تعديل مهم في مسار التطبيع بين أنقرة والنظام السوري

2024.09.04 | 06:33 دمشق

68444444
+A
حجم الخط
-A

بعد شهرين من حمى التصريحات المتبادلة، التي دارت معظمها حول موضوع انسحاب القوات التركية من الشمال السوري، بدا معها مدى التعقيد في ملف العلاقات التركية السورية. لعب فيها وزير الدفاع التركي يشار غولر دور المتشدد، مقابل تصريحات حافظ فيها بشار الأسد على طريقته المتداخلة في توصيف مصطلحات التطبيع والفارق بين الشرط والمبدأ ضمن مفهوم السيادة الوطنية.

دخل وزير الخارجية الروسي سيرجيه لافروف على الخط، لينقل التصريحات المتبادلة بين غولر وبشار الأسد حول تطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق إلى وجهة جديدة.

التطور الجديد بدأ مع قيام بشار الأسد خلال خطابه في مجلس الشعب، بالتخلي عن طريقته السابقة والانتقال إلى تبسيط عقدة الانسحاب عبر الحديث عما سماه المرجعية، والتي تحوّل فيها موضوع الانسحاب التركي من سوريا عملياً من شرط في التفاوض إلى هدف من أهدافه.

قوبل ذلك بلهجة مرنة لأول مرة من قبل وزير الدفاع التركي يشار غولر، الذي اعتبر هذا الخطاب تطوراً إيجابياً، بعد تصريحات سابقة كانت تتضمن شروطاً تركيةً تضمنت الوصول إلى انتقال سياسي مقابل شرط الانسحاب المطلوب من قبل بشار الأسد.

التدخل المهم في هذه التطورات جاء عبر وزير الخارجية الروسي لافروف، الذي أكد استعداد تركيا للانسحاب من الأراضي السورية، مستطرداً أن عدم الاتفاق هو حول معايير هذا الانسحاب. ليصبح لافروف بمنزلة المُفسِّر ويقدم صيغة واضحة للمرجعية التي تحدث عنها بشار الأسد، باعتبار أن التفاوض سيكون حول معايير يجب العمل على وضعها لتحقيق أهداف منها الانسحاب التركي من الأراضي السورية.

لافروف أشار أيضاً إلى أن اللقاءات التركية السورية كانت صعبة، وأن الاتفاق لم يُنجز بعد. وباعتبار أن اللقاءات التركية السورية لم تفضِ إلى نتائج، فقد أكد لافروف على وجود لقاء رباعي قريب سيضم كلا من روسيا وتركيا وإيران وسوريا، ليتكامل في تصريحاته مع المرونة التي أبداها وزير الدفاع التركي غولر بقوله إنه لا توجد مشكلة بين تركيا وسوريا غير قابلة للحل.

وهكذا، تكون الحركة قد عادت إلى المسار باتجاه أكثر وضوحاً، بحيث يتم فيه البحث في تحديد معايير معينة يتم التفاوض عليها، والتي ستحدد تطبيقات عملية باتجاه تطبيع قد يكون متسارعاً في الأسابيع القليلة القادمة. وهنا يمكن أن نتوقع أن يكون هذا الاجتماع الرباعي متضمناً لقاءات مباشرة وفق أجندة أكثر تحديداً بين وزراء الدفاع ورؤساء أجهزة المخابرات، ليكون الطريق مفتوحاً أكثر أمام عمل لجان رباعية عسكرية وأمنية وفنية، قد يتم دعمها سياسياً بلقاء وزراء الخارجية.

خلال ذلك، يُتوقع أن يبقى الموقف الأميركي يدور حول حلقة مفرغة، في تكرار الحديث عن عدم قيام الولايات المتحدة بأي تغيير في سياساتها تجاه سوريا قبل تحقيق تقدم ملموس في تطبيق القرار 2254، ولكن من دون أن يشكل هذا الموقف - على ما يبدو - أي مانع مهم بخصوص تحقيق تقدم ملموس في الاجتماع الرباعي الروسي التركي الإيراني السوري، والذي ستشكل قسد بالتأكيد أحد أهم ملفات بحث المرجعية ومعاييرها في إطار التفاوض القادم وتحقيق نتائج واضحة عنه، حيث أكد لافروف أن الوجود العسكري الأميركي يُعقد المشهد في شرقي الفرات، وأن الأميركيين جرّوا الأكراد إليهم على حساب تفاهمات كانت ممكنة مع دمشق.

وبأي حال، سيكون على الولايات المتحدة التعامل مع أي نتائج وتطورات في مسار العلاقات التركية السورية بحسب نتائج الانتخابات الأميركية، وذلك إما بصورة غير مباشرة في المرحلة الانتقالية بين الإدارتين الديمقراطية القديمة والجمهورية الجديدة – في حال فوز ترامب – كما حصل في أواخر العام 2016، حيث تسلّم دونالد ترامب عهدته الرئاسية بعد الانتهاء من موضوع حلب، أو بصورة مباشرة ربما يظهر عليها شيء من التشدد في حال فوز كامالا هاريس.

وفي المجمل، فإن تغيرات مهمة على الخريطة العسكرية في سوريا هي الأكثر ترجيحاً، ولاسيما إذا تم احترام عاملين مهمين: الأول استغلال عنصر الوقت من قبل الأطراف الرباعية بإشراف روسي سيكون أكثر وضوحاً مع الوقت، والثاني ألا يكون مسار التطبيع بين أنقرة ودمشق على حساب أفق سياسي واضح لفرص تطبيق القرار 2254.