يواصل "مصرف سوريا المركزي" التابع للنظام سياسة الخفض التدريجي لليرة مقابل الدولار الأميركي وبقية العملات الأجنبية، ليصل تخفيض قيمتها اليوم إلى أكثر من 315 في المئة منذ بداية العام الجاري، سعياً لتضييق الفجوة بين السعر الرسمي وبين السوق السوداء، في ظل اقتصاد مترنح، وأزمة اقتصادية طاحنة، ومعدلات تضخم غير مسبوقة.
وأعلن "مصرف سوريا المركزي" التابع للنظام، صباح اليوم الإثنين، رفع سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار الأميركي للحوالات والصرافة إلى 12500 ليرة بدلاً من 11500 ليرة، وهو السعر الذي حدده مطلع تشرين الأول الجاري، في حين بلغ سعر صرف اليورو 13198 ليرة بدلاً من 12157 ليرة.
وتصدر هذه النشرة بغرض التصريف النقدي وشراء الحوالات الخارجية التجارية والحوالات الواردة للمواطنين، بما فيها الحوالات الواردة عن طريق شبكات التحويل العالمية.
الليرة السورية تفقد 315 في المئة من قيمتها منذ مطلع 2023
وكان "مصرف سوريا المركزي" بدأ سياسة خفض قيمة الليرة السورية أمام العملات الأجنبية مطلع العام الجاري، حيث حدد سعر صرف الدولار بـ4522 ليرة، في 2 من كانون الثاني الماضي، بعدما استقر لعدة أشهر على سعر 3015 ليرة، ثم كرر رفع سعر عدة مرات خلال الفترة الماضية حتى وصل اليوم إلى 12500 ليرة.
ومع التعديل الأخير، يكون سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار قد ارتفع بمقدار 9485 ليرة منذ بداية 2023، حيث انخفضت قيمتها من 3015 ليرة إلى 12500، بحسب بيانات صرف "مصرف سوريا المركزي"، وبذلك تكون الليرة فقدت نحو 315 في المئة قيمتها، مسجلة رقماً قياسياً في قيمة الانخفاض.
وفي السوق السوداء، وصل سعر صرف الدولار مقابل الليرة في دمشق إلى 13850 ليرة، ليتجاوزها في أسواق حلب إلى 13950 ليرة، كما سجلت السوق الموازية في الحسكة 14100 ليرة مقابل الدولار.
ما هدف القرار؟
وتعتبر قرارات خفض قيمة الليرة المتتالية تعويماً جزئياً للعملة، كونه لم يشمل إلا الحوالات الخارجية التي تعد من أبرز مصادر دعم الاقتصاد في مناطق النظام، إذ يعمل "المصرف المركزي" على جذب المواطنين للتحويل عن طريقه عبر إصدار نشرة يومية لمراعاة تقلبات السوق السوداء وتقليل الفجوة، بهدف توفير النقد الأجنبي للنظام الذي يعاني من شح احتياطي النقد الأجنبي بسبب العقوبات الغربية.
ويقدر إجمالي الحوالات اليومية الواردة إلى المناطق الخاضعة لسيطرة النظام السوري بـ 6 ملايين دولار، أي ما يعادل ملياري دولار سنوياً، وهو مبلغ لا يستهان به، بحسب وزيرة الاقتصاد السابقة في حكومة النظام لمياء عاصي.
ورغم سعي النظام من خلال هذا القرار لاستجرار الحوالات المالية من المغتربين في الخارج ومن المنظمات الإنسانية، إلا أنه في حال تدفق الدولار مع عدم وجود زيادة في الإنتاج، فذلك سيدفعه لطبع مزيد من الأموال ما سيؤدي إلى انخفاض قيمة الليرة مجدداً، بحسب خبراء اقتصاديين.
وغالباً ما تشهد أسواق مناطق سيطرة النظام تخبطاً وغلاءً بالأسعار بعد صدور كل نشرة جديدة برفع سعر صرف الدولار من مصرف سوريا المركزي. إذ يلجأ التجار وبائعو المفرق لرفع الأسعار أو حجب البضائع، وسط إقبال للشراء من المواطنين الذين يخشون ارتفاعاً فاحشاً في الأسعار خلال الأيام القليلة التي تعقب قرار رفع الصرف.
الأزمة الاقتصادية في سوريا
يأتي القرار، بعد انخفاض قيمة الليرة إلى مستويات قياسية وأزمة اقتصادية حادة تعيشها مناطق سيطرة النظام الذي بدأ يبحث عن موارد مالية جديدة لتمويل مشترياته.
وتتمثل الأزمة الاقتصادية في مناطق النظام، بنقص في مشتقات النفط وازدياد ساعات القطع الكهربائي لتصل إلى 23 ساعة يومياً، وتوقف الإنتاج والصناعة، ورزوح 90 في المئة من السوريين تحت خط الفقر.
ومع انخفاض سعر الصرف انخفض معدل الأجور الشهري إلى نحو 14 دولاراً، والذي لا يغطي احتياجات الأسرة الغذائية لأكثر من يومين، حيث ارتفع متوسط تكاليف المعيشة لعائلة مكونة من خمسة أفراد في سوريا إلى أكثر من 9.5 ملايين ليرة سورية (685 دولاراً)، نهاية شهر أيلول الماضي، بعد أن كان في شهر تموز الفائت نحو 6.5 ملايين ليرة، بحسب دراسة نشرتها جريدة قاسيون.
سوريا الثالثة عالميًا في معدل التضخم
واحتلت سوريا المرتبة الثالثة عالميا بمستوى التضخم بنسبة 238 في المئة على أساس سنوي، بعد كل من زيمبابوي وفنزويلا.
الرقم الجديد لمعدل التضخم الصادر في 10 من آب الماضي، جاء وفق "لوحة هانكي لقياس التضخم الاقتصادي" في عديد من البلدان وفق معايير محددة، بالاعتماد على مصادر مستقلة.
ويظهر المؤشر أن سوريا تراجعت منذ آذار الماضي إلى المركز الثالث، وذلك بعد ارتفاع معدل التضخم فيها بنسبة تجاوز أكثر من 125 في المئة، إذ كانت البلاد حينها بالمركز الرابع بعد فنزويلا وزيمبابوي ولبنان بنسبة 111 في المئة.
وفي عامي 2011 – 2023، تجاوز معدل التضخم في سوريا 16 ألفاً في المئة، وفقاً لأرقام كشف عنها الكتاب السنوي للمكتب المركزي للإحصاء التابع للنظام السوري، في حزيران الماضي.
كما ارتفعت الأسعار بين عامي 2011 و2021 بمقدار 40 ضعفاً، في حين ازدادت بما يتجاوز 161 ضعفاً في الفترة الممتدة بين 2011 و2023، بحسب الوطن المقربة من النظام السوري.