلّ الظروف الاقتصادية السيئة التي يعيشها السوريون في مختلف المناطق السورية ولاسيّما تلك التي يسيطر عليها النظام السوري.
لكن الباحث في علم الاجتماع حسام السعد لا يرى فقط أن ارتفاع المهور هو السبب الوحيد في تلك الخطوة، بل يرجع في حديثه لموقع تلفزيون سوريا الأمر إلى "غياب الثقة" بحسب رأيه.
وأوضح السعد أن "تجربة لجوئنا قصيرة وكذلك تعاملنا مع المجتمع الأوروبي، والعائلات لم ترفع غطاءها عن الشباب، ونقطة عدم الثقة بالبنت الموجودة في أوروبا والتي تدرك حقوقها وواجباتها جيداً في البلد التي تقيم فيه، وبالتالي يؤدي هذا الأمر إلى حدود واضحة في العلاقة ما يجعل تقبلها أصعب على الذكر والذي يلجأ بدوره للزواج من المقيمات في سوريا".
وأضاف "إلى جانب ذلك هناك رغبة شديدة جداً لدى السوريين داخل سوريا بالهجرة بسبب الأوضاع الاقتصادية الحالية لذا توافق العديد من العائلات على زواج بناتهن إلى أوروبا والحصول على لجوء هناك في بعض الأحيان، لكن الهدف بالدرجة الأولى هو إخراجها وهو ما يؤثر على نمط العلاقة التي يمكن أن تكون هشّة بدورها ويمكن في أول مشكلة أن يقرر الطرفان الطلاق"، بحسب تعبيره.