نشر برنامج مسارات للشرق الأوسط" دراسة تضع تقييماً شاملاً لحالة قطاع الكهرباء في سوريا بعد عقد من الحرب، بناءً على حالته منذ بداية تسعينيات القرن الماضي، مروراً باندلاع الثورة السورية وحتى الآن.
وتشير الدراسة إلى أن قطاع الكهرباء في سوريا، والذي كان تحت السيطرة المطلقة للدولة، قد عانى ضعفاً لسنوات طويلة قبل الحرب وكان بالكاد يفي بالغرض، مسجلاً خسائر هائلةً في الإنتاج والنقل من جراء الانقطاعات المتكررة بسبب الأحمال الزائدة والفائقة لقدرة الشبكة.
وتضيف الدراسة أن قطاع الكهرباء في سوريا كان في حال أسوأ من نظيره في الدول النامية الأخرى. كان هذا الضعف قبل الحرب بسبب عدة عوامل، من أبرزها ضعف الاستثمار والصيانة والتحديث للشبكة.
وتوضح أن الاعتماد على الغاز في توليد الكهرباء في سوريا قد ازداد بشكل ملحوظ في العقد الذي سبق الحرب، وأن ذلك يعود لأربعة أسباب هي:
1- الانخفاض في إنتاج النفط المحلي منذ أواخر التسعينيات.
2- ازدياد استخدام المحطات ذات الدورة المركبة.
3- تحسن الوصول إلى الغاز الطبيعي محلياً ودولياً.
4- تصدير سوريا لفائض مخزونها من النفط واستهلاك كل الغاز المنتج محلياً.
أما خلال الحرب في سوريا، فتشير الدراسة إلى ازدياد أهمية الغاز نسبياً، في حين انخفضت إسهامات المحطات الثلاث على نهر الفرات (محطات كهرومائية) بسبب ضعف الصيانة وانخفاض منسوب المياه من تركيا.
وبحسب الدراسة فإن البنية التحتية المستخدمة في توليد ونقل الكهرباء تعرضت لأضرار جسيمة بسبب الاستهداف المتعمد في كثير من الأحيان لها من قبل الأطراف المسلحة (النظام والمعارضة معاً)، مما أدى أيضاً إلى تدمير أجزاء من شبكة النقل والأبراج، بالإضافة إلى أنابيب الغاز التي تغذي المولدات الكهربائية. وتم تدمير ثلاث محطات لتوليد الكهرباء وهي:
1- محطة حلب الحرارية في عام 2015
2- محطة زيزون في إدلب عام 2016
3- محطة التيم في دير الزور عام 2017
كانت هذه المحطات الثلاث توفر ما يقارب 18.25% من إجمالي الناتج المحلي في البلاد قبل 2011. عانت بعض المحطات الأخرى، مثل محطتي محردة والزارة قرب حماة ومحطة تشرين قرب دمشق، من أضرار أقل حدة وقد تم إصلاح بعض الأضرار فيها.
ومن أكبر الأضرار التي تعرض لها قطاع الكهرباء بعد الحرب في سوريا كانت تلك التي طالت أنابيب الغاز. استهداف أنابيب الغاز أسفر عن انقطاع كبير في توليد الكهرباء. عام 2014 كان ذروة تلك الهجمات، فمثلاً تعرض خط الغاز العربي، للهجوم في ذلك العام، مما أدى إلى انقطاع الكهرباء عن محافظة دمشق. وتعرضت كذلك خطوط الأنابيب في البادية السورية لهجمات أدت إلى انقطاع الكهرباء في حمص ودير الزور.
وفي ظل فشل النظام في تلبية الحاجة إلى التيار الكهربائي، ظهرت الأسواق السوداء للوقود ومستلزمات توليد الكهرباء منذ عام 2013، فأصبحت بذلك المولدات والبطاريات التجارية والخاصة المصدر الأساسي الذي يعتمد عليه السكان لتوفير الكهرباء. هذا التراجع الكبير في إمداد الكهرباء أدى إلى إعادة العمل بمفهوم "التقنين" بشكل أوسع عبر فصل الأحمال عن البلاد كافة.
في نيسان 2021، أعلن وزير الكهرباء غسان الزامل عن توحيد برنامج التقنين في مختلف المحافظات، لتوفير ساعة من الكهرباء مقابل 4 ساعات ونصف من التقنين. وشهدت هذه السياسة على أرض الواقع تفاوتاً كبيراً بين المحافظات، حتى أن التفاوت موجود ضمن أحياء المدينة الواحدة.
وأدى عجز حكومة النظام إلى التوجه نحو استخدام الطاقة المتجددة. ففي عام 2016 أصدر بشار الأسد قانون "الشراكة بين القطاعين العام والخاص"، والذي تم بموجبه الموافقة على 73 مشروعاً من مشاريع الطاقة المتجددة منذ كانون الثاني 2019. كان من ضمن هذه المشاريع محطات كهروضوئية في محافظات ريف دمشق، حمص، حماة، طرطوس والسويداء. اثنان فقط من المشاريع هي لتوربينات الرياح في محافظة حماة. قيمة الأصول المعلنة لهذه المشاريع كلها تبلغ ما يزيد قليلاً على 170 مليون دولار، إلا أن الباحثين في هذه الدراسة يتوقعون قيمة فعلية أعلى من ذلك بكثير.
وبالرغم من المبالغة الشديدة في أهميتها، لا تتعدى نسبة الكهرباء المولدة بمصادر الطاقة الخضراء حالياً 1.5% من إجمالي الطاقة المنتجة، ولا تزال العقوبات الخارجية، بالإضافة إلى عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي في سوريا، عائقاً أمام انخراط المستثمرين في هذا المجال. وتعمل آلة الإعلام التابعة للنظام على تصوير نجاحات كبيرة لمجال الطاقة الخضراء لا وجود لها على أرض الواقع.
تخلص الدراسة إلى أن افتقار النظام إلى التمويل الكافي قد أبعد حتى حلفاءه الرئيسيين روسيا وإيران، عن الاستثمار والمساهمة بشكل حقيقي في إعادة فعالية إنتاج ونقل الكهرباء في البلاد. أما الحلفاء الآخرون كالصين والهند فقد اقتصرت أدوارهم على تصدير محدود للمعدات وقطع الغيار.
ويرجح البحث أن سبب قلة اهتمام هذه الدول بالمشاركة قد يعود إلى خشيتهم من العقوبات الثانوية، وتجنب مخاطر أمنية واقتصادية قد تلحق بهم.
وتشير الدراسة إلى أن مشكلة نقص الكهرباء الحالية تعود بشكل رئيسي إلى سببين هما:
1- نقص في الوقود اللازم لتشغيل محطات توليد الكهرباء.
2- عدم تعافي شبكة النقل تعافياً كاملاً في المناطق المدمرة.
وترجح الدراسة أن الطاقة الإنتاجية للكهرباء في مناطق سيطرة النظام حالياً، بالرغم من الدمار، كافيةٌ تماما لتلبية حاجات السكان بسبب انخفاض عددهم من نحو 21.3 مليون قبل الثورة السورية إلى 12 مليون حاليا.
وطالما أن أيّ تحسّن في مالية حكومة النظام لا يلوح في الأفق، سيظلّ المواطنون يعانون من نقص الكهرباء. وعجزُ النظام عن معالجة الأزمة إنما سيزيد من تفاقم الوضع الإنسان المزري، ويتسبّب بمزيد من موجات الهجرة. قد تتمكن سوريا، بحكومة فاعلة، من إقناع جهات مانحة وشركات كهرباء دولية من الاستثمار في القطاع مستقبلًا. مع ذلك، قد تستغرق التغذية بالكهرباء بضع سنوات لمواكبة الزيادة في الطلب في حال البدء بإعادة الإعمار.