icon
التغطية الحية

"زكوري".. يد خفية تحكم معبر عون الدادات وتهندس عمليات الاستغلال المتبادل

2024.10.09 | 06:29 دمشق

43
صورة أرشيفية - AFP
حلب - خاص
+A
حجم الخط
-A

في ساحة معبر "عون الدادات" الفاصل بين مناطق سيطرة الجيش الوطني السوري و"قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) بريف جرابلس شرقي حلب، يبرز شخص يُدعى "زكوري"، ليس كشخص عادي عابر في هذه الساحة، بل كصاحب نفوذ يتحكم في مصائر العابرين.

وسط تقاطع المصالح بين طرفي السيطرة، يقف زكوري في تلك الساحة، مستغلاً موقعه بين القوتين لتحصيل الأموال، وفرض الإتاوات، وإهانة جلّ من يمر عبر هذا الممر الذي من المفترض أن يكون "إنسانياً".

زكوري لم يصل إلى هذه المكانة عن طريق الصدفة، بل تشير المعطيات إلى أنه يحظى بعلاقات متشابكة مع كلا الطرفين (الجيش الوطني - قسد)، حيث يحافظ زكوري على نفوذه بفضل التفاهمات الضمنية مع قسد وبعض مجموعات الجيش الوطني، بما يتيح له استخدام سطوته، نيابة عن الطرفين.

اللافت أن نفوذ زكوري يتواصل دون أي تدخل من الأطراف المتحكمة في المعبر، مما يثير التساؤلات حول الأسباب الحقيقية وراء استمراره في لعب دور اليد الخفية التي تضبط العابرين وتعاقبهم، ويبدو أن لكل طرف مصلحة في إبقاء زكوري في موقعه، فهو يحقق لهما أهدافهما دون الحاجة إلى التصادم المباشر أو تشويه صورتهما بشكل أكبر.

العابرون في هذه الساحة يدركون تماماً أن زكوري ليس مجرد فرد يجني الأموال، بل هو مهندس للعبة مصالح أكبر، كل أو جل من يمر عبر "عون الدادات" يعاين الحقيقة المريرة، بين إهانة علنية وفرض رسوم باهظة، لا ملجأ من قبضة زكوري، حتى أولئك الذين يفرون من ويلات الحرب أو الظروف المعيشية إلى مناطق يرونها أقل وطأة، يجدون أنفسهم أسرى لشبكة من الاستغلال المشترك.

معضلة "عون الدادات"

في الثالث من الشهر الجاري، سمحت الشرطة العسكرية التابعة لوزارة الدفاع في الحكومة السورية المؤقتة لنحو 2000 شخص بالدخول إلى مناطق نفوذ الجيش الوطني السوري، عبر معبر عون الدادات بريف جرابلس شرقي حلب، بعد أيام من الانتظار في ظل ظروف إنسانية صعبة.

الوافدون من المعبر ينقسمون ما بين نازحين سوريين من لبنان، وآخرين - وهم الأغلبية - قادمين من مناطق مختلفة خاضعة لسيطرة النظام السوري. والجدير بالذكر، أن إدخال هذه الدفعة جاء بعد ضغوط إعلامية وخروج مظاهرة من الوافدين أنفسهم تطالب بتسريع عملية العبور.

عندما كان هذا العدد يتجمع في ساحة تُسمى "العون"، تقع بين مساحة صغيرة تفصل بين مناطق نفوذ الجيش الوطني السوري و"قوات سوريا الديمقراطية"، كان هناك شخص يُدعى "زكوري" يبتز المدنيين ويوجه العاملون معه إهانات تصل إلى حد الشتم.

ئءؤر
معبر عون الدادات بين مناطق سيطرة "قسد" ومناطق سيطرة "الجيش الوطني"

وفي غضون ذلك، لم تُعرف تفاصيل واضحة آنذاك عن ارتباطات "زكوري" وفيما إذا كان تابعاً لقسد أو للجيش الوطني، لكن التفاصيل بدأت ترد تباعاً، واللافت أنه رغم تنصل مؤسسات المعارضة العسكرية - بشكل غير رسمي - سواء الجيش الوطني أو الشرطة العسكرية من تصرفات "زكوري"، لم يكن هناك أي جهة من هذه المؤسسات يستطيع الناس مخاطبتها لمعرفة طبيعة ما يجري، والسبب الرئيس للتصرفات الصادرة عن "زكوري" وابتزازاته، حيث عبّر كثيرون عن استغرابهم من "السطوة" الكبيرة لهذا الشخص، رغم نفي الجميع للعلاقة معه.

وبعد ذلك، أصدرت "إدارة الشرطة العسكرية" في وزارة الدفاع في الحكومة السورية المؤقتة بياناً، أشارت فيه إلى إغلاق معبر العون الإنساني حتى إشعار آخر، مرجعةً ذلك إلى "الأوضاع الأمنية في المنطقة، والتصرفات غير الأخلاقية في ساحة العون من قبل عناصر حزب PKK الإرهابي تجاه أهلنا القادمين من مناطق سيطرة النظام والحزب"، حبسب وصفها.

4

وقيل بعد ذلك إن الشرطة العسكرية تراجعت عن البيان، تزامن ذلك مع تجمّع المئات في ساحة "العون" ظهر الأمس بعد عبورهم آخر نقطة لمناطق سيطرة "قسد"، باتجاه مناطق الجيش الوطني، منتظرين لحظة السماح لهم بالدخول، مع تكرار المشكلة ذاتها، المتمثلة بحجز هؤلاء الأشخاص من قبل المدعو "زكوري"، قبل أن يُسمح لدفعات منهم بالعبور في ساعات متأخرة من الليل.

6

آلية عبور "عون الدادات"

في الحالات الطبيعية، وقبل حركة نزوح السوريين من لبنان إلى سوريا، كانت الحركة عبر معبر "عون الدادات" شرقي حلب تتمثل بدخول الدفعات كل يوم ثلاثاء، وذلك بعد تسجيل أقارب الوافدين الموجودين في الشمال السوري أسماء الراغبين بالدخول، لدى أفرع الشرطة العسكرية، وفق عدة إجراءات منها تقديم البيانات الرسمية ووجود كفيلين على الأقل.

بمعزل عن هذه الدفعات، تدخل بشكل شبه يومي عائلات عن طريق التهريب، بالتنسيق مع شركات نقل، وذلك تحت أنظار "قسد" والجيش الوطني السوري والشرطة، وبإشراف "زكوري" الذي يتولى مهمة الاستلام والتسليم وابتزاز الراغبين بالعبور للحصول على أموال تبلغ في بعض الأحيان 100 دولار أميركي على الشخص الواحد.

وقال مصدر مطلع على عملية عبور الأشخاص من معبر "عون الدادات" عبر شركات السفر، إنّ الشخص الراغب بالدخول إلى مناطق نفوذ الجيش الوطني السوري قادماً من مناطق سيطرة النظام سواء دمشق أو حمص أو حلب وغيرها، ينسق عادةً مع أحد مكاتب شركات السفر في الشمال السوري، والتي يكون لديها بالضرورة متعاونون وفروع في مناطق سيطرة النظام.

وأضاف المصدر في حديث مع موقع تلفزيون سوريا، أن كلفة دخول الشخص إلى المنطقة عبر "عون الدادات" تبلغ ما بين 160 إلى 180 دولاراً، تتوزع على 20 دولاراً أجرة النقل من مدينة حلب إلى "ساحة المعبر"، ثم يتقاضى المدعو "زكوري" 100 دولار على الشخص الواحد، في حين تأخذ الشرطة العسكرية 10 دولارات لقاء قطع وصل عبور، و10 دولارات إيجار طريق من الساحة إلى "نقطة الصفر" وهي البوابة الخاضعة لسيطرة الجيش الوطني والشرطة، في حين يبقى 10 دولارات أو أكثر على كل شخص لمكتب السفر الذي يتولى عملية التنسيق بحسب كل مسافر والأجور المتفق عليها بين الطرفين.

وبحسب المصدر، فإن مكتب السفر هو المسؤول عن دفع 100 دولار لـ"زكوري" على كل شخص لقاء السماح له بالعبور، حيث تصل الدفعات من مدينة حلب وتعبر حواجز تتبع للفرقة الرابعة في النظام السوري، مروراً بمناطق سيطرة "قسد" عند معبر التايهة وصولاً إلى الواجهة ما قبل النهائية وهي "ساحة العون" حيث يهيمن "زكوري" عليها.

وعند الوصول إلى الساحة، يعبر أولاً الأشخاص المسجلون مسبقاً عبر أقاربهم في فروع الشرطة العسكرية، ثم يتم تنسيق عبور البقية عبر نقطة تهريب بإشراف "زكوري" وتحت أنظار مجموعات بالجيش الوطني والشرطة أيضاً، كونها مستفيدة أيضاً مادياً.

أحد الأشخاص القادمين من لبنان إلى مناطق شمال غربي سوريا، قال في حديث مع موقع تلفزيون سوريا: "جئنا من لبنان، وعبرنا حواجز قوات النظام بكل سلاسة، لكن كان التفتيش دقيقاً عند آخر حاجز لقوات النظام، وعند الوصول إلى مناطق نفوذ قسد كان التعامل عادياً وغير معقد، لكن عندما وصلنا إلى ساحة زكوري الواقعة قبل مئات الأمتار من بوابة معبر الجيش الوطني، عوملنا بطريقة سيئة، وتم رمينا في الساحة لمدة 3 أيام، وتعرضنا لإهانات مختلفة على يد العناصر التابعين لـزكوري، وكانت أقل كلمة يوجهها لنا هؤلاء العناصر: (يا عر... اذهب، يا عر... تعال)".

4
صورة التقطها الشاهد للمدنيين في ساحة "زكوري"

وأضاف: "في آخر يوم جلبوا لنا أغطية، وللشهادة كانت هذه الإجراءات الحسنة الوحيدة الصادرة عنهم، رغم أن الأغطية متسخة ورائحتها لا تُطاق".

من هو "زكوري"؟

تعمق موقع تلفزيون سوريا خلال الأيام الماضية بالبحث عن معلومات عن "زكوري"، خاصة أن مختلف الأطراف تنصلت منه ونفت العلاقة معه، وتبين أن "زكوري" ليس إلا مسمى يمثل مجموعة أشبه بـ "عصابة" تأخذ من ساحة "عون الدادات" بين مناطق نفوذ "قسد" والجيش الوطني (أقرب إلى مناطق قسد وداخلها إلى حد كبير) مكاناً للبطش بالعابرين وتحصيل الأموال منهم ذهاباً وإياباً.

وقالت 4 مصادر متطابقة لموقع تلفزيون سوريا، إنّ "زكوري" تُنسب لشخص اسمه "زكريا الموسى" من قرية عون الدادات الخاضعة لسيطرة "قسد" ويبلغ عمره نحو 70 عاماً، ويرتبط به عدة أشخاص، ويعتبر ابنه "هزاع" اليد اليمنى له والأداة التنفيذية لكل عمليات الابتزاز وإهانة المسافرين.

6
زكريا الموسى

وأشارت المصادر إلى أن الانتهاكات تقع في المنطقة الفاصلة (ساحة العون أو ساحة زكوري) التي تعتبر منطقة فاصلة بين حواجز الجيش الوطني وقسد، التي تبعد عن بعضها في المنطقة قرابة كيلومترين.

يتنقل "هزاع" بين عون الدادات ومدينة منبج الخاضعة لسيطرة قسد، وسبق أن لجأ إلى أحد فصائل الجيش الوطني في جرابلس بسبب خلاف مع قسد، ثم عاد بعد تسوية وضعه ودفع أموال.

6

"زكوري" الأب، يملك قطعة من الأرض في المنطقة الفاصلة بين الجيش الوطني وقسد، وعند نشاط عمليات التهريب بين مناطق الطرفين قبل سنوات، استغل موقعه ليكون وسيطاً وأداة خفية للجانبين لتحصيل الأموال. تطور به الأمر لاحقاً، حيث أصبح ابنه "هزاع" المسؤول الأول عن هذه العملية، إذ جند عدداً من أبناء قريته للعمل برفقته.

اسم الساحة "زكوري" نسبةً إلى "هزاع ووالده"، وهما من عشيرة العون وسكان قرية عون الدادات، وهو معيّن من قسد ليكون صلة الوصل بينها وبين مناطق الجيش الوطني بخصوص نقل البشر، وسبق أن أنشأ مضافة كبيرة لاستراحة المسافرين وكافتيريا وكراجا، مع تقديم بعض الخدمات البسيطة في ساحته.

يستلم زكوري المسافرين من معبر التايهة ويوصلهم إلى ساحته، تمهيداً لدخولهم إلى معبر العون الذي تسيطر عليه الشرطة العسكرية، إضافةً إلى المعبر يشرف زكوري على عمليات تهريب البشر، حيث تعتبر ساحته نقطة انطلاق للدخول عبر خطوط ونقاط التهريب المتعددة.

ومن أبرز ممرات التهريب، نقطة تهريب الحلونجي الخاضعة لفصيل لواء الشمال الذي يقوده النقيب مصطفى (رامي قوجا)، ويرتبط زكوري بعلاقات عشائرية مع بعض كتائب لواء الشمال التي تنتمي أيضاً إلى عشيرة العون، وهذا ما يعزز من التنسيق بينهما.

كما يشرف زكوري على عمليات تهريب السيارات غير المطابقة لمعايير سنة الصنع التي حددتها "الإدارة الذاتية" بموجب القرار 325 بعام 2016 وما بعده، وبحسب مصدر مطلع، فإن "هزاع" معروف بانتهاكاته تجاه المدنيين، وكانت "قسد" قد اعتقلته أكثر من مرة بسبب تجاوزاته على حصتها المالية من عائدات تهريب البشر.

استغلال متبادل

تشير مصادر متطابقة إلى أن "زكوري" له ارتباطات قوية مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد) وبعض فصائل الجيش الوطني السوري، إذ يتقاسم زكوري معهم الموارد والمنافع، مما يجعله جزءاً من شبكة معقدة من المصالح المشتركة، ورغم تعدد الجهات التي تتعامل معه، إلا أن هذه العلاقات تبقى خفية في معظم الأحيان.

المصادر ذاتها تؤكد أن زكوري يلعب دوراً محورياً كـ "اليد الخفية" لتلك المجموعات، حيث يسهم في تنفيذ خطط الابتزاز والتأثير على المسافرين لدفع الأموال، وعلى الرغم من أن الانتهاكات التي يرتكبها معروفة للجميع، إلا أن الفصائل المتعاونة معه تغض الطرف عنها مقابل الحصص التي تتلقاها من الموارد، كذلك هو الحال بالنسبة لقسد، هذه المعادلة الاقتصادية هي التي تبقي زكوري وابنه في موقع القوة، حيث يعتمد على الدعم والتنسيق المستمر مع الأطراف الأخرى للبقاء في المشهد.

7
معبر عون الدادات

وتضيف المعلومات أن العلاقة بين زكوري أو ابنه، وقسد والجيش الوطني تتسم بنوع من التعقيد، فعندما تتخذ قسد خطوة لمهاجمته عند أي خلاف، تتدخل مجموعات معروفة في الجيش الوطني لحمايته، والعكس صحيح.

وسبق أن هاجمت "قسد" عون الدادات لاعتقال "هزاع" وفشلت في ذلك، حيث احتجزت مجموعة له، من بينهم شقيقه، في حين قُتل شقيق آخر له، بينما احتمى هو لدى أحد فصائل الجيش الوطني، وبقي لفترة ضمن مدينة جرابلس، ثم عاد إلى مناطق نفوذ قسد بعد حل المشكلة معها، ودفع مبالغ مالية، بسبب قضايا تهريب وإدخال سيارات دون تنسيق مع جمارك قسد.

ويبدو أن استمرار زكوري في عمله يعتمد بشكل كبير على هذه التحالفات والتنسيق المستمر، فبدون هذا الدعم المباشر من قسد ومجموعات ضمن الجيش الوطني، كان من المحتمل أن يفقد سيطرته على النفوذ الذي يتمتع به حالياً.

واللافت أن "هزاع زكوري" مطمئن في عمله ولديه ضوء أخضر لتمرير أي قافلة تهريب، سواء بشر أو غيره، حيث يعلن عبر شركته "سفريات العوني" عن رحلات تشمل مناطق مختلفة، مثل لبنان ودمشق وحلب وإدلب وجرابلس والباب وعفرين واعزاز.

66

يشار إلى أن شخصية "زكوري" تمثل امتداداً لمنظومة من المتنفذين الذين يستفيدون من بقاء الوضع على حاله ضمن معبر "عون الدادات" على طرفي السيطرة، حيث يدر عليهم أموالاً طائلة، كما يكشف استمرار عمل "زكوري" وابتزازه للمسافرين عن حالة من الفساد المتجذر داخل صفوف الأطراف المتورطة، التي تقدم غطاءً لأمثال زكوري، مما يؤكد أن المصالح المشتركة تتفوق على أي التزام حقيقي براحة السكان وتسهيل تحركاتهم.