هنالك حقيقة إحصائية لم تتغير في سوريا منذ زمن بعيد، فالشباب السوري يشكلون أكثر من نصف عدد السكان، بينما أكثر من ثلث السكان تقل أعمارهم عن خمسة عشر عاما!
وفي ظل الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية، فإن هؤلاء الأغلبية من الشعب السوري يعيشون على انتظار معجزة عمليا، بدل أن يكونوا هم القوة الاقتصادية والموارد البشرية الغنية التي تعتمد عليها البلاد في نهضتها، فسواء أكمل الشباب تعليمهم وسط ندرة الغاز والكهرباء وضعف القوة الشرائية، يحلم هؤلاء بعمل، أو وظيفة حكومية، لا يتجاوز متوسط الأجر فيها العشرين دولاراً شهريا، وليس من يترك التعليم منهم بأحسن حال، فإيجاد عمل بعيدا عن حمل السلاح هو أمر صعب جدا.
يمكن القول إن الشباب السوري شكل في العام ألفين وأحد عشر العمود الفقري للحراك، وكان الدينامو المحرك للتظاهر وكل أشكال الاحتجاج السلمي الأخرى، كانت هنالك بالنسبة للكثيرين منهم بارقة حلم بإمكانية بناء وطن لطالما حلموا به ولم يروه على أرض الواقع أبدا.
شكل الشباب السوري منظمات سياسية ومدنية، ابتداء بالتنسيقيات والمجالس المحلية والفرق التطوعية وغيرها، أثبتوا بأنهم قادرون على أن يقدموا رؤيتهم ويعملوا عليها، لكن بركان القمع المنفجر في وجوههم شرد عائلاتهم وبعثرهم في بقاع الأرض ووجهاتها الأربعة.
وبينما كانت النخب السياسية والأحزاب المعارضة تستبعد الشباب "المتحمس" وتحبسه في حيز التظاهر، كان هذا المارد أكبر من حشره في التظاهر وفقط.
راقب الشباب السوري فشل معارضته وسقطاتها المتتالية، فيما كان الشباب السوري يواجهون على الصعيد الجمعي أزمات التهجير القسري والمخيمات والشتاءات القارسة والصيفيات الحارقة، والملايين على حدود اليأس، كان لدى كل من يعمل لأجل سواه أيضا همه الخاص، فهو خارج مدينته، أو خارج بلده، باحث عن حد أدنى من الاستقرار.
مرة أخرى تحول الجغرافيا من دون إتمام كثير من المشاريع التي يؤسسها شباب سوريون أو يحلمون بتأسيسها أملا في نهضة البلاد، فكل منهم يعيش في بلد، صحيح بأن كثيرا من المشاريع يستطيعون تنظيمها لكن هنالك المشروع الأهم وهو العمل على الأرض مع السوريين في الداخل.
يبدع الشباب السوري لمجرد خروجهم من حدود معاناتهم العبثية تلك، لكن المؤلم أن هذا الوطن لا يستطيع أن يكون أفضل من صانع للمعاناة سواء بالنسبة لمن هم فيه أو من هم خارجه
من جهة الداخل هنالك معاناة الشباب اليومية التي تضيع أعمارهم للحصول على أمور لا تكلف كل هذا العناء في أي مكان آخر على سطح الأرض!
هنالك أيضا نظرة شاب في الداخل للشباب الذين يعيشون خارج البلاد، بأنهم نجوا وهو لم ينجوا، مشاعر حنق ويأس وغضب على هذا الواقع، مشاعر لا تجد الكثير من المنافذ فتحطم من الداخل، تخبط في واقع سيئ، قوة تهدر في اللاشيء بدل أن تكون قوة تبني وطنا.
يبدع الشباب السوري لمجرد خروجهم من حدود معاناتهم العبثية تلك، لكن المؤلم أن هذا الوطن لا يستطيع أن يكون أفضل من صانع للمعاناة سواء بالنسبة لمن هم فيه أو من هم خارجه.
ستبقى صورة وعد الخطيب وعمر الشغري متحدثين في مجلس الأمن صورا مشرقة من ألبوم كبير لشباب سوري قوي وقادر وملهم، شباب تم تحطيم مستقبله على يد من كان بيدهم أن يستخدموه لنهضة بلد من أعرق البلدان، ولكن ستبقى هذه الطاقة، لن تنفذ وستتحول ربما، كما يقول علم الفيزياء، من شكل لشكل آخر من الطاقة، ما إن تسنح لها فرصة بأن تطلق العنان لنفسها.