البث المباشر
تعيش المطاعم في دمشق الخاضعة لسيطرة النظام السوري حالة من الانفصام عن الواقع الذي يعيشه السوريون، حيث وضعت قوائم لا تتناسب مع الوضع المعيشي المتردي في البلاد.
وقد سجلت أسعار وجبات المطاعم في دمشق، أقل ما يقال عنها إنها غير منطقية لمعظم السوريين الذين لا يجدون وجبة متكاملة لإفطار أبنائهم في شهر الصيام.
ورصد موقع "تلفزيون سوريا" أسعار الوجبات في العديد من المناطق والأحياء بالعاصمة السورية دمشق، والتي بدأت من 200 ألف ليرة لإفطار الشخص الواحد وصولاً إلى أكثر من مليون ليرة على الشخص.
ورغم وجود مطاعم قد تكون أسعارها أقل فإنها تبيع سندويشات فلافل أو شاورما من دون أي مقبلات أو عصائر أو ماء، وهي بشكل عام قد لا تكفي لإفطار صائم انقطع عن الطعام لأكثر من 14 ساعة.
كم سعر وجبة الإفطار بمطعم في دمشق؟
وقال محمد الفهد صاحب أحد المطاعم بدمشق القديمة، إن تكاليف إفطار الصائم تختلف من مطعم إلى آخر، فحين يكون الإفطار على شكل بوفيه مفتوح يختلف عن وجبات دجاج أو لحم مع مقبلات، ويختلف كذلك إن كان هناك وجبة إفطار مع برنامج فني من إنشاد ومولوية وحكواتي وما إلى ذلك.
وأضاف الفهد لموقع "تلفزيون سوريا" أن الإقبال في هذا العام هو من بين الأسوأ في تاريخ المطعم بشكل عام، حيث لم نتوقع أن يكون لدينا أكثر من نصف الطاولات فارغة، رغم العروض التي قدمناها لزبائننا.
وأشار إلى أن موعد رمضان هذا العام لعب دوراً مهماً، حيث صادف حلول الشهر مع أجواء شتوية وباردة، والناس تفضل أن تكون ببيوتها في الشتاء، على عكس الأجواء الربيعية إلى حد ما التي كان فيها رمضان العام الماضي.
ولفت إلى أن تسعير الوجبات قد يكون مفاجئاً لكثير من الناس ولكن اليوم الوجبة الواحدة في البيت لا تقل عن 100 ألف ليرة، يعني نحن لدينا إيجار محل وعمال وطباخين ويجب أن نربح.
وبيّن أن الوضع الاقتصادي بشكل عام سيئ، وأرباح المطعم ليست كما في السابق، حتى أن كثيراً من العمال المحترفين تركوا العمل لدينا بسبب عدم قدرتنا على زيادة الأجور كل شهرين أو ثلاثة، لأن الزيادة يترتب عليها زيادة في الأسعار وهذا يقلل الزبائن.
وشدد على أن هناك فشلاً لا يفهمه في حل الوضع الاقتصادي في سوريا، حيث إن دخل الناس الحقيقي لا يكفيهم لتأمين ثمن الإفطار في البيت فكيف سيأتون إلى المطاعم، مشيراً إلى أن هناك فئة قليلة قد لا تتجاوز نسبتها 1 أو 2 في المئة هي التي أبقت أبواب مطاعمنا مفتوحة، وبالغالب هؤلاء يأتيهم حوالات من الخارج تساعدهم على ذلك.
بوفيهات مفتوحة
من جانبه، قال أحمد صاحب أحد المطاعم في حي أبو رمانة بدمشق، إن سعر وجبة إفطار صائم لدينا تبدأ من 700 ألف ليرة، لدينا بوفيه مفتوح، توجد حركة ضعيفة هذا العام، يعني قد يكون السعر مرتفعاً، "بس ما بيقدر الواحد يسعر بأقل من هيك بيصير في خسارة، عنا 14 صنف طعام باليوم الواحد".
وأضاف أحمد لموقع "تلفزيون سوريا"، "بأيام العطلة بتكون الحركة أفضل، ولكن مع ذلك قد نضطر لآخر الشهر أن نلغي البوفيه المفتوح ونساويه وجبات على الطلب يعني بيصير أهون علينا أو منحدد عدة أكلات وبيختار الزبون منها بحجز مسبق".
وتقدم المطاعم في سوريا وجبات متعددة إما على شكل بوفيه مفتوح فيه ما لذ وطاب من الأطعمة، وفي تلك الأماكن تبدأ أسعار وجبة الصائم من 600 ألف ليرة بالحد الأدنى وصولاً إلى مليون ليرة على الشخص الواحد.
وهناك مطاعم تقدم خيارات متنوعة بين دجاج أو لحم أو سمك أو معجنات (بيتزا أو لحم بعجين) إلى جانب عصائر وتمر و(سيت مقبلات) يعني سلطات وبطاطس مقلية وبرك مشكلة ومتبل ومسبحة وفول وفتة وغير ذلك، وفي هذه المطاعم تبدأ الأسعار من 200 ألف ليرة إلى 500 ألف ليرة بالحد الأدنى على الشخص الواحد وقد تكون على الطاولة.
وتقدم المطاعم عروضاً ترفيهية وبرامج فنية تشمل عزف موسيقى شرقية أو فرقة إنشادية أو فرقة عراضة أو فرقة مولوية أو حكواتي أو مهرج وألعاب خفة للأطفال، بهدف استقطاب أكبر عدد ممكن من الزبائن في الوقت الذي تتراجع أعدادهم باستمرار مع الوضع الاقتصادي المتردي في البلاد.
وتشهد مناطق سيطرة النظام السوري ارتفاعاً مستمراً بالأسعار ما يؤثر على تراجع القدرة الشرائية للناس، إلى جانب انهيار قيمة الليرة السورية أمام الدولار، والتي وصلت إلى 14 ألف ليرة لكل دولار.
ولا يتجاوز متوسط رواتب الموظفين الحكوميين في مناطق سيطرة النظام السوري 280 ألف ليرة سورية بعد زيادات في المعاشات تبعها زيادات في أسعار الوقود والمحروقات ورفع الدعم عن كثير من الفئات الشعبية، ما زاد الخناق على الناس.
وهذه العروض والأسعار في المطاعم تشعر كثيراً من الناس بأن هناك عالمين متوازيين في سوريا، عالماً لطبقة غنية قليلة جداً جداً، وعالماً لطبقة فقيرة لا تجد قوت يومها وهي غالبية الشعب.
"يا دوب عم نأمن وجبة الإفطار بالبيت"
وفي السياق، قال أكرم عمار أحد المدرسين بدمشق، إن فكرة الإفطار بالمطعم غير واردة بالنسبة إليه ولعائلته، أولاً لقناعات لها علاقة بأجواء رمضان، وأن الصائم لا يأكل ربع الوجبة التي تقدم إليه، وثانياً لأسباب مادية حيث إن كلفة وجبة إفطار صائم واحد تكفي عائلته المكونة من 5 أشخاص لأربعة أيام على الأقل.
وأوضح عمار في حديثه لموقع "تلفزيون سوريا" أن "وضعنا الاقتصادي والمعيشي في سوريا لا يسمح لنا بارتياد المطاعم لا في رمضان ولا في شعبان ولا غيره من شهور السنة، يعني ما بدنا نضحك على بعض، 99 في المئة من السوريين يا دوب عم يأمنوا حق وجبة الإفطار يوم بيومه".
ولفت إلى أن الوجبة الرئيسية في معظم بيوت السوريين خالية من اللحوم الحمراء والبيضاء وحتى الشحوم، وترتكز على البقوليات من فول وحمص وتساقي إلى جانب بعض أكلات الزيت مثل المجدرة والبرغل ببندورة والكواج وما إلى ذلك".
وأشار عمار إلى أن "الدخل الشهري لا يتجاوز 3 ملايين ليرة بينها راتب معلم هو 300 ألف ليرة تقريباً، ومليون نصف شغل إضافي ومليون و400 ألف ليرة حوالة من ابني بيروح منها 200 ألف ليرة أجور تحويل، وهذا المبلغ لا يكفي حرفياً لنصف الشهر بأحسن الأحوال".
وأكّد على أن الناس في سوريا تعيش من طبخات على قد الحال، وقد انتهى زمن الولائم الضخمة، قد تكون موجودة، لكن معظم من أعرفهم لم يمدوا ولائم وطبخات مدللة من العيد للعيد بسبب الأضاحي التي يوزعها أهل الخير.
تكاليف رمضان على السوريين
ورغم الانتقادات المستمرة التي توجه للنظام السوري من داخل منظومته ضمن النقد المتاح، فإن الوضع الاقتصادي والمعيشي في مناطق سيطرته يسير نحو الأسوأ، فقد قال الباحث والخبير الاقتصادي شفيق عربش إن قرارات حكومة النظام السوري التي صدرت مؤخراً، واصفاً إياها بغير المدروسة وحملها مسؤولية ارتفاع الأسعار التي تشهدها الأسواق، والتي ستنعكس على تكاليف تأمين متطلبات شهر رمضان.
ونقل موقع أثر برس الموالي عن عربش قوله، إن تكاليف وجبات الإفطار والسحور خلال شهر رمضان بالنسبة لشخص يكتفي على الإفطار بوجبة فول فقط وقليل من اللبن الرائب ستتجاوز مليوني ليرة سوريا، أما بالنسبة لعائلة مكونة من 5 أشخاص فستتجاوز كلفة وجبات تغذية سليمة 15 مليون ليرة سورية، على اعتبار أن الوجبة المغذية وسطياً تكلف نحو 400 ألف ليرة لأسرة مكونة من 5 أفراد.
وأضاف عربش أن الأسواق بدت فارغة أمس صباحاً، وكان وجود الناس في الأسواق بهدف الفرجة خلال الأيام الماضية، في ظل عدم قدرة الأغلبية على الشراء.
