منذ عُرض مسلسل "النار بالنار" في رمضان الماضي أثار جدلًا كبيرًا بين السوريين واللبنانيين بشكل خاص. المسلسل -كما يعرف المشاهدون والقرّاء- يتناول قصة معلمة سورية محجبة تلجأ إلى لبنان في ظلّ ظروف قاسية، وتفقد أوراقها الرسمية فتضطر للتعامل مع مرابي سوري لبناني ليستخرج لها أوراقا ثبوتية. شخصية المرابي أداها الممثل السوري عابد فهد بإتقان، ما أعاد إلى الأذهان الشخصية الشكسبيرية التي كانت من مقررات الدراسة في سوريا "المرابي شايلوك".
وجسّدت شخصية المعلمة الممثلة السورية كاريس بشار التي أصبحت بائعة خبز في بيروت. والتي اصطدمت فور وصولها إلى الحي الذي ستقيم فيها برجل لبناني "جورج خبّاز" أمطرها بعبارات عنصرية وحمّلها وزر كلّ الجرائم التي ارتكبها السوريون بحقّ اللبنانيين أثناء وجود الجيش السوري في لبنان.
القضايا التي ناقشها المسلسل ومساحة الحريّة
المسلسل تطرق للكثير من القضايا المسكوت عنها، فوصف بالجرأة وامتلاك الحريّة الكاملة في مناقشة الأوضاع السياسية في البلدين. فهل تمتّع المسلسل بالجرأة حقّا؟ وهل ناقش قضايا البلدين بحريّة؟
مما لا شكّ فيه أن المسلسل "لامس" وبشكل سطحي معظم القضايا السياسية المُعلقة بين البلدين لكن من دون أن يدخل في العمق. أمّا الملامسة السطحية فجاءت بطرح قضية المعتقلين اللبنانيين في سوريا الذين ما زالوا في سجونها منذ أيام "الاحتلال" السوري للبنان بعد الحرب الأهلية حين دخلت القوات السورية للفصل بين المتقاتلين هناك ضمن ما يسمى "قوات الردع".
الذي حدث أن تلك القوات ارتكبت هناك الكثير من الجرائم، ومنها اعتقال أعداد كبيرة من اللبنانيين ما يزالون في السجون السورية حتى الآن. المسلسل لم يذكر أصل المشكلة وأسبابها، ولم يطرح حلولا، فقط قال هناك مشكلة اسمها "المعتقلون اللبنانيون"
كما طرح قضية اللجوء السوري إلى لبنان بعد تدمير القصير واحتلالها من قبل حزب الله، من خلال حالة نموذجية لا تمثل سوى شريحة صغيرة من السوريين، وأيضًا لم يذكر المسلسل الأسباب الحقيقية للنزوح، ولم يطرح رؤية لعلاجها ولا حلولا.
وخرج المشاهد من متابعته لحلقات المسلسل طيلة شهر رمضان "بخفي حنين" ولم يستطع أن يجد تفسيرًا ولا إجابات شافية لكلّ التساؤلات التي طرحها على نفسه بعد متابعته للمسلسل، ثمّ جاء الجواب الشافي والتفسير على لسان المخرج أخيرًا بعد فوز العمل بخمس جوائز في "موريكس دور" جائزة أفضل ممثلة عربية في عمل مشترك لكاريس بشار، جائزة أفضل ممثل دور أول لجورج خباز، أفضل مسلسل سوري لبناني مشترك.
أزمة بين صنّاع المسلسل
بعد عرضه ظهر جدل من نوع آخر بين صنّاع المسلسل، فقد صرّح كاتب السيناريو رامي كوسا على حسابه في الفيس بوك أنّه لا توجد مشكلة بينه وبين ابن المخرج "تيم" الذي جسّد شخصية بارود. وقال، إنه يحبّه ويتمنى له مستقبلا رائعًا. لكنه يشعر بالحزن لأن والده شوّه صورته أمام الناس بالمشاهد التي وضعها. وقد انسحب رامي كوسا في الحلقات الأخيرة، ولم يكمل العمل. وقد أشار إلى أنّ المخرج كان سعيدًا جدًا عند اطلاعه على النص، وأشاد به ووصفه بالأيقونة، إلا أنه غيّر رأيه فيما بعد، وقرّر تعديله بحجة أنه متهالك!
أمّا كاريس بشّار فقد كانت أكثر وضوحًا حين قالت إنّها فوجئت بأن الكثير من المشاهد حذفت من المسلسل واستبدلت بأخرى، وكان هجومها على المخرج حادًا في برنامج "كلام نواعم" على قناة "ام بي سي" بقولها إن تلك التغييرات في مجرى الأحداث، غيّرت المقولة الأصلية للمسلسل. واعتبرت أن المخرج فعل كل ذلك حسب أهوائه الشخصية وتلك قلة أمانة منه.
الجائزة التي فسّرت كل الخفايا
جاءت الجوائز التي حصل عليها المسلسل لتضيء الجانب المبهم من المسلسل من خلال الكلمة التي ألقاها المخرج في تلك المناسبة. جاء على لسانه (حتى هذه الخدوش والتخريشات أضفتها لعنوان العمل بما فيه الفونت الذي كتب به أثناء تصميم البوستر وتلك النقطة الحمراء التي أضفتها كدلالة على العلاقة السورية اللبنانية الملتبسة لتعريتها والغوص في أوحالها حسب المتاح إلى هذه الدرجة، أضفت، وتدخلت، وأعدت صياغة هذا العمل حرفًا حرفاً ولقطة لقطة بكل مراحل صناعته، حتى وصل لهذا التتويج الذهبي الكبير حاصدًا خمس جوائز في واحد من أهم الفعاليات الفنية بالعالم العربي. للشركاء في العمل "النجم عابد فهد" الذي بالرغم من ظروفه القاهرة عمل بنبالة، وأضاف من روحه وتجربته وخبرته الكبيرة لكل الشركاء فأشاع روحًا مُحبة فانعكس نجاحه نجاحاً للجميع، للفنان "جورج خباز" "ولساشا" المبدعة الأصيلة و"تيم عزيز وفكتوريا عون" اللذان أضافا الكثير من البريق بحضورهما المتألق، مجدداً لتيم محمد عبدالعزيز الذي خطف الأنظار بحضوره وموهبته الفذة، وساهم بشكل رائع ليكون مندوباً لهذه الفئة العمرية الشابة الغائبة عن الدراما الواقعية، فكان خير ممثل بحضوره التلقائي الجذاب والمتفرد، بالرغم من بعض الدسائس والغيرة المجانية من بعضهن - لفريق العمل الرائع الذي عمل من خلف الكاميرا جميعهم دون استثناء، ولفريق الشركة المنتجة الأعزاء كلّ الشكر والامتنان والتقدير، ولعائلتي العزيزة التي مدّتني بكل طاقة الحب، وتحملوا مشاق السفر بين الدولتين، وكانوا السبب الرئيس في نجاح النار بالنار. وأتشرف بإهداء هذه الجوائز بجلال لروح الرئيس الراحل حافظ الأسد ولأرواح جميع شهداء سورية ولبنان بلا استثناء).
كلمة المخرج أثارت جدلًا وموجة استنكار كبيرة ليس من السوريين فقط، بل من اللبنانيين أيضًا، وحفلت مواقع التواصل بالكثير من التعليقات أهمها تلك التي أشارت إلى أنّ القائد الراحل يستحق الإهداء فعلًا فما حصل في لبنان كان صناعة يديه، هو الذي قتل، واعتقل، ودمّر، وعاث فسادًا في لبنان عن طريق قواته هناك.
ولكن أجمل وأطرف تعليق جاء على لسان شابة كتبت لمحمد عبد العزيز: "إن شاء الله رمضان القادم تخرج مسلسلًا وتهديه لروح بشّار".