بقيت ليلى حسو تفكر بطفلة عمرها 9 أعوام تمكنت فرق الإنقاذ من إخراجها حية من بين الركام في شمال شرقي سوريا.
تعمل حسو لدى شبكة حراس المعنية بحماية الطفل السوري، والتي تعاونت عن كثب مع المسعفين منذ وقوع الزلزال المدمر في مطلع هذا الشهر.
مباشرة عقب الزلزال، أخبرتنا حسو أن المنقذين أنقذوا حياة طفلة صغيرة، وبمجرد أن أخرجوها من بين الركام أخذت ترمش بعيونها وتنظر للرجل الذي ساعدها، ثم ضربته، وقالت: "لماذا أخرجتموني دون أبي؟" وتعلق حسو على ذلك بقولها: "إنها لعبارة تمزق القلوب".
فهذه الطفلة واحدة من بين مئات الأطفال في تركيا وسوريا ممن يتَّمهم الزلزالان الأخيران.
من الصعب تحديد رقم لأيتام الزلزال بدقة، إلا أن الحكومة التركية أعلنت خلال الأسبوع الماضي أن أهل 263 طفلاً ما يزالون مفقودين، ولم تردّ وزارة الطفل التركية عندما طلب منها تحديد أحدث رقم للأيتام.
أما في سوريا التي عاشت حرباً لمدة 12 عاماً، فمن الصعب إحصاء تلك الأعداد.
إذ سجلت المنظمات الإغاثية وعلى رأسها شبكة حراس التي تقدم الإغاثة والمأوى والرعاية النفسية للأطفال في محافظة إدلب، 65 حالة لأطفال فقدوا ذويهم في الزلزالين حتى الآن، بيد أن العدد الحقيقي أعلى بكثير برأي حسو، التي تقول: "كنا نسجل في كل سنة قبل الزلزال 100 حالة، ولكم أن تتخيلوا كم عدد اليتامى بعد الزلزال".
توتر سام
تسبب زلزال شدته 7.8 درجات أعقبه زلزال بشدة 7.5 وقع في جنوب شرقي تركيا يوم 6 شباط بمقتل أكثر من 46 ألف إنسان في تركيا وجارتها سوريا، وفي يوم الإثنين الماضي، بمجرد أن بدأ الناس بالتقاط أنفاسهم، وقع زلزالان آخران مع هزات ارتدادية كثيرة.
وحول ذلك تعلق أليكس سايح من منظمة أنقذوا الأطفال، فتقول: "كانت صدمة كبيرة، خاصة بالنسبة للأطفال الذين بدؤوا يشعرون بالثقة، وشرعوا بتجاوز ما حدث خلال الأسبوعين الماضيين".
يتيمات سوريات نازحات في مدرسة تقع على أطراف إدلب – تاريخ الصورة تشرين الأول 2021
تعمل سايح التي تترأس تلك المنظمة غير الحكومية في قسم رسم السياسة والمناصرة الإنسانية من غازي عنتاب التركية حيث كان مركز الزلزال الأول، وتخبرنا بأن الأطفال "يواجهون حالة تشكيك عالية، فالأطفال الذين تفرقوا عن أهلهم أصبحوا تحت وطأة خطر كرب عاطفي ونفسي شديد، فضلاً عن الانتهاك والاستغلال".
يذكر أن منظمة أنقذوا الأطفال شريكة لمؤسسات حكومية في تركيا ولمنظمات إنسانية في شمال غربي سوريا وذلك فيما يتصل بتسليم المساعدات التي تأتي على شكل مراكز إيواء مؤقتة، وبطانيات ومنتجات للعناية بالصحة، وخيام ومراتب.
وتضيف سايح: "هنالك حاجة كبيرة للدعم النفسي إلى جانب هذا الشكل من المساعدات الإنسانية، فهذا التوتر السام يعتبر شكلاً من أخطر أشكال التوتر، وهو يحدث عندما يتعرض الطفل لظروف مسببة للتوتر لفترة طويلة أو متكررة، وهذا ما شهدناه... في تركيا على مدار الأسبوعين الماضيين، وفي سوريا على مدار السنوات الاثنتي عشرة الفائتة".
موظفون لدى أنقذوا الأطفال يوفرون مساحة للعب الأطفال في أنطاكيا التركية
تخبرنا سايح بأن المنظمة أسست مراكز في المناطق المتضررة: "حيث يمكن للأطفال أن يعودوا إلى طفولتهم بصورة أساسية".
وتضيف: "لديهم مساحة ليلعبوا ويبعدوا تفكيرهم عن الأوضاع، كما أننا نقدم الدعم النفسي إلى جانب ذلك، حيث يحس الأطفال بوجود فسحة يمكنهم من خلالها التعبير عن أنفسهم واستيعاب ما جرى لهم".
ربط الأيتام بأقاربهم
عملت اليونيسف، وهي الوكالة الأممية المسؤولة عن تقديم المساعدات الإنسانية للأطفال في مختلف بقاع العالم، على تقديم المساعدات وفتح مراكز للأطفال بوسعهم أن يلعبوا فيها ويشعروا بالاسترخاء بعيداً عن الضغوط.
فقد فقَدَ الكثير من هؤلاء الأطفال أحد أبويهم أو كليهما، بحسب ما ذكره جو إنغلش وهو اختصاصي التواصل في الحالات الطارئة لدى اليونيسف، يعمل من غازي عنتاب ويقوم بتنسيق استجابة الوكالة في شمال غربي سوريا.
ويخبرنا أن أولى أولويات اليونيسف بعد تأمين المأوى والرعاية بشكل مباشر، هو ربط الأطفال الأيتام بأقاربهم، حيث يقول: "إن موقفنا ورأينا هو أنه من مصلحة الطفل في كل الأوقات أن يُلم شمله مع أقاربه في حال فقد أحد أبويه، أما حالات التبني في دول أخرى فينبغي ألا نفكر بها عقب وقوع أزمة إنسانية مباشرة".
متطوعو اليونيسف يلعبون مع الأطفال في مأوى مؤقت في حلب
تولي شبكة حراس أيضاً الأولوية لربط الأطفال بأقاربهم كما أخبرتنا حسو، بيد أن العمل لسنوات ضمن هذا المجال قد تحول إلى كابوس من حيث الأمور اللوجستية.
فقد اضطر الناس للانتقال من مكان لمكان أكثر من مرة، ولهذا فقد الكثير منهم وثائقه الثبوتية، وفي بعض الأحيان يكون القريب الوحيد المتبقي لدى الطفل يعيش خارج سوريا.
ولهذا تعلق حسو بالقول: "إن الوضع محبط هنا".
رضيعة الأنقاض تجد بيتاً وأهلاً
تمت حالات لم شمل الأسر في سوريا بعد صراع طويل.
فالرضيعة التي ولدت تحت الأنقاض في جنديرس حيث يسيطر الثوار في سوريا، تم إلحاقها بعمتها وعمها الآن، بعدما توفي والداها وأشقاؤها بسبب الكارثة.
عندما عثر المسعفون على الرضيعة، كانت ماتزال مرتبطة بأمها، والتي كان اسمها عفراء أبو هدية، بواسطة الحبل السري.
خالد السوادي وهو يحمل عفراء الرضيعة التي ولدت بين الأنقاض في جنديرس
وفي يوم السبت الماضي، قامت عمتها شقيقة أبيها، هالة، وزوجها خالد السوادي، بضمها إليهما وسمّياها باسم أمها: عفراء.
وعن ذلك يقول السوادي: "إن هذه البنت غالية علينا، لأنه لم يبق أحد من أسرتها سواها".
التفكير بالمستقبل
للأسف، ليس لدى كل طفل تيتّم بسبب هذه الأزمة بيت ليمضي إليه حسبما تخبرنا حسو، كما أنه من الصعب العثور على تمويل يدعم رعاية هؤلاء الأطفال بصورة مستمرة.
إذ بعد كوارث كهذه، تستخدم المساعدات لسد الاحتياجات الأساسية، بدلاً من العمل على المدى الطويل لتقديم الدعم لأطفال أيتام.
وتتابع حسو بالقول: "عندما يتحدث الناس عن المساعدات عادة، فإنهم يقصدون إرسال الخيم والمواد الغذائية، ولكننا لسنا بحاجة لذلك".
ليلى حسو مديرة قسم التواصل والمناصرة لدى شبكة حراس
ولهذا يتم عوضاً عن ذلك إعداد خطة طويلة الأمد تهدف إلى عودة الأطفال إلى المدرسة مثلاً، بحسب ما ذكرته حسو، ويوافقها إنغلش من اليونيسف الرأي، حيث يقول: "معظم هؤلاء الأطفال انقطعوا عن الدراسة لمدة سنتين بسبب كوفيد، كما انقطعوا عن الدراسة بسبب الحرب، فضلاً عن نزوحهم، ثم إن هذا الجيل من الأطفال هو من سيعيد بناء سوريا في نهاية الأمر، لذا إنْ لم نقم بتعليمهم، ولم نقدم لهم الأدوات لذلك، فإننا لن نقدم لهم أي فرصة".
المصدر: CBC