البث المباشر
تأخذ حرب النظام السوري على المدنيين شمال غربي البلاد أبعاداً جديدة، مع تكثيفه لاستخدام الطائرات المسيرة المذخرة والانتحارية في استهداف السيارات والدراجات النارية في البلدات القريبة من خطوط التماس، وسط تخوفات من توسع نطاق القصف ليشمل نقاطاً في عمق مناطق سيطرة المعارضة.
بالمقابل، طوّرت فصائل المعارضة أدواتها وبات بمقدورها إيقاع إصابات في صفوف قوات النظام عبر استهداف مواقعه أيضاً بالطائرات المسيرة، الأمر الذي تسبب بـ"حالة رعب" بين عناصر النظام خلال الأشهر الماضية، لا سيما المنتشرين ضمن المواقع العسكرية في محيط مدينة حلب.
حرب مسيرات في سماء إدلب
قال الدفاع المدني السوري، إنّ قوات النظام السوري تتّبع نهجاً جديداً باستهداف المدنيين في شمالي غربي سوريا، يتمثل باستخدام الطائرات المذخرة بقصف المزارعين بالدرجة الأولى، مضيفاً أن الطائرات المسيرة المذخرة، تُستخدم كوسيلة للهجوم أو الاستهداف، إذ تحمل متفجرات عادة، ويتم توجيهها نحو الأهداف المحددة بواسطة نظام تحكم عن بُعد يسمح للمشغّل بتوجيهها والتحكم في حركتها وقصف الأهداف.
ويوم الجمعة، قُتل شخصان وأصيب آخرون بجروح، إثر استهدافهم من قبل قوات النظام السوري بوساطة "طائرة مسيرة انتحارية"، في محيط قرية معارة النعسان بريف إدلب الشمالي الشرقي، وذلك بعد أن قُتل شخص بطريقة مشابهة في محيط بلدة تديل غربي حلب.
في الوقت ذاته، تتهم روسيا والنظام السوري، فصائل المعارضة السورية باستهداف مواقع للنظام عبر الطائرات المسيرة، إذ يزعم الطرفان بشكل شبه يومي إسقاط مسيرات للفصائل في أثناء محاولتها تنفيذ عمليات قصف، كما يدعيان أن قصف الطائرات الروسية على محافظة إدلب يستهدف في بعض الأحيان مصانع لإنتاج المسيرات.
وكانت وزارة الدفاع في حكومة النظام السوري قد أعلنت مؤخراً عن إسقاط 15 طائرة مسيرة في ريفي إدلب وحلب خلال 24 ساعة، من دون الإشارة إلى مواقع إطلاق الطائرات المستهدفة، مكتفية بالادعاء أن الطائرات تابعة لمن وصفتها بـ"التنظيمات الإرهابية".
وفي منتصف العام الجاري، قال التلفزيون الرسمي التابع للنظام السوري، إن شخصاً قتل "عقب قصف نفذته طائرة مسيرّة"، على محيط مدينة القرداحة بريف اللاذقية، بالتزامن مع تنفيذ هجوم بطائرة مسيرة على بلدة سلحب بريف حماة، مما أسفر عن مقتل امرأة وطفل.
كذلك تعرضت مواقع متفرقة في مدينة حلب لهجمات بطائرات مسيرة، خلال شهري تشرين الأول وتشرين الثاني، منها مطار النيرب العسكري، ونادي الضباط في حي الفرقان بحلب الجديدة، والقنصيلة الإيرانية في حلب، من دون أن تعلن أي جهة مسؤوليتها عن العمليات.
"حرب استنزاف".. هل تشمل الطائرات المسيرة؟
أطلقت حسابات رسمية تابعة لـ"هيئة تحرير الشام" مسمى "حرب الاستنزاف" على عمليات القصف التي تشنها غرفة عمليات "الفتح المبين" على مواقع النظام السوري، والتي بلغ عددها 400 استهداف خلال شهر تشرين الأول الماضي.
كان اللافت في إحصائيات القصف خلال الشهر نفسه، الإعلان عن تدمير وعطب 4 طائرات حربية ومروحية للنظام، وورد أن الأسلحة المستخدمة في القصف، هي المدفعية الثقيلة، وراجمات الصواريخ، دون الإشارة إلى أي استخدام للطائرات المسيرة.
وفي 12 تشرين الأول، عقدت قيادة "الفتح المبين" ملتقى صحفيا دعت إليه عددا من الناشطين والإعلاميين للحديث عن التطورات العسكرية، وحينذاك، أكد أحد الحضور لـ موقع تلفزيون سوريا أن القادة العسكريين أشاروا إلى استخدام الطائرات المسيرة في قصف مواقع للنظام من دون إعلان رسمي.
وعرض العسكريون فيديوهات لعمليات تصنيع أسلحة، مثل العربات المدرعة والقذائف والراجمات، وفيما يخص الطائرات المسيرة، فقد أكدوا استخدامها في قصف مواقع للنظام في حلب، ونفوا أي علاقة للفصائل باستهداف الكلية الحربية في حمص.
وبحسب حديث العسكريين، بات بحوزة الفصائل طائرات مسيرة، بعضها تصلح للعمل في أثناء الليل، سواء قاذفة أو ملغمة، وبعضها جرى تصنيعها محلياً، وأخرى مستوردة من الخارج.
وحاول موقع تلفزيون سوريا الحصول على تعليق من غرفة عمليات "الفتح المبين" بهذا الخصوص، وبما يتعلق باتهامات النظام للفصائل باستهداف مواقعه عبر الطائرات المسيرة، إلا أن الغرفة لم تجب حتى الآن.
من جهته، قال الباحث المتخصص بالشؤون العسكرية، رشيد حوراني، إنّ إعلان النظام عن إسقاطه لطيران مسير يتبع للفصائل "يندرج تحت إطار الدعاية المبالغ فيها لتبرير قصفه على المدنيين في المنطقة، وتخاذله في الرد على الطيران الإسرائيلي، وتعبئة حاضنته على أن مكمن الخطر هو هذه المنطقة وساكنيها (الشمال السوري)".
ويعتقد حوراني، أن "الفصائل لديها برنامج يمكن القول إنه لا يزال محدوداً لإنتاج الطيران المسير، وتم استخدام هذه الطائرات في عدة محطات من قبل الفصائل في شمال غربي سوريا، من دون أن تعلن الفصائل أو تتبنى ذلك، وهي بذلك تفعل عين الصواب، لأن إبقاء أي سلاح في حال السرية يشكل صعوبة لدى العدو في إنتاج السلاح المناسب لمواجهته".
ما سر تكثيف استخدام المسيرات؟
قال الخبير العسكري والاستراتيجي، العقيد عبد الجباري العكيدي، إنّ النظام السوري يستخدم الطائرات المسيرة منذ عام 2012 بغرض الاستطلاع والتجسس، لكنه بات يستخدمها الآن بغرض القصف.
وعن سر لجوء النظام للطائرات المسيرة لتنفيذ عمليات قصف في شمال غربي سوريا، أضاف العكيدي في حديث مع موقع تلفزيون سوريا: "يجب أن نعرف أن النظام ممنوع من استخدام الطائرات الحربية منذ نحو عامين ونصف في المناطق التي تنتشر فيها قواعد عسكرية تركية، ولذلك بدأ النظام باستخدام المسيرات كسلاح بديل فعّال وغير مكلف".
وذكر العكيدي، أن النظام السوري وفصائل المعارضة يستخدمان الطائرات المسيرة مع فارق التطور التكنولوجي لدى كل جانب، حيث يملك النظام طائرات إيرانية الصنع، بينما تحاول فصائل المعارضة تطوير سلاح المسيرات".
ولفت إلى أن المسيرات سلاح فعال في الحرب الحديثة، وقادرة على تحقيق إصابات دقيقة، لكونها تُوجَه تحت أنظار العسكريين منذ انطلاقها حتى وصولها إلى الهدف، مع العلم أنه لا يوجد أي طريقة لاكتشافها سوى عبر الصوت، والرصد من قبل المراصد المختصة بالعين المجردة.
ما التأثير الميداني المتوقع لـ "حرب المسيرات"؟
وأفاد الباحث رشيد حوراني، في حديث مع موقع تلفزيون سوريا، بأن كثافة استخدام الطائرات المسيرة يعود إلى عدة أسباب، منها:
1- عدم امتلاك النظام السوري وقواته الكوادر البشرية القادرة على إنجاز المهام القتالية، وهذا النقص عكسته القوانين التحفيزية التي صدرت مؤخراً والتي تدعو لإبرام العقود مع الجيش.
2- لا تمتلك قوات النظام جاهزية قتالية تمكنها من تحقيق توازن مع فصائل المعارضة، بدليل تنفيذ الفصائل للعديد من العمليات ضد تلك القوات على محاور التماس في إدلب (الملاجة) وريف حلب الغربي وشمالي اللاذقية، وعدم قدرة تلك القوات على إنجاز محاولة تسلل تحقق فيها تقدم باتجاه مناطق سيطرة المعارضة.
3- عدم السماح بعمليات برية بسبب التفاهمات الروسية التركية.
وعن التأثير الميداني المتوقع لتكثيف استخدام المسيرات، قال حوراني: "من الناحية الميدانية، لن تستطيع المسيرات تحقيق تغيّر كبير أو تغيّر في خطوط التماس مداً أو جزراً لصالح أحد الأطراف، بسبب قِدم تلك الأنواع من الطيران المسير المستخدم في العمليات التي لا تزال في بداياتها، وإمكانية تنفيذ التمويه والإخفاء من قبل الفصائل لعتادها ودورياتها، لكن إن استُخدمت المسيرات بكثافة، فإنها تشكّل عامل ضغط على الفصائل كما هو الضغط الناجم عن القصف الجوي على أهداف مدنية في المنطقة".
سوريا "مختبر" للطائرات المسيرة
نهاية العام الماضي قالت منظمة "باكس" الهولندية لبناء السلام في تقرير لها إن "سوريا شكلت مختبراً سمح للدول والمجموعات المسلحة غير الحكومية باختبار أنواع جديدة من المسيرات، ودرست كيف يمكن لاستخدامها أن يحسن التكتيكات والاستراتيجيات العسكرية".
وأضافت "خلال العقد الأخير أظهرت الطائرات المسيرة المطورة في الأجواء السورية كيف مرت الجهات العسكرية المتعددة بمرحلة تعلم، وكيف عززت معرفتها من ناحية التصميم والإنتاج".
وتابعت "نشرت ست دول 39 نموذجا من الطائرات العسكرية بدون طيار خلال الحرب الدموية في سوريا.. التي أثبتت أنها المختبر النهائي للطائرات المسيرة بالنسبة لروسيا".
