icon
التغطية الحية

حرب عصابات بين سوريين وشيشان في النمسا.. صراع على النفوذ أم مسألة شرف؟

2024.07.12 | 13:21 دمشق

إجراءات أمنية مشددة أمام قاعة المحكمة في فيينا (Heute)
إجراءات أمنية مشددة أمام قاعة المحكمة في فيينا (Heute)
فيينا ـ خاص
+A
حجم الخط
-A

تشهد العاصمة النمساوية فيينا منذ مطلع العام الحالي صراعاً عنيفاً تحول خلال الأسابيع الأخيرة إلى حرب عصابات بين جماعات شيشانية ولاجئين سوريين، تصاعدت حدتها في الأيام الماضية عندما حدثت عدة اشتباكات مسلحة في بعض شوارع المدينة، ما جعل هذه القضية محور اهتمام وسائل الإعلام والمجتمع المحلي على حد سواء، وسط تدابير وإجراءات صارمة فرضتها السلطات الأمنية للسيطرة على الوضع.

ووفقاً لصحيفة "Österreich" النمساوية فإن "الصراع يدور بين عصابة تسمي نفسها (505/515) وهي مجموعة من الشبان القادمين من سوريا الذين على ما يبدو متحالفين مع الأفغان من جهة، والشيشانيين (والأتراك) من جهة أخرى". حيث وُثقت منذ بداية العام الجاري عدة اشتباكات مسلحة بين العصابتين أسفرت عن إصابات خطيرة في عدة مناطق.

ويوم أمس الخميس، كان من المفترض أن يمثل سوري يبلغ من العمر 20 عاماً أمام المحكمة في قاعة صغيرة، بتهمة الشروع في القتل، للاشتباه به في طعن جندي في الجيش النمساوي (وهو مسلم من أصول بوسنية)، وذلك أمام محل لبيع الآيس كريم في ساحة رويمان بالحي العاشر في العاصمة فيينا.

محاكمة سوري وارتباطها بحرب العصابات

ولكن يبدو أن المحاكمة اتخذت بعداً آخر مرتبطاً بحرب العصابات الدائرة، ومن المحتمل أن تكون خلفية الهجوم بالسكين هي حرب العصابات التي تدور رحاها في فيينا، حيث أعلنت السلطات قبل يوم عن نقل المحاكمة إلى قاعة المحكمة الكبيرة لهيئة المحلفين في ظل احتياطات أمنية مشددة بسبب ما أشيع على وسائل التواصل الاجتماعي بأن المتهم ينتمي إلى عصابة "505".

ورغم أن الجندي الذي طعنه الشاب السوري أمام متجر لبيع (الآيس كريم)، ليس له أصول قوقازية، فإن جماعات شيشانية دعت يوم الأربعاء لحضور المحاكمة التي جرت يوم الخميس. ويتهم الشيشانيون على وسائل التواصل الاجتماعي، المشتبه به السوري بالانتماء إلى جماعة "505/515" بالإضافة إلى ارتكابه أعمال عنف ضد أشخاص شيشانيين.

إجراءات أمنية مشددة أمام قاعة المحكمة في فيينا (Heute)

ومثل المشتبه به السوري (وائل. أ) أمام المحكمة يوم الخميس بتهمة الشروع في القتل. ووفقاً للائحة الاتهام، "فقد أقدم المتهم على طعن مجند بالجيش وأصابه بجروح خطيرة كادت أن تقتله في 17 آذار الفائت، وذلك بعدما تدخل الضحية البالغ من العمر 21 عاماً للدفاع عن شابة كان المتهم ورفاقه قد وجهوا إليها شتائم وتهديدات بالقتل والطعن".

لكن اللافت للنظر في المحاكمة، كان عندما سأل القاضي المتهم عن سبب وجود سكين في جيبه عندما وقع الحادث الدموي، فأجاب السوري الذي لم يصل إلى النمسا إلا في عام 2022، من خلال مترجمه أن "الجميع في ساحة رويمان يحملون سكيناً".

ووفقاً للصحيفة "يبدو أن المتهم السوري افترض أن الضحية شيشاني، فالشاب البالغ من العمر 21 عاماً طويل القامة وقوي البنية وشعره مائل إلى الحمرة ولحيته كاملة، إلا أنه شاب مسلم ولد في فيينا وهو من أصول بوسنية".

وأنكر المتهم السوري انتماءه إلى ما تسمى عصابة "505/515"، كما نفى الهجوم بالسكين. ووفقاً لتصريحاته أمام المحكمة فإنه "لم يقم إلا برش الضحية - الذي اعتقد أنه شيشاني - برذاذ الفلفل، وأن أحد أصدقائه هو من طعنه". وستحاول المحكمة الآن تحديد مكان الشخص الذي ذكره المتهم، ولهذه الغاية، تأجلت المحاكمة إلى 2 تشرين الأول المقبل.

من هم "505/515"؟

ويدور مشهد الصراع بين الجماعات المتقاتلة في فيينا، حول الرقم "505"، الذي يرسمه بعضهم على الجدران ويمدحونه، ويشطب عليه بعضهم الآخر (مرة أخرى) ويشتمونه. وخلال السنوات الأخيرة باتت تظهر على حسابات العديد من اللاجئين السوريين على مواقع التواصل الاجتماعي صور ومقاطع مصورة يظهر فيها الرقم "505" وأحياناً أخرى الرقم "515".

ووفق ما رصد موقع تلفزيون سوريا فإن الأشخاص الذين ينشرون هذه الأرقام يعبرون من خلالها عن افتخارهم  بالانتماء إلى عشائر تنتشر في مناطق شمالي وشرقي سوريا، وعلى ما يبدو أن هذه الأرقام ترمز إلى عشائر متعددة. في حين ليس هناك مصدر تاريخي يتحدث عن هذه الرموز ونسبتها للعشائر.

إجراءات أمنية مشددة أمام قاعة المحكمة في فيينا (Heute)

وتقول صحيفة "Heute" النمساوية إن "مجموعات على منصة (تليغرام) تكشف عن العالم الموازي الغامض لعصابات الشباب في فيينا، حيث يتفاخر السوريون والشيشانيون فيها بأعمال العنف". مشيرةً إلى أن "العصابتين المتنافستين هم الشيشانيون والأتراك الذين يبدو أن لديهم مشكلات مع السوريين والأفغان".

وكشفت الصحيفة أنها تتبعت مجموعة على منصة تلغرام تسمي نفسها (Anti 505/515 Group)  يبدو أن شيشانيين قاموا بإنشائها، وتضم نحو 3800 عضو، ويظهر فيها الرمز الرقمي (505) بشكل متكرر في رسائل الدردشة، وتُنشر مقاطع فيديو تُظهر اعتداءات على أشخاص يُقال إنهم من جماعة (505)، ويوصف العرب فيها بأنهم أعداء، وتتبع المنشورات مئات التعليقات تحمل إهانات وتهديدات".

وفي المقابل، تشير الصحيفة إلى أن "السوريين أنشؤوا قناة خاصة بهم على تليغرام ضد أعدائهم ولكن عدد متابعيها أقل بكثير". مضيفةً أن "مستخدمين من جماعة (505) ينشرون عبر منصة تيك توك مقاطع فيديو ويكتبون أنهم (شهداء يقاتلون من أجل حرية سوريا)".

خلفية التصعيد

في نهاية شهر أيار الماضي، حُكم على شاب شيشاني يبلغ من العمر 20 عاماً بالسجن لمدة 20 شهراً، وذلك على خلفية ضربه لشابين سوريين حتى فقدا الوعي في نهاية شهر كانون الثاني الفائت، وكان من بين الحاضرين في جلسة المحاكمة شيشاني يبلغ من العمر 30 عاماً.

وفي ليلة 3 حزيران الماضي، تعرض الشيشاني البالغ من العمر 30 عاماً للطعن والإصابة بجروح خطيرة عندما جاء إلى حديقة في الحي العاشر بفيينا لإجراء مناقشة مع أحد الخصوم (يُفترض أنه سوري أو أفغاني). وفقاً لصحيفة "Österreich". 

وفي نهاية الأسبوع الماضي تصاعد الصراع بين الطرفين، حيث وقعت اشتباكات عنيفة في مناطق بريغيتيناو وميدلينغ من يوم الجمعة إلى يوم الأحد بعد حلول الظلام، استخدم فيها المتصارعون الألواح الخشبية ورذاذ الفلفل والسكاكين وحتى الأسلحة النارية.

إجراءات أمنية مشددة أمام قاعة المحكمة في فيينا (Heute)

وأسفرت الاشتباكات الأخيرة عن إصابة سبعة أشخاص، بعضهم أصيب بجروح خطيرة، وأوقفت الشرطة شاباً شيشانياً يقال إنه أحضر بسيارته عدة أشخاص إلى إحدى الحدائق التي وقع فيها الاشتباك مع السوريين. وبحسب الشرطة فإن مرتكبي أعمال العنف تتراوح أعمارهم بين 15 و25 عاماً.

صراع على النفوذ أم مسألة شرف؟

شاب شيشاني قال لوكالة الأنباء النمساوية (أ ب أ) يوم الإثنين إن "فتياناً وشباناً من سوريا والمنطقة العربية شكلوا عصابة في فيينا تطلق على نفسها اسم (505/515)، ويقال إنها تهاجم المهاجرين في الحدائق والأماكن العامة، ويعتدون على الأشخاص الذين يعرّفون عن أنفسهم بأنهم شيشانيون أو أتراك". مضيفاً أن "شعبنا يريد الانتقام لهذا الأمر".

وكانت صحيفة "Österreich" افترضت أن "يكون الصراع لا يتعلق فقط بالنفوذ في الأماكن العامة، بل يتعلق في المقام الأول بالصفقات غير المشروعة (المخدرات)، حيث يشارك فيها الأفغان أيضاً، والذين تعرضوا آخر مرة يوم الأحد الماضي لهجوم في محطة مترو الأنفاق U6 في الحي الثاني عشر وأصيبوا بجروح خطيرة بالسكاكين والألواح الخشبية".

وهناك أيضاً شائعة نُشرت على منصة تلغرام تفيد بأن "شاباً سورياً اعتدى على امرأة شيشانية وطفلها، كما تُنشر صور ومقاطع فيديو لشبان يُزعم أنهم تحرشوا بالنساء الشيشانيات في الحدائق ووسائل النقل العام وعلى الإنترنت".

وبعد ثلاث ليال من الاشتباكات العنيفة، أعلنت السلطات عن عملية أمنية كبيرة في العاصمة فيينا، لاستعادة السلام والنظام، وأكد كبير المحققين ديتمار بيرغر من مكتب التحقيقات الجنائية في الولاية أمام عدسات وسائل الإعلام خلال عملية للشرطة في محطة مترو الأنفاق U6 بمنطقة بريغيتيناو، "لن نسمح بوجود أماكن يخشى الناس الذهاب إليها".

وحول ما إذا كانت هذه الجماعات تتقاتل من أجل "النفوذ والسيطرة" في الأماكن العامة، تحدث بيرغر عن روابط منظمة بين الأفراد، ولا علاقة لها بالجريمة المنظمة. مبيناً أن أعضاءها ومعظمهم من الشباب، ينتمون غالباً إلى عشائر، ولا يوجد ما يسمى بـ "الكابو" أو زعيم عصابة.

وقال بيرغر إن "أعمال العنف التي حصلت في المنطقة تتعلق بالمجموعات العرقية المتصارعة التي تتنازع فيما بينها، كما يتعلق الأمر بمسألة الشرف". مستبعداً أن "تكون حرب العصابات داخل مشهد المخدرات هي السبب في الاشتباكات وفقاً للوضع الحالي".

عملية كبيرة للشرطة والتحقيقات مستمرة

وفي سياق العملية التي جرت يوم الأربعاء، نشرت السلطات فرقة عمل "كوبرا" ووحدة كلاب بوليسية ومحققين مدنيين، ووحدة كبيرة من قوات الشرطة النظامية، وجرى ضبط أسلحة وتحرير مخالفات وفحص وتفتيش للأشخاص. وفيما يتعلق بالتحقيقات، تتوقع الشرطة إجراء مزيد من عمليات التفتيش والاعتقالات.

وأوضح بيرغر أنه "وقع حادثان في يومين متتاليين من المحتمل أن يكون أحدهما مرتبطاً بالآخر، حيث أُطلقت أعيرة نارية في بريغيتيناو ووقع هجوم بالسكاكين في محطة ميدلينغ للسكك الحديدية أسفر عن إصابة أربعة أشخاص، بما في ذلك كسر في الجمجمة، وعُثر على فوارغ طلقات عيار 9 ملم، وبالإضافة إلى سكاكين ورذاذ الفلفل ومسدسات صوتية، استخدمت أسلحة حادة أيضاً، وهذا لا يجعل الوضع أقل خطورة".

وأكد بيرغر أن "الشرطة مستمرة في التحقيقات، وتقوم حالياً بتحليل مقاطع الفيديو وتفتيش الهواتف المحمولة، واستجواب الشهود". مشيراً إلى أنه "بعد إطلاق النار في بريغيتيناو، فإن الشرطة مستعدة لجميع الاحتمالات، ومع ذلك، حتى الآن هناك صعوبة بالتحقيقات، حيث يلتزم المشتبه بهم والضحايا المصابون الصمت".

أحزاب سياسية تدعو إلى ترحيل المتورطين

من جهته، وزير الداخلية الاتحادي في النمسا غيرهارد كارنر من حزب "الشعب النمساوي" الحاكم، كان قد أوعز قبل أيام إلى المكتب الاتحادي للهجرة واللجوء بالشروع في إجراءات إلغاء وضع الحماية للأشخاص المتورطين في الاشتباكات ممن يتمتعون بوضع الحماية". وفق ما أورت صحيفة "كرونه".

وأعلن كارنر عن "تعزيز وجود الشرطة بشكل كبير خاصة في محطات السكك الحديدية ومحطات مترو الأنفاق والحدائق العامة". وأوضح في بيان له أن "وزارته ستعمل على ضمان نشر الشرطة من المقاطعات الأخرى أيضاً لتعزيز القوات في فيينا".

بدوره، دعا حزب "الحرية النمساوي" اليميني المتطرف، في فيينا يوم الإثنين إلى عقد اجتماع فوري للأزمة مع جميع أحزاب مجلس المدينة ووزير الداخلية. وفق ما أعلن العضوان في الحزب دومينيك نيب وبيترا شتيغر في بيان صحفي مشترك.

وجاء في البيان: "لا يمر يوم في فيينا من دون حروب عصابات بين السوريين والأفغان والشيشان، من الواضح أن هذه عصابات إجرامية غير شرعية من طالبي اللجوء، ومن أجل جعل المدينة آمنة مرة أخرى، يجب إخراج المتورطين من البلاد بأقرب وقت ممكن".