قد يعتقد المشاهد لصور محصول الحمضيات القادمة من الساحل السوري بأن موجات الصقيع والبرد، أو الأمراض مسؤولة عن هذه المأساة، لكن الحقيقة تخالف ذلك، المحصول وافر ولكن المزارعين قرروا عدم جنيه، أو تقديمه كعلف للمواشي!
وبعد معاناة الفلاحين المريرة ابتداء من ارتفاع أسعار الغراس، وارتفاع أسعار الأسمدة بشكل جنوني، وأزمة المحروقات، وصلوا للحظة جني المحصول الموعودة، وعقدوا الآمال على الموسم لسد احتياجات أسرهم، لكن أسعار الطلب على الحمضيات في السوق المحلية جاءت مخيبة للآمال بشكل دفعهم لعدم جني محصولهم، أو لتقديمه ممن جناه كعلف للمواشي، خصوصا مع الارتفاع الرهيب لأسعار العلف في الوقت ذاته!
المراقب القريب للمشهد يدرك أن "الوزارة" غافلة تماما وغائبة عن معاناة الفلاح، فهي لا تدعم مستلزمات الإنتاج، من غراس وأسمدة ومبيدات، ولا تشرف بنفسها على حسن سير عملية التسويق
وبالتأكيد فإن عدم جني محصول استراتيجي كالحمضيات أو تقديمه كعلف للمواشي هو فعل احتجاجي صامت قام به المزارعون العاجزون عن إيقاظ ضمير مسؤولي حكومة النظام النائمين، مسؤولون منشغلون بنهب الناس وقمعهم.
في سوريا، للعلم، "وزارة للزراعة"، عملت فيها لثلاث سنوات، في الوزارة خبراء ومشتغلون على المحاصيل، وخاصة المحاصيل الاستراتيجية التي تنتجها البلاد، ومنها محصول الحمضيات الذي يعمل فيه عدد كبير من العائلات، بين مزارعين، ومكافحين للآفات، وباعة أسمدة، ومصنعين للعبوات البلاستيكية، ومشتغلين بضمان الأراضي من مزارعيها لجنيها، وهناك أيضا ناقلو المحصول، فأين "وزارة الزراعة" وخططها لزراعة وتسويق هذا المنتج، وأين هي من حماية المزارعين والمشتغلين في هذا المحصول؟
المراقب القريب للمشهد يدرك أن "الوزارة" غافلة تماما وغائبة عن معاناة الفلاح، فهي لا تدعم مستلزمات الإنتاج، من غراس وأسمدة ومبيدات، ولا تشرف بنفسها على حسن سير عملية التسويق، رفض المزارعين لهذا الواقع واحتجاجهم الصامت، وصور محصول مهم، يقدم كعلف للمواشي أيقظ "الوزارة" في الوقت ما بعد الإضافي، ولن تستمر هذه اليقظة لوقت طويل!
وفي محاولة منها لاستيعاب الغضب الواضح تجاه القضية تحضر في محافظة اللاذقية، لتسجيل حضورها العابث، وتتحدث عن دعم "وزارة التجارة الداخلية" وتسويق المحصول في فروعها وعلى نفقة "الوزارة" ضمن الأراضي السورية، ترسل سياراتها وتؤمن الصناديق البلاستيكية وتنقل بعض المحصول المتراكم لدى فلاحي ريف اللاذقية لتسويقه بسعر بخس!
لا تدرك حكومة النظام أو تدرك ولا تأبه، أنه قد فات الأوان لترقيع الفشل الكبير، فإذا كنا عاجزين عن تسويق محصول ناجح، وعن دعم مزارعيه فماذا يفعل موظفو "وزارة الزراعة" طوال العام؟ هل هنالك تساؤل أكثر شرعية من ذلك؟
أم أن حكومة النظام غير معنية بالتساؤلات المشروعة، ومعنية فقط بجباية الضرائب من جيوب المواطنين عن خدمات لا تؤمنها، فبماذا تجيبين أيتها الحكومة إذا كانت الكهرباء تشاهد لنصف ساعة في النهار، والخبز غير متوفر ولا المواصلات ولا.. ولا؟
تعيش حكومة النظام السوري الحالية خارج التاريخ ليست معنية بإدارة شؤون مواطنيها، لأنهم ببساطة ليسوا مواطنين بنظرها، تغيب عن معاناة محاصيل الحمضيات وتحضر بفروعها الأمنية بكثافة لتلاحق خبيرا كعبود الأسعد الذي طالما قدم لمحطات توليد الطاقة في البلاد، وتشهد له مؤهلاته وعمله، فيكافأ بالاعتقال لانتقاده أخطاء حدثت بالفعل في محطة بانياس!
وفي قلب الساحل الذي عميت أعين حكومة النظام عن معاناة مواطنيه تلاحق العيون ذاتها صحفيا لا يريد أن يسكت عن الابتزاز والاعتقال, صحفي يواجه الحكومة بأخطائها أيضا, وترسل الحكومة رجال الليل والنهار لتعقب الصحفي كنان وقاف وتعقب تحركاته وعائلته وأصدقائه!
إنها الحكومة التي لا تخجل, يشتمها الناس في السر, وفي العلن, فتضحك! يبكي الناس فتضحك أيضا, وتعتقل من يضع أمامها مرآة وهي تضحك!
وحدهم الناس إن حملوا المرآة الكبيرة معا, ووضعوها قبالة هذه الحكومة سيقفون بوجهها وينهون تجارتها بهم وتهديدها لسلامتهم, وربما يكون الغضب تجاه مأساة محصول الحمضيات الحالي بداية تعلم الناس أن الحق ليس هبة مجانية وأنه يحتاج إلى من يطالب به..