تسللات قسد الاستنزافية الدامية.. أين الجيش الوطني؟

2024.09.05 | 06:13 دمشق

62222222222222222
+A
حجم الخط
-A

من المعروف أن قوات سوريا الديمقراطية على ارتباط بحزب العمال الكردستاني، وبدعم وتمهيد جوي روسي كثيف ومركّز، قد سيطرت في منتصف شباط عام 2016 على جيب تل رفعت (منطقة الشهباء)، التي تتصل جغرافياً مع الريف الغربي لمدينة الباب.

جاءت السيطرة بعد خوض تلك الميليشيات معارك ومواجهات دامية وعنيفة مع فصائل "الجيش الحر"، التي أنهكتها مواجهاتها مع ثلاثة أطراف في ذلك الحين: تنظيم الدولة "داعش" شرقاً، قوات النظام جنوباً، ووحدات قسد غرباً.

طبعاً، كل هذا أتى في ظل نزوح غالبية سكان المنطقة نحو الحدود مع تركيا. ومن الجدير ذكره أن هذا الجيب يضم بلدة تل رفعت، التي تعتبر مركزاً للناحية، ويتبع لها العديد من القرى والمزارع مثل: مرعناز، فافين، احرص، زيتان المصنع، تل جبين، دوير الزيتون، تل عجار، حربل، كفر أنطون، تنب، طاطمراش، الشيخ عيسى، عين دقنة، البيلونية، كشتعار، كفر ناصح، قنقوز، جيجة، كفر نايا، الشيخ هلال، مسقان، ودير جمال.

أما من الناحية الميدانية، فقد باتت تنتشر في هذا الجيب، وبتسهيلات من قسد، عدة قوى عسكرية، من بينها قوات جيش الأسد المجرم، وما يسمى بوحدات حماية الشعب، إلى جانب العشرات من عناصر الشرطة العسكرية الروسية الذين يتخذون من بلدة كشتعار قاعدة عسكرية لهم، ناهيك عن قوات أخرى محسوبة على الميليشيات الطائفية المدعومة من الحرس الثوري الإيراني.

لا شك أن قسد المدعومة أميركياً لديها إمكانيات عسكرية لا يمكن تجاهلها أو الاستخفاف بها. وعليه، فإن مقاتليها، منذ فترة ليست بالقصيرة، يستغلون الثغرات الهشة في دفاعات فصائل الخطوط الأولى.

جيب استراتيجي خطير وهام

تشير الدلائل والمعلومات إلى أن جيب تل رفعت، الذي تسيطر عليه قوات قسد، والذي تبلغ مساحته قرابة 50 كم، أصبح كالقاعدة العسكرية المتقدمة لتلك القوات. يبعد الجيب عن مدينة حلب قرابة 35 كم، وعن الحدود التركية مسافة 15 كم، ويحده من الشمال ناحية اعزاز، ومن الشرق ناحية مارع، ومن الجنوب منطقة مركز جبل سمعان وناحيتي نبل والزهراء، ومن الغرب منطقة عفرين.

وعليه، بات هذا الجيب كالحد الفاصل بين المناطق التي يسيطر عليها النظام وتلك الخاضعة لسيطرة الفصائل والجيش الوطني في الشمال السوري (منطقة عفرين واعزاز ومنطقة درع الفرات) ومحيطها.

من الناحية العسكرية، لا شك أن هذا الجيب منذ سيطرة قسد عليه أصبح كالسكين المغروس في خاصرة الفصائل والجيش التركي، وهو البوابة الأوسع والأخطر التي تهدد المناطق المحررة ومخيمات النزوح، التي تؤوي مئات الآلاف من المدنيين الذين يتعرضون بين الحين والآخر للقصف المدفعي والصاروخي وعمليات التفخيخ والتفجيرات الإرهابية، التي تحصد في كل مرة أرواح العشرات منهم.

لا شك أن قسد المدعومة أميركياً لديها إمكانيات عسكرية لا يمكن تجاهلها أو الاستخفاف بها. وعليه، فإن مقاتليها، منذ فترة ليست بالقصيرة، يستغلون الثغرات الهشة في دفاعات فصائل الخطوط الأولى قرب خطوط التماس على الحد الأمامي، وعلى طول نقاط الفصل بينها وبين الجيش الوطني والنقاط التركية. وقد بتنا نسمع مراراً عن استغلال مقاتلي قسد للظروف الجوية أو الظلام لتنفيذ تسللات قتالية ليلية نحو مواقع الفصائل والجيش الوطني، على مقربة من خطوط التماس. يقومون بقتل العديد من مقاتلي الفصائل أو أسرهم واغتنام سلاحهم، والانسحاب مع بعض الخسائر أو دونها.

هذه التسللات، بحسب الخبرات العسكرية والتحليل، تدل بوضوح على وجود اختراقات أمنية متكررة في صفوف الجيش الوطني. من الممكن أن يكون هناك أشخاص من السكان المحليين في المناطق المحررة القريبة من خطوط التماس، يتعاملون سراً مع هذه الميليشيات، ويزودونها بالمعلومات الاستخباراتية المهمة حول الأماكن والنقاط الأضعف أمنياً لدى الجيش الوطني، وكذلك أفضل الطرق والممرات الأقل رصداً، التي يمكن أن تتم التسللات من خلالها. بالتأكيد، هؤلاء الأشخاص يعرفون تفاصيل يجب أن تكون سرية، مثل أعداد المقاتلين في نقاط الرباط، ونوعية سلاحهم وعتادهم، ومواعيد نوباتهم وساعات تبديل الرباط. وربما المعلومات تتسرب من مقاتلين خونة من الفصائل باعوا أنفسهم لأسباب غالباً ما تكون مادية، وأصبحوا يسهلون لمقاتلي الميليشيات الوصول إلى أهدافهم وتنفيذ عملياتهم الدامية والانسحاب السريع.

هذه التسللات، بحسب الخبرات العسكرية والتحليل، تدل بوضوح على وجود اختراقات أمنية متكررة في صفوف الجيش الوطني.

ضعف واستهتار بالواجب

تشهد المواقع الأمامية ونقاط الفصل بين الجيش الوطني السوري و"قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) في ريف حلب الشمالي والشرقي سلسلة طويلة من عمليات التسلل المتكررة لقسد، والتي غالباً ما تسفر عن وقوع العديد من القتلى والجرحى في صفوف فصائل الجيش الوطني.

هذا يدل على وجود تسيب وتساهل وضعف في الإجراءات الدفاعية المتخذة من قبل الجيش وفصائله، خاصة في المناطق الأمامية.

بالتأكيد، يترافق ذلك مع الضعف والإهمال الواضح في أداء بعض المقاتلين لواجباتهم القتالية، وانشغالهم بسفاسف الأمور (النوم أو اللعب بالهاتف المحمول) أو ترك أماكن حراستهم عمداً للعبث أو زيارة نقطة حراسة أخرى للثرثرة والتسلية، غير مدركين الخطورة الشديدة لذلك على أنفسهم وعلى مواقع الجيش، بل وعلى المناطق المحررة كلها.

غالباً ما يترافق كل هذا مع التساهل من القيادات على جميع المستويات في القيام بدوريات مفاجئة على الحد الأمامي لضبط الأمور، والوقوف على الواقع الحقيقي لتلك المواقع، ومعاقبة المقاتلين المقصرين في أداء واجبهم، واستبعادهم الفوري عن مهمة الحراسة.

ولا شك أن المواقع المتقدمة وخطوط النار بين مناطق سيطرة النظام وقوات قسد والجيش الوطني، ومنها جيب تل رفعت، تفرض على وزارة الدفاع وقيادات الجيش والفصائل الأكفاء أن يلتفتوا إلى فصائلهم، وأن يتخذوا كافة الاحتياطات والإجراءات التي تضمن الحفاظ على مواقع الفصائل.

عليهم الحرص على تقوية خطوط الفصل، وزيادة نقاط الحراسة، وزراعة حقول الألغام على طول الجبهة والمناطق الخطرة، وتزويد نقاط الحراسة والاستطلاع باحتياجاتهم من العتاد والسلاح، بما في ذلك القناصات الحرارية وأجهزة الرؤية الليلية، وتخصيص طائرات الاستطلاع بدون طيار لرصد أرض المعارك ليلاً وفي ظروف الرؤية الصعبة. بهذه الإجراءات يمكن تقليل التسللات التي تقوم بها قسد أو غيرها، والتي تستنزف قدرات الفصائل والجيش الوطني بشكل دائم.