ما تزال قيمة الليرة السورية ترتفع مقابل الدولار في مؤشر غريب لم يكن متوقعاً من قبل الخبراء الاقتصاديين، وذلك على الرغم من توتر الأوضاع العسكرية واستمرار المظاهرات ضد النظام في السويداء ودرعا، وانسداد أفق المبادرة العربية للحل، وعدم حدوث أي خرق اقتصادي يقلب الأوضاع سواءً بعد زيارة رئيس النظام بشار الأسد للصين أو قبلها.
توقع خبراء الاقتصاد مؤخراً، انحدار سعر الليرة إلى 20 ألف ليرة أمام كل دولار قبل نهاية العام الجاري، لكن وحتى يوم أمس الأحد، تحسن سعر الليرة من 15 ألف ليرة لكل دولار كأدنى سعر وصلت إليه، إلى 12,950 ليرة، وسط توقعات باستمرار التحسن من قبل الخبراء المقربين من النظام، دون أي توضيح للسبب بشكل علمي، بينما يحذر خبراء آخرون من مشكلة قادمة.
الواضح، وبحسب بعض المحللين، أن سبب الانخفاض هو عدة عوامل، أهمها زيادة طلب المستوردين على الليرة السورية بموجب قرار المركزي الأخير (1130) في آب الماضي الذي ألغى بموجبه القرار (970) الذي نوع مصادر تمويل المستوردين من خارج المنصة.
ما السبب؟
أستاذ كلية الاقتصاد في جامعة حلب، حسن حزوري قال سابقاً لـشبكة "غلوبال" المقربة من إيران والنظام، إن هذا القرار سلبي ويعكس مدى التخبط وعدم وضوح الرؤية لدى صانع القرار الاقتصادي وراسم السياسة النقدية، وهذا سيؤدي إلى مزيد من ارتفاع التكاليف والتضخم، وإلى مزيد من معاناة الناس.
أشار حزوري إلى أن مشكلة واضع السياسة النقدية أنه يعتبر سعر الصرف هدفاً، من دون الأخذ بعين الاعتبار العوامل الأخرى، وفي الواقع هو نتيجة.
يعتمد القرار الجديد ببساطة على حبس السيولة السورية لزيادة الطلب عليها. قال حزوري إنه من الممكن تجميد الأموال وفق القرار الجديد لمدة قد تصل إلى 150 يوماً في المنصة، ما سيؤدي إلى زيادة تكلفة التمويل التي سيعكسها المستورد على المستهلك في النهاية، فكلما زادت فترة الانتظار سيؤدي ذلك الى تحوط التاجر وزيادة الأسعار بغض النظر عن تغير سعر الصرف.
معاناة السوريين تتعمق رغم تحسن قيمة الليرة على الشاشة فقط
حديث حزوري أعلاه يشرح بدقة ما يعاني منه السوريون اليوم، فرغم انخفاض سعر الصرف، إلا أن الأسعار لا تزال ترتفع، على سبيل المثال، سعر علبة المحارم كان نحو 18 ألف ليرة عند سعر 14 ألف ليرة للدولار، واليوم هي 20 ألف ليرة عند أقل من 13 ألف ليرة للدولار.
المعاناة الحالية التي بدأ السوريون يلمسونها، هي في تصريف حوالاتهم في السوق السوداء أو الرسمية بسعر منخفض جداً قياساً بأسعار المنتجات المحلية، ما جعلهم يعانون بشدة دون أن يلمسوا أي تحسن حقيقي على أرض الواقع بل زادت المشكلة عمقاً، حيث كان السعر الحقيقي للدولار يساعدهم في شراء السلع وفق تكاليفها الحقيقية، أي أن قيمة الليرة الشرائية لم تتحسن بل ما تحسن هو سعرها على الشاشة، التي بات كثيرون يشككون بمدى صدق مصدر سعر الليرة المعتمد (صفحة الليرة اليوم) كونها باتت تتصرف وكأنها بيد النظام كما حدث سابقاً من الصفحة التي اعتمدها التجار لفترة طويلة (الأسهم السورية) والتي وضع النظام يده عليها وبات المركزي يديرها اليوم وفق مصادر مطلعة.
المستورد قد يصبح أرخص من المنتج المحلي
كل الصناعات المحلية ارتفعت أسعارها، بينما انخفضت أسعار المهربات والمستوردات الجاهزة نوعاً ما، أسعار الملابس ارتفعت أكثر من 200% عن العام الماضي، وكذلك المنظفات ومواد البناء وغيرها، وذلك لأسباب كثيرة، منها بحسب الخبير الاقتصادي زاهر أبو فاضل في حديثه لموقع تلفزيون سوريا، أن المركزي وضع نصب عينيه سعر الصرف ليدعم بذلك كبار المستوردين أصحاب الملاءة، وفي ذات التوقيت رفعت الحكومة أسعار حوامل الطاقة من بنزين ومازوت وغاز للصناعيين والناس العاديين، ما رفع من تكاليف الحياة وتكاليف الإنتاج.
حذر أبو فاضل، من أن استمرار نهج المركزي بهذا الحال عبر خفض سعر الصرف مقابل ارتفاع تكاليف الصناعة، بأنه سيخلق فجوة كبيرة تجعل من المنتج المحلي أغلى من المستورد، ما يشجع التهريب أكثر ويصيب القطاعات الصناعية بمقتل، ويزيد من التضخم وعمق معاناة السوريين.
تحسن قد لا يستمر طويلاً
يرى البعض أن هذه الحال لن تستمر طويلاً، فحفاظ المركزي على سعر دولار منخفض وخفضه للسيولة وخلق الطلب على الليرة من قبل التجار، سيكلفه الكثير من القطع الأجنبي، بالتالي قد ينفلت سعر الليرة ويعود إلى سعره الطبيعي قياساً بالوضع الاقتصادي ولو بعد حين.
يعمل مصرف سوريا المركزي حالياً على رفع سعر الدولار رسمياً وخفض السعر في السوداء ليصل إلى سعر متقارب بحسب مصادر في المصرف، وهذه العملية أيضاً تكلف المركزي الكثير من القطع الأجنبي الذي يجب أن يضخه في السوق، متأملاً أن يجذب بسعره الرسمي حوالات المغتربين التي قد لا تكفيه، لكنه بذات الوقت يرفع بقراراته كلف الخدمات والمواد الأساسية المقدمة من قبل الحكومة تباعاً ومنها المحروقات.
الاقتصاد السوري سيخسر
الخبير الاقتصادي عبد الناصر الجاسم، قال لصحيفة العربي الجديد مؤخراً، إنه في حال تحقيق التوازن بين السعر الرسمي والموازي للدولار، قد يفلح المركزي بجذب التحويلات، لكن الاقتصاد السوري سيخسر في المقابل من خلال التضخم وارتفاع الأسعار، مشيراً إلى أن زيادة الأسعار بلغت أكثر من 350% منذ بداية عام 2023 وقرارات المركزي أهم أسبابها.
وحدد مصرف سوريا المركزي بتاريخ 1/10/2023 سعر صرف الليرة مقابل الدولار في نشرة الحوالات والصرافة، بحيث أصبح 11500 ليرة، وأصبح السعر الوسطي في النشرة الرسمية 11557 ليرة مقابل الدولار الواحد.
صحيفة قاسيون أيضاً ترى أن سعر الليرة الحالي غير منطقي، وقالت في تقرير لها إن "عوامل الحفاظ على الليرة بقيمتها مقابل العملات الأجنبية لم يطرأ عليها أي تغير إيجابي خلال الفترة القريبة الماضية، فلا زيادة في معدلات الإنتاج والاستهلاك، بل هناك تقلص مستمر بمعدلات الاستهلاك وتراجع بمعدلات الإنتاج، ولا بضائع مصدرة بكميات إضافية، أو نوعية، تستقطب المزيد من القطع الأجنبي، ومقابل تراجع الإنتاج ترتفع فاتورة الاستيراد، أي مزيد من استنزاف القطع الأجنبي، ومعدل التحويلات الخارجية من السوريين في الخارج لذويهم في الداخل على حالها نسبياً، والواقع السياسي العام على مستوى الأزمة الوطنية الشاملة من سيئ إلى أسوأ دون حلول منظورة".
وأشارت الصحيفة إلى أن "الكارثة المستجدة بعد كل ما سبق، هي الزيادة السعرية على سعر الصرف بموجب نشرة السوق الرسمية، والتي ستفرض على جهات القطاع العام إعادة حسابات عملياتها وتكاليفها استناداً إليها، فنسبة الزيادة التي طرأت على سعر هذه النشرة بلغت 35,29%، حيث كان وسطي السعر في هذه النشرة 8542 ليرة، وأصبح 11557 ليرة".