فاز فيلم الشاب السوري، علاء الدين السيد عيسى، بالجائزة الكبرى في مسابقة الجزيرة الوثائقية للأفلام القصيرة، في نسختها الرابعة، عن فيلم "النزاع الأخير"، وهو فيلم يحاكي واقع الآثار في مدينة إدلب شمال غربي سوريا.
ويتناول الفيلم حكاية الآثار في إدلب، على لسان فائز قوصرة، المؤرّخ البارز في المدينة، والمعروف بمجهوده الفردي في مجال التوثيق والبحث الأثري.
التوثيق حد "الإشباع"
ورغم أن "السيد عيسى" كان اهتمامه، يتّجه نحو صناعة الأفلام السينمائية، لكن اعتبر أنّ "الأفلام الوثائقية، كانت تجربة ممتعة جداً ـ فالقصة موجودة لديك ـ لكن كيف تستطيع إظهارها على حقيقتها بأكثر صورة مؤثرة، هذه النقطة كانت عامل جذب لي نحو الوثائقيات، كما أنه لم يكن لديّ طموح للتوسع في هذا المجال".
وأضاف لموقع تلفزيون سوريا: "أظن أن الفكرة ستتكرر مستقبلاً، وتوجد فكرة أفلام طويلة، لكن المشكلة في القدرة على إظهارها، إذ لم نستطع إظهار كل شيء بعد، نحن نحتاج لوثائقيات في الحالة السورية حتى الوصول إلى حالة إشباع، وبعدها من الممكن الاتجاه نحو السينما".
من هو علاء السيد عيسى؟
من مواليد عام 2000، من مدينة إدلب، أدرس في جامعة "أتاتورك" في مدينة أرضروم التركية، تخصص (راديو وسينما وتلفزيون)، وحالياً في سنة التخرّج.
مع بداية الثورة بدأت الكاميرات تدخل إلى بيتنا، بحكم عمل إخوتي الكبار في المجال الإعلامي وتغطية المظاهرات، فعندها بدأت أحب المجال، وأمارسه كهواية.
أسست مع إخوتي، في عام 2020، شركة "ترند أكس" للإنتاج الإعلامي، وأتنقل بين الشمال السوري وتركيا.
ما دافعك لاختيار فكرة الفيلم، ولماذا حاولت الإضاءة على قضية آثار إدلب؟
في البداية كنت أبحث عن قصة أو زاوية معينة، لم يتطرق إليها أحد من قبل، عادةً معروف عن الشعب السوري أو القضية السورية أنها قضية "موت وقتل ودمار وخيام، حاولت البحث عن الزوايا التي تأثرت بالحرب ـ قبل الثورة وما بعدها ـ لكن لم يُلفت الانتباه إليها، القصة خطرت على بالي، وطرحها أحد كوادر العمل في اجتماع، وحينذاك قلت إنها هذه هي الفكرة ـ قصة آثار إدلب وقصة الأستاذ فائز قوصرة ـ وعندها قررت لقاء الأستاذ فائز قبل البدء في العمل أو التصوير، بدافع الاستماع إليه قبل أن آخذ القرار.
في البداية، كنت منبهراً من كمية المعلومات الغائبة عن ذهني عن تاريخ هذه المنطقة وآثارها ـ وأنا ابن إدلب ـ حكى لي معلومات صادمة، كم هذه المنطقة غنية بالآثار والمواقع الحضارية، أصلاً نحن أهل المنطقة نفسها، لا نعلم أن لدينا هذه الغنى الأثري، وحينذاك شعرت أنّ هذه القصة الواجب الحديث عنها في الفيلم.
وفي لقاء الأستاذ فائز، حكى لي عن معاناته في سبيل العمل على آثار هذه المنطقة، وفي ممارسة العمل الذي يحبه على الأرض التي يحبها وحالة التهميش التي تعرّض لها، رغم مجهوداته الكبيرة في هذا الملف، شعرت أن العمل عن هذه القضية، هي خدمة كبيرة للمنطقة، هذه المنطقة تملك ألف موقع أثري.
لكن من المؤسف، وفقاً لما حكى لي المؤرّخ، عن معاناته أيضاً في طباعة ونشر مؤلفاته، أن المطبعة ما زالت تدين له بمبلغ مالي، لقاء طباعة أحد كتبه التي يوثق فيها آثار المنطقة.. تفاجأت أنّ شخصية مثل الأستاذ فائز قوصرة مهمش بهذه الطريقة، دون أي دعم.
هل شعرت أنك قريب من الفوز حين قدمت للجائزة؟
شعرت أني قريب من الفوز، على الأقل من الأربعة الأوائل ـ لكنت لست واثقاً من حصد الجائزة الكبرى، وخاصةً في ظل المنافسة القوية. في الحقيقة حينما شاهدت الفيلم الذي حصد المركز الثاني لاحقاً، قلت إن فيلمي لن يفوز، هذا الفيلم هو الفائز بالجائزة الكبرى، كان مصوراً بدقة عالية جداً ويوجد فيه لمسات إبداعية، لكن الحمد لله، ظني لم يكن صحيحاً وحصدنا الجائرة.
ماذا يعني لك هذا الفوز، وخاصةً أنك ما زلت في بداية مشوارك المهني؟
هذا الفوز، يعني لي كثير، أي شخص في بداية طريقه، مثل هكذا أمر ـ الفوز بمسابقة الجزيرة الوثائقية ـ مسابقة على مستوى العالم العربي، شارك فيها عدد كبير من الأفلام، منصة معروفة للجميع تقريباً، وأن أكون المركز الأول فيها، هذا الأمر يعطيني دافعا وحماسا للأمام.
ما الرسالة التي أردت إيصالها من الفيلم؟ وهل تعتقد أنك نجحت؟
الفوز يؤكد أن المنطقة غنية بالشباب المبدعين، الذين لديهم قدرة على إنتاج أفلام تنافس الأفلام الموجودة في الوسط، رغم كل شيء حدث فيها.
ومن هذه المنطقة المنكوبة المليئة بالآلام والأوجاع، برز خلال السنوات الماضية شباب تدربوا وتعلموا هذه المهنة خلال الحرب، ولم يدرسوا في جامعات أو لديهم تحصيل أكاديمي، لكنهم استطاعوا أن يتفوقوا على أشخاص أكاديميين.
فكرة أن يترشح 5 أفلام سورية مصورة في الشمال السوري، من أصل 10 أفلام مرشّحة على مستوى العالم العربي، هي بحد ذاتها تعطي انطباعاً أن المنطقة غنية بالمبدعين، الفكرة الأساسية التي أردت إيصالها أنه باستطاعتنا رغم كل شيء أن نقدم أفلاماً معمولة بطريقة مهنية واحترافية، وتراعي كل القواعد الصحيحة، تضاهي الأفلام العالمية.
ما هي الأفكار التي تفكّر بصناعتها مستقبلاً؟ ولماذا؟
بصراحة، لدي طموح أن نطوّر رواية القصص في الشمال السوري، لأنها كنز من القصص، وجميع القصص المصورة لا تغطي 1 في المئة من القصص الموجودة، طموحي أن نبدأ بصناعة القصص ونرويها للناس على لسان أصحابها وبطريقة مؤثرة، لذلك أطمح أن نطوّر نفسنا كشباب سوري لخوض هذه التجارب لتحقيق النجاحات.
ما هي مسابقة الجزيرة الوثائقية؟
تعد مسابقة الجزيرة الوثائقية للأفلام القصيرة، مخصصة للطلبة والناشئين وتشرف عليها قناة الجزيرة الوثائقية، وتقول إنها "فرصة لاكتشاف واحتضان أصحاب المواهب باعتبارهم اللبنة الأساسية لمستقبل الفيلم الوثائقي في العالم العربي".
ويشار إلى أنّ الشاب أسامة الخلف، وهو ينحدر من بلدة "قميناس" بريف إدلب، حصد المرتبة الرابعة "جائزة الجمهور" في النسخة الرابعة للمسابقة، عن فيلمه "يدي تتكلم"، الذي تناول قصة رسّامة شابة سورية، من فئة "الصمّ والبكم"، احترفت عالم الرسم والفنّ والألوان.
والشابة السورية، لمّى عبادي، اختارت الألوان، لغةً تحكي فيه واقع الثورة السورية ومستجداتها، عبر السنوات الماضية، من مدينتها "جسر الشغور" بريف إدلب الغربي، عاشت مرارة التهجير والقصف مرات عديدة، إلا أنها نجحت في مشروعها الفنيّ، رغم ظرفها الصحي الاستثنائي.