جاءت موافقة الإدارة الأميركية والكونغرس على صفقة طائرات F16 لصالح سلاح الجو التركي، لتدشن حقبة جديدة من التعاون بين أنقرة وواشنطن تضمنت أيضاً تأسيس ثلاثة مصانع مشتركة لصناعة الذخائر ستُقام في ولاية تكساس.
لا يقتصر التقارب بين الطرفين على صفقات في مجال الصناعة الدفاعية، بل ثمة ملامح تعاون تتشكّل في مجال ضمان استقرار خطوط الملاحة الدولية، إذ يمكن ملاحظة كثافة النشاط التركي في البحر الأحمر والمتمثّل في إعطاء دفعة جديدة للتطبيع مع مصر بعد زيارة الرئيس التركي أردوغان إليها، ثم توقيع اتفاقية بين تركيا والصومال، الأمر الذي يوحي بملاقاة تركيا لأميركا في البحر، حيث أرسلت الأخيرة أسطولها قبل أشهر لضمان سلامة القوافل التجارية في مواجهة هجمات جماعة الحوثي.
الصدى المحتمل في الملف السوري
أسهم الملف السوري سابقاً في زيادة تعقيد العلاقات التركية الأميركية، حيث فضّلت واشنطن دعم "قسد" التي تتكون في الغالب من مقاتلين مرتبطين بحزب العمال الكردستاني، كما تغاضت عن تزايد نشاط روسيا وإسرائيل في سوريا، الأمر الذي أضرّ بمصالح تركيا التي وجدت نفسها محاصرة بجملة من التحديات خلقها السلوك الأميركي.
مع تبنّي أميركا نهجاً متشدداً ضد روسيا إثر غزوها لأوكرانيا، بدا واضحاً تفضيلها الاعتماد على الدور التركي في كل من ليبيا وسوريا، وهذا على الأرجح السبب الذي دفعها مع دول الاتحاد الأوروبي إلى إبداء مرونة أكبر مع أنقرة، خلال السنتين الماضيتين، ومن جانبها تدرك أنقرة عدم رغبة وقدرة النظام السوري وإيران على معالجة مخاوف تركيا الأمنية الناجمة عن نشاط حزب العمال الكردستاني على الحدود السورية التركية، وأن واشنطن هي الأكثر قدرة على هذا.
المتوقّع أن يمتد صدى تطور التنسيق الأميركي التركي إلى الملف السوري، وقد ظهرت مؤشرات بالفعل على هذا خلال الأشهر الماضية، حيث بات سلاح الجو التركي يشن هجمات في عمق محافظتي دير الزور والحسكة دون اعتراض من القوات الأميركية التي تسيطر على الأجواء، حيث تنفذ فيها تركيا عمليات أمنية نتج عنها مقتل قيادات بارزة في حزب العمال الكردستاني.
أيضاً، ضغطت أميركا باتجاه تعيين محمود المسلط رئيساً مشاركاً لـ"مجلس سوريا الديمقراطية"، وهو شخص كان يتنقل في إقامته بين تركيا وواشنطن.
العقدة الأساسية التي ستسهم في تعزيز التفاهمات بالملف السوري هي موافقة واشنطن على آلية جديدة للإشراف على النفط شمال شرقي سوريا، وعدم بقائه تحت هيمنة تنظيم قسد، وهذا سيمهد إلى درجة كبيرة للانتقال إلى تحقيق حالة الاستقرار في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام السوري، شريطة أن تستكمل عملية فك ارتباط قسد بحزب العمال الكردستاني.
من الواضح أن الجانب التركي مهتم بالتسريبات التي ظهرت قبل فترة وتتحدث عن احتمالية انسحاب القوات الأميركية من سوريا نتيجة استهدافها المتكرر من قبل ميليشيات موالية لإيران، وهذا يدفع أنقرة إلى تعزيز الاتصالات مع واشنطن أكثر لضمان أن يكون الانسحاب منسقاً معها وليس عشوائياً تستفيد منه إيران، ويمكن القول إنّ تعيين تركيا لسادات أونال سفيراً لها في واشنطن هدفه تكثيف نقاش الملف السوري، نظراً لأن أونال تابع عن قرب تفاصيل الملف السوري عندما كان نائباً لوزير الخارجية، وقاد وفد بلاده الذي شارك في أكثر من 15 جولة ضمن مسار أستانا الخاص بسوريا.
عموماً، إن انفراج العلاقات مؤخراً بين تركيا وأميركا حصل في ظل إدارة بايدن الذي كان يتوعد قبل وصوله للحكم بالضغط أكثر على تركيا لكن الحرب الروسية الأوكرانية غيرت حساباته إلى حد كبير، ومن الطبيعي أن تترقب أنقرة نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة، لأنها قد تحمل لها خبراً ساراً بعودة ترامب مرة أخرى إلى الرئاسة، حيث وافقت واشنطن في فترة ولايته الأولى على عملية "نبع السلام" شمال شرقي سوريا، مما يدفع ربما أنقرة إلى التفاؤل بإمكانية تطوير التفاهمات حال نجاح ترامب بالانتخابات.