جيش النظام السوري.. شعارات خشبية وإجرام مفضوح

2024.08.17 | 06:26 دمشق

255555555554
+A
حجم الخط
-A

لا مجال للشك أو الإنكار أن نظام الأسد، وطيلة 55 عامًا، قد امتهن وبرع بوقاحة في استعراض واستخدام الشعارات الخشبية الرنانة والرخيصة في عدائه الكاذب والمضلل لإسرائيل علَّ هذه الشعارات، وحسب عقليته المريضة، تكون ورقة التين التي تستر عورته وعورة جيشه، جيش الصمود والتصدي، جيش المقاومة والممانعة. ولكن الوقائع والمعطيات والجرائم الدموية السابقة التي ارتُكبت في العديد من المدن السورية (حماة، حلب، دير الزور، جسر الشغور وغيرها) في ثمانينيات القرن الماضي، ولا تزال ترتكب حتى الآن في سنوات الثورة السورية، أثبتت أن جيش الأسد ما هو إلا عصابات للتشليح والتعفيش والتفييش تتبع في غالبها هذا الطرف أو ذاك من أصحاب النفوذ (إيران وروسيا).

وما أُعِدَّ هذا الجيش وجُهِزَ وسُلِّحَ ودُرِّبَ إلا لقمع الشعب وقتله وتشريد مئات الآلاف، وتدمير الممتلكات وتهجير الملايين بلا رحمة داخل وخارج حدود الوطن المدمَّر. والحقيقة الواضحة الجلية تقول إن هذا الجيش، وللأسف، قد شهد منذ بدايات تأسيسه تحولات بنيوية عميقة وخطيرة قلبته من جيش وطني إلى جيش بعثي عقائدي. ثم، وفي ظل حكم الأسدين، تم العمل على إفراغ الجيش كمؤسسة عسكرية من واجباتها الأساسية ومن محتواها الوطني، وعليه فقد حُوِّلَ الجيش السوري من خلال إجراءات تنظيمية وتمييزية مشبوهة عديدة وكثيرة إلى جيش عائلي طائفي.

لا يختلف اثنان على أنه منذ بدايات حكم جوقة آل الأسد وعصاباته غابت عن أولويات هذا الجيش وبرامجه وعقيدته القتالية حماية الشعب والبلاد من التدخلات والتهديدات الخارجية، بل أُعيدت برمجة المؤسسة العسكرية بكل عدتها وعتادها واستخباراتها من أجل هدف واحد وهو حماية كرسي القائد الواحد الأوحد والسعي المتواصل لتمتين وترسيخ القواعد لنظام قمعي استبدادي طائفي حاقد مارس ولا يزال كل أنواع الإجرام والإرهاب ضد الشعب السوري العظيم.

عمليًا برز دور الجيش السوري باعتباره حاميًا للنظام وحجر الزاوية في بقائه وتماسكه منذ انطلاق الثورة السورية في 15 آذار 2011.

جيش الأسد.. تاريخ أسود وإنجازات إجرامية

من حق أي دولة في العالم أن يحتفل شعبها ومواطنوها في كل عام بأعيادهم الوطنية، وبالتأكيد يأتي من ضمن هذه الأعياد يوم ذكرى غالية وعزيزة على قلوب الكثيرين وهي ذكرى تأسيس الجيش الوطني، الجيش الذي اختار دون أي تردد أو وجل وتذمر أن يكون العين الساهرة والحصن المنيع الذي عليه أن يقف صامدًا متأهبًا وبجاهزية قتالية عالية ودائمة في وجه المؤامرات والتحديات والأخطار الإقليمية أو الدولية الحادة والتي من شأنها المساس بأمن وسلامة مواطني الدولة أو التفكير في سرقة مواردها، أو تشكل تهديدًا لأي شبر من حدود ومساحة البلاد الجغرافية. ولكن للأسف، ودونًا عن الكثير من جيوش العالم التي تعرف وتعي جيدًا كيف تحترم نفسها ومواطنيها وتذود عنهم وتحميهم، فإن الجيش السوري (جيش الأسد) منذ عام 1970، وبدون التفكير أو الالتفات لأي حسابات أخرى وخاصة في حقبة الثمانينيات من القرن الماضي، أصبح وسيلة وأداة إجرامية لخدمة الطاغية حافظ الأسد وأخيه وابنه الوارث بشار الأسد. حيث كرّس هذا الأخير بدوره المؤسسة العسكرية بكل مفاصلها لحمايته والحفاظ على كرسيه وتأمين مصالح عصاباته ومافيات طائفته. وعليه فقد استطاع هذا المجرم، مع من سبقه، وبشكل ممنهج تحويل الجيش إلى عصابات وميليشيات إجرام طائفية قامت وبلا أي مبالاة أو أي رادع أخلاقي ووطني بتدمير البلاد، وتشريد وتهجير الملايين، والاشتراك السافر مع قوات الأمن المجرمة وبوجود عشرات الميليشيات الطائفية الدخيلة في قتل وتغييب مئات الآلاف من أبرياء الشعب السوري.

عمليًا برز دور الجيش السوري باعتباره حاميًا للنظام وحجر الزاوية في بقائه وتماسكه منذ انطلاق الثورة السورية في 15 آذار 2011. وعليه فلم يكن غريبًا على رأس النظام وقيادات جيشه وأمنه وأكابر طغمته الحاكمة الفاسدة اتباع الحلول الأمنية والإجرامية وزج الجيش بكل ما يملك من أدوات قتل وتدمير في المدن والقرى والأحياء لقمع الانتفاضة الشعبية المطالبة بإسقاطه والتحرر والخلاص من نير وقيود حكمه. وعليه كان الشيء اللافت والمقزز أن جيش النظام بكافة صنوفه البرية والبحرية والجوية قد تسلح بشعارات الإجرام التي تغنى بها مرارًا وتكرارًا (الأسد أو لا أحد) و(الأسد أو نحرق البلد) وعمل فعليًا، كما دلت الوقائع والتدمير الممنهج والأحداث الدامية، على تحقيق هذا الشعار الإجرامي.

إن سردية الشعارات الفارغة كانت ولا تزال وستبقى عمادًا ونهج عمل ومنطلقات للأنظمة الشمولية والقمعية الإجرامية.

من هنا، ومنذ أن مَنَّ الله عليّ بالانشقاق عن هذا الجيش المجرم، فإني أسأل نفسي دائمًا وأقول "بتهكم وازدراء" هل يجوز أو يحق فعلاً لجيش طائفي دموي ارتكب أبشع أنواع الإجرام والترهيب بحق الشعب وخان العهد والقسم أن يحتفل قائده العام وطغمته الفاسدة وأركانه المجرمة بكل صفاقة بذكرى هذا العيد أو تغنيهم بالأوطان وبالسيادة الوطنية، في حين أن العديد من الجيوش الأجنبية لا تزال موجودة ومنتشرة على الساحة السورية، بل وأن الطائرات الإسرائيلية منذ أكثر من عقد، وبشكل أشبه باليومي، بدون أي رادع أو مانع تخترق الأجواء السورية وتغير على أهدافها، اعتبارًا من شمال البلاد وصولًا إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها.

في الواقع، استطاع حافظ الأسد خلال سنوات حكمه السيطرة المطلقة على الجيش عبر "علونته"، أي بمعنى سيطرة الطائفة العلوية على مفاصله الأمنية، وذلك من خلال تعيين وتثبيت ضباط الطائفة في كل مواقع الجيش القيادية الحساسة. واستطاع بكل منهجية وخبث، ووفق دلالات ومعطيات عديدة، ربط مصير الطائفة العلوية بمصير حكمه. وهذا الأمر والطريق الذي سار عليه الوارث بشار الأسد أيضًا منذ توليه الحكم وحتى يومنا هذا فقد أثبتت أحداث الثورة السورية ولا تزال تثبت أن جزءًا كبيرًا من الطائفة العلوية يربطون منذ عقود وجودهم ومصيرهم بوجود ومصير وديمومة حكم آل الأسد.

عمليًا فإن رأس النظام المجرم بشار الأسد سار على خُطى أبيه وسيده حافظ منذ أن ورث الحكم واستأثر به ظلمًا وعدوانًا بطريقة غير قانونية، وذلك بمساعدة ودعم منتفعي وأركانات الحرس القديم من قادة الجيش والأمن والمؤسسات السيادية الهامة، والتي كانت جميعها مجيرة ومنتقاة بدقة لخدمة هذه العائلة، مقدمة الولاء التام لها ومثبتةً استعدادها الدائم لاستخدام كل الوسائل الإجرامية المتاحة لضمان ديمومة استمرار آل الأسد في الحكم المخابراتي القمعي لعقود وعقود قادمة. ولكن هنا، والحق يقال، إن المجرم بشار الأسد تفوق على نهج إرهاب أبيه من خلال المجازر التي نفذها جيشه، مستعينًا بعشرات الميليشيات الإيرانية والباكستانية والأفغانية واللبنانية والروسية التي استقدمها لقتل الشعب السوري وإخماد ثورته والتمسك بإصرار بكرسي الحكم الملطخ بالدماء. وبالتأكيد، فإن كل هذه الجرائم والمجازر التي تمت ضد الشعب السوري جاءت بدعم ومشاركة من غالبية أبناء الطائفة العلوية الذين، بطبيعة الحال، يسيطرون سيطرة مطلقة على مقاليد وزمام جيش الصمود والتصدي والفروع الأمنية بهدف إحكام القبضة الأمنية المخابراتية على رقاب الشعب السوري الرافض، مهما طال الزمن أو قصر، لديمومة واستمرارية حكمهم الطائفي القمعي البشع.

بالتأكيد، في كل زمان ومكان، فإن سردية الشعارات الفارغة كانت ولا تزال وستبقى عمادًا ونهج عمل ومنطلقات للأنظمة الشمولية والقمعية الإجرامية. لكن هذه الشعارات البالية في دولة البعث الأسدي قد أخذت بعدًا شخصيًا وعقائديًا في الوقت ذاته. فسوريا التاريخ والحضارة والعراقة للأسف اختُزلت لتصبح "سورية الأسد" بعد أن بات يتربع على عرش قيادتها وحمايتها قائد مجرم وجيش طائفي دموي إرهابي. كان من المفترض، وكما كل جيوش العالم، أن يكون حاميًا للشعب لا أن يكون مستبيحًا لمدنهم وممتلكاتهم وقاتلًا مأجورًا مخصصًا لقمعهم وقهرهم.