كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن مجموعة موجودة ضمن مناطق الإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا، وتسمى بـ "جوانن شورشكر" أو الشبيبة الثورية كترجمة عربية لهذا المصطلح، حيث إن الكثير من الأعمال اللاشرعية، كحرق المكاتب والتهجم على مراكز إعلامية وإسكات أصوات المحتجين على سياسات الإدارة الذاتية وخطف وتجنيد الأطفال في الأعمال العسكرية، وغيرها من التصرفات المدانة تُنسب لهذه المجموعة، وكان أكثرها لفتاً للأنظار في الآونة الأخيرة هي التهجم على موظفي وعناصر معبر سيمالكا الحدودي الذي يربط مناطق الإدارة الذاتية بإقليم كردستان العراق، ويعتبر شريان الحياة لأهالي وسكان شمال شرق سوريا.
بالمقابل كثر الحديث والسؤال عن تابعية هذه المجموعة التي لم تستطع أي من وسائل الإعلام ولا المنظمات العاملة في تلك المناطق أو خارجها، ولا حتى أهالي وسكان المنطقة التعرف على أي من الشخصيات القيادية لهذه الجماعة "المجهولة الهوية"، ومع استمرار هذه الحالة اللامسؤولة وتزايد الأنشطة التخريبية لها، كان من الطبيعي والمنطقي أن توجَّه الاتهامات إلى الإدارة الذاتية بمختلف مسمياتها، حزب الاتحاد الديمقراطي وقوات حماية الشعب وقوات سوريا الديمقراطية "قسد" وغيرها من تلك التسميات التي تتجاوز العد والحصر، بأنها هي التي توجه وتقود هذه المجموعة "الشبابية"، بل ذهب البعض إلى القول بأن الأخيرة هي فوق كل المؤسسات والقوى الموجودة في المناطق التي تعيث فيها فساداً، كونها مرتبطة وتابعة بشكل مباشر لحزب العمال الكردستاني في جبال قنديل، ومبررهم في ذلك هو أن الكثير من الشكاوى قدمت للسيد مظلوم عبدي، الرجل العسكري الأول في المنطقة، ولم يحرك ساكناً ولم يجرؤ حتى على إدانة تلك الأعمال التخريبية، ولا حتى على التبرؤ بشكل علني من المجموعة ومن سلوكياتها، كما ولم يتم اعتقال أو تقديم أي من عناصرها إلى المحاكمة أمام هيئات و"محاكم" هذه الإدارة.
وبسبب زيادة الضغوط والأسئلة المتزايدة على الحزب ومؤسساته بمختلف مسمياتها، عن ماهية هذه الجماعة ومرجعيتها، كان لا بد من أجوبة تُسكت الألسنة وتحاول إبعاد الشبهات عن حزب العمال الكردستاني وأذرعه الموجودة في سوريا، وليس مهماً إن كانت تلك الأجوبة مقنعة للسائلين أم لا، لكن ما يهم هو أن يحمل قياديو هذا الحزب والمتحدثين باسمه تلك الأجوبة بأياديهم ويرمونها في وجوه أولئك الفضوليين، الذين لا يكلون ولا يملون من طرح الأسئلة "التافهة"، بينما الحزب وإدارته الذاتية منشغلون بهموم الشعب وكيفية الرد على المؤامرات الكونية التي تحاك ضد هذه الإدارة العتيدة، وقضايا أخرى أكبر بكثير من هذه التصرفات الصبيانية التافهة كخطف الأطفال وتجنيدهم والتسبب بإغلاق معبر حدودي لا يتجاوز عرضه بضعة أمتار!!!!؟؟؟.
من غير المعقول أن يعقد مثل هذا المؤتمر في مدينة ديريك الصغيرة ولا يسمع به أي من أبناء المنطقة، خاصة بعد كل هذا الكم من الأعمال اللاأخلاقية التي يقوم بها هؤلاء "الشباب الثوريون"
وجاء الجواب على لسان المدعوة ميديا يوسف عبر المقابلة التي ظهرت فيها على قناة روداو بتاريخ 6/1/2022، وهذه المرأة لم أسمع بها من قبل رغم زعمي بأني من المتابعين لأخبار الشأن السوري بشكل عام، وأخبار منطقة شمال شرق سوريا بشكل خاص، وهذا طبيعي كوني من أهالي هذه المنطقة، وادعت السيدة المذكورة بأن "حركة الشبيبة الثورية السورية"، وهذه التسمية أيضاً لم أسمع بها من قبل، كون المصطلح المتعارف عليه بين أبناء المنطقة هو "جوانن شورشكر" أي الشبيبة الثورية، ادعت بأن الحركة ولدت عام 2012 خلال مؤتمر شبابي، دون أن تحدد تاريخ الانعقاد باليوم والشهر، وأمام إلحاح مراسلة القناة ذكرت بأن المؤتمر عُقد في مدينة ديريك (المالكية)، وأزعم بأن التهرب من ذكر المعلومات التفصيلية حول المؤتمر المذكور هو عدم انعقاده أصلاً، أو أن من لقنها الأجوبة لم يفطن لهذا السؤال، فمن غير المعقول أن يعقد مثل هذا المؤتمر في مدينة ديريك الصغيرة ولا يسمع به أي من أبناء المنطقة، خاصة بعد كل هذا الكم من الأعمال اللاأخلاقية التي يقوم بها هؤلاء "الشباب الثوريون"، ثم لم نسمع بأسماء مجلس الإدارة أو المجلس القيادي لهذه الحركة "النضالية الشابة"، حيث لا يزال الغموض يكتنف تلك الشخصيات الهلامية، ومن بينها المدعوة ميديا يوسف نفسها، وأغلب الظن هي كردية تركية قادمة من قنديل "كادرو" كون الكثير من الكلمات التي استخدمتها كانت تركية.
على أي حال، ودون الغوص في تفاصيل هذا المؤتمر المزعوم، سنناقش الجزء الأهم من جواب الشابة المذكورة، وهو أن هذه الحركة لا تتبع لأي حزب أو مؤسسة، لا حزب العمال الكردستاني ولا أي من أذرعه التي تصول وتجول في المناطق الخاضعة لسيطرته، بل هي مؤسسة شبابية مستقلة ولا تتلقى تعليماتها من أحد، لا أعلم إن كان من لقَّن الفتاة هذا الجواب هو نفسه مقتنعا به أم لا؟ لا شك أنه نفسه يعلم بأن الجواب لن يقنع أحد، ولا أقصد هنا مناصري الحزب المرغمين على التصديق مهما كان حجم الكذب والتلفيق الذي يمارسه الحزب، بل مرغمين على الدفاع عن جميع فبركاته، وإلا فسيأتيهم الرد من "الشبيبة الثورية" نفسها، بل المقصود هم المناهضون لهذا الحزب وسلوكياته.
كيف لنا أن نصدق هذا الكلام، والشبيبة الثورية المزعومة لم تقدم على حركة احتجاجية واحدة ضد أي من مؤسسات الإدارة الذاتية وقراراتها؟ وليس لها التذرع بأن جميع القرارات تتماشى مع أهداف "الثورة" في "روجآفا" ومعصومة عن الخطأ، ولا يأتيها الباطل من بين يديه ولا من خلفه!، فالإدارة ذاتها اعترفت بعدم صوابية الكثير من قراراتها وتراجعت عنها، ونذكر على سبيل الذكر لا الحصر القرار المتعلق بإدارة أملاك الغائب وذاك المتعلق برفع أسعار المحروقات، وغيرهما من القرارات اللامسؤولة والتي لا مجال لذكرها في هذا الحيز الضيق، ثم ادعت الفتاة بأن قسما من عناصر هذه الحركة هم مقتنعون بأفكار وأيديولوجية حزب العمال الكردستاني والإدارة الذاتية، ومن الطبيعي أن تُرفع أعلام الإدارة وصور السيد أوجلان خلال أنشطة الحركة، وكونها ذكرت أن قسما من شباب الحركة يؤمن بأفكار الحزب وأهدافه فهذا يعني بمنطق التحليل العقلاني بأن ثمة قسماً آخر من ضمن الحركة يؤمن بأهداف الأحزاب الكردية الأخرى وأيديولوجياتها، كأحزاب المجلس الوطني الكردي مثلاً- هذا إذا صدقنا أقوالها بأنه لا علاقة للحركة بإحراق مكاتب المجلس- فلماذا لم نشاهد أيا من شباب الحركة يرفع العلم الكردي صاحب الشمس، أم أن مصير هذا العلم في مناطق الإدارة الذاتية ليس إلا الحرق والدوس بالأقدام؟.
وعلى فرض أن "حركة الشبيبة الثورية" مستقلة ولا تتلقى تعليماتها من أحد، بل بحسب أقوال السيدة ميديا يجتمع مجلس قيادة الحركة ويتخذ القرارات التي تناسب مقتضيات "ثورة روجآفا"، فمن المفترض أن لا يكون عناصر و"قياديو" هذه الحركة خارج إطار المساءلة والمحاسبة، لكن واقع الحال يشير إلى عكس ذلك، فعلى الرغم من اعتراف السيدة بأن الشبان الذين هاجموا مكتب قناة روداو استخدموا الحجارة أثناء الهجوم، ومع ذلك لم يتم تقديم أي من هؤلاء للمحاسبة، وإذا كانت الحركة مستقلة فعلاً كيف تجرأ عناصرها على استخدام العصي والمولوتوف أثناء الهجوم على موظفي معبر سيمالكا الموجودين في جهة إقليم كردستان العراق، وأمام أنظار عناصر وموظفي الإدارة الذاتية ولم يتعرض أي منهم للمساءلة كما العادة؟
هذه الأكذوبة بأنه وإن انطلت حيلتهم على البعض من أنصارهم السذَّج أو المرغمين على التصديق، فمن المستحيل أن تنطلي على بقية الناس
قصارى القول، من لقَّن تلك الفتاة المسكينة الأجوبة الخشبية، لا يهمه كثيراً إن كانت تلك الإملاءات التي رددتها المذكورة كالببغاء على الشاشة ستقنع الناس أم لا، فهذا ليس مهماً كثيرا وفق أيديولوجيات الحزب المذكور، المهم هو أن يتخلص الحزب من وجع الرأس النابع من تكرار الأسئلة "المملة" عن هذه الحركة وعن مرجعيتها، وأن تصبح هذه الحركة واستقلاليتها المزعومة شماعة تعلق عليها الإدارة كل الموبقات والانتهاكات التي ارتكبتها وسترتكبها في المنطقة، ولتنفي مسؤوليتها عن تلك الجرائم، لكن غاب عن أذهان هؤلاء "الحكماء" الذين ابتدعوا هذه الأكذوبة بأنه وإن انطلت حيلتهم على البعض من أنصارهم السذَّج أو المرغمين على التصديق، فمن المستحيل أن تنطلي على بقية الناس وعلى وجه الخصوص ضحايا الأعمال الإجرامية لهذه الحركة، ومنهم الأمهات اللواتي تتفطر قلوبهن على أطفالهن القصر المخطوفين بأيادي عناصر هذه الحركة بهدف تجنيدهم كمشاريع أجساد غضة تنتظر الموت.