تحوّلت شركات الإنتاج العربية إلى تقديم نمط جديد من الأعمال الدرامية بعيدًا عن الموسم الرمضاني، مستنسخة بذلك تجربة خدمة البث العالمية نتفليكس عندما قدمت نمطا جديدا من الأعمال الدرامية باعتمادها على عدد أقل من الحلقات المتعارف عليها في الأعمال الدرامية في منطقتنا العربية، هكذا اتخذت شركات الإنتاج العربية قرارا بتكثيف أعمالها الدرامية القصيرة، والتي سبقتها حملة دعائية كبيرة لمنصة شاهد، الجهة التي تحاول أن تكون المنصة الأكبر على مستوى الأعمال العربية، ومنها بالتأكيد مسلسل "بيروت 303" الذي بدأ عرضه في وقت سابق من الشهر الجاري على المنصة عينها.
ولعلّ هذا ما كان واضحًا من توقيت عرض منصة شاهد التي أرادت لـ"بيروت 303" أن يكون خارج الموسم الرمضاني، وتدور قصته في إطار الإثارة والتشويق وحروب المافيا، أو هكذا بدت منذ الحلقات الثلاث الأولى، عُرض منه 7 حلقات حتى الآن، وهو من إنتاج شركة سيدرز آرت برودكشن، المملوكة لصبّاح إخوان، ويشهد عودة المخرج اللبناني إيلي السمعان (مخرج مسلسل شتي يا بيروت)، بالتعاون مع الكاتب سيف رضا حامد، بينما يضم طاقم الأدوار الرئيسية مجموعة من الأسماء المعروفة عربيًا، بما في ذلك عابد فهد، بالإضافة إلى سلافة معمار، نادين الراسي، مجدي مشموشي، ومعتصم النهار، والأخير أصبح واحدا من الأسماء التي يتكرر ظهورها في الأعمال القصيرة المشتركة.
تقوم قصة مسلسل "بيروت 303" بالأساس – كما الحال مع معظم الأفلام الهوليوودية التجارية – على فكرة انفجار طائرة ركاب الرحلة 303 القادمة من إسطنبول إلى بيروت على السواحل اللبنانية، انفجار يؤدي إلى انشطار طائرة الركاب إلى نصفين، وفي النهاية سيكون هناك بعض الناجين! وبعد فترة من التحقيقات التي تجريها الاستخبارات اللبنانية توجه أصابع الاتهام إلى نجم فرج نجل رجل الأعمال وصاحب شركة العطور الشهيرة عزيز فرج (عابد فهد) وزوجته تاج (سلافة معمار)، بينما يؤدي النهار دور طيف، أحد الناجين من انفجار الطائرة، والذي سيكون له دور في هذه القصة، أو على الأقل كما تخبرنا الحلقات الأولى.
يتضح من الحلقات الأولى أن عزيز على علاقة عاطفية مع رزان (نادين الراسي)، وهي واحدة من المساعدات الأقوياء لعزيز نفسه، وتنتابها مشاعر عدوانية تجاه زوجته تاج، كذلك يعتمد عزيز أيضًا على داغر (مجدي مشموشي)، كما المساعدين المقربين من رجال الأعمال المتنفذين أو/و المافيا في الأفلام الهوليوودية، وتقود التحقيقات في النهاية إلى المادة أن التي استخدمت في تفجير الطائرة هي: مادة السيفور، أما من جانب عزيز فإن تحقيقاته الخاصة تقود إلى أن السيفور المستخدم في تفجير الطائرة سرق من مستودعاته.
جانب أخير من الذي تم رصده في الحلقات الأولى، كانت زيارات نجم فرج المتكررة من مكان إقامته في دبي إلى إسطنبول، وتوّرط الجماعات المتشددة – كما يمكن اتضاحه – بالوقوف وراء التفجير، على الأقل أمام الرأي العام، الذي عَرف أيضًا أنه قُتل ثلاثة سياسيين كانوا على متن الرحلة 303، وفي حين يبدو هذا مبررا لتصفية حسابات سياسية، فإن المخفي عن الرأي العام هو أن المستهدف المباشر بهذا التفجير ليس إلا عزيز، وأن الانفجار بالأساس سببه الصراع الناشب بين رجالات المافيا، حتى الآن لا يزال العدو الأساسي أو سبب هذا العداء لعزيز مجهول للجمهور، مع ظهور متقطع لناظم (يؤدي دوره ناظم السيد) الذي يتحدث عن نهاية عصر عزيز فرج.
الآن بالعودة إلى قصة العمل، وهو من الأعمال التي كان مقررًا لها المشاركة في الموسم الرمضاني قبل أن يتم ضغطها إلى 15 حلقة فإن الحبكة الدرامية تبدو بطيئة جدًا، كما أنها في لحظات معينة، مثل مشاهد غضب أهالي الضحايا الباحثين عن الحقيقة أمام الفروع الأمنية، التي تذكرنا بمشاهد اللبنانيين الغاضبين أمام منازل الطبقة السياسية. والواضح أن الكاتب اقتبس بعضًا من الواقع اللبناني والسوري الراهن عندما كتب قصته، لكن حتى الآن لم نعرف من هم السياسيين الذين كانوا على متن الطائرة، ولا نعلم حتى مناصبهم أو توجهاتهم؛ أما على مستوى مشاهد المافيا والاغتيالات فإنها لم تكن بذلك الإقناع، وفي كثير من الأحيان كانت القصة بشكل عام غير متماسكة بسبب بطئها أولًا، والحوارات والانفعالات المفتعلة ثانيًا.
وكذلك على مستوى الشخصيات، فإن أداء طاقم التمثيل كان متفاوتًا إلى درجة كبيرة، دائمًا ما تُعرف معمار بأدوارها المتميزة على الشاشة الصغيرة، لكنها في "بيروت 303" كانت في كثير من المشاهد غير مقنعة، والحال ينطبق على فهد الذي اشتهر بشخصية (المقدم رؤوف) في مسلسل "الولادة من الخاصرة"، لكنه في شخصية عزيز قدم كثيرا من التشنجات وبرود الأعصاب لم يكن مقنعًا، وهو غير مفاجئ قياسًا بالمستوى الإخراجي العادي أيضًا للمسلسل.
إذا أردنا الإنصاف ليس مسلسل "بيروت 303" العمل الدرامي القصير الذي يقدم قصة وإخراجًا عاديًا، فقد استبقت منصة شاهد تقديمه للجمهور بعرض الموسم الثاني من مسلسل الإثارة والتشويق "الوسم" (فكرة وبطولة قصي خولي وإخراج سيف الدين سبيعي)، الذي لم يقدم أي إضافة جديدة من ناحية القصة التي تقوم في أساسها بين مجموعة من المافيات العالمية التي تقيم ما بين سوريا وأوكرانيا، حتى يكاد يأتينا شعور أننا نعيش في شيكاغو الشرق، ومثل "بيروت 303" خلا من عنصري التشويق والإثارة أولًا، وكان أداء خولي مثل فهد مفتعلًا وغير مقنع ثانيًا، وفي النهاية قدم قصة بحبكة بطيئة وعادية جدًا.
حتى الآن الواضح من القصة أن إحدى الشخصيات الثانوية التي تظهر في المشاهد الأولى هي التي لديها ثأر شخصي مع عزيز، لكن السبب الذي أدى إلى إراقة كل هذه الدماء، باستثناء طيف طبعًا، غير معروف. ومرة أخرى لكن المؤكد أن القصة بطيئة كان يمكن اختزالها بـ6 حلقات من خلال تكثيف الحبكة الدرامية مع الحوار، والابتعاد عن المشاهد المكررة أو غير الضرورية، كما الحال مع والدة عزيز (جيانا عيد) التي يظهر حتى الآن أن دورها ثانوي، لكن تبدو المشاهد المكررة صفة عامة على الأعمال الدرامية العربية، كما الحال دائمًا مع مقدمة هذه الأعمال التي يصل طولها إلى أربع دقائق، ومسلسل "بيروت 303" دليل على ذلك.