قبل بدء الموسم الرمضاني، علق عدد كبير من محبي الدراما السورية آمالاً كبيرة على مسلسل "على قيد الحب" الذي تم التسويق له من خلال الحالة النوستالجية التي يعيشها الجمهور السوري. فالمسلسل يشهد عودة الكاتب فادي قوشقجي بعد انقطاع عن الكتابة دام قرابة ست سنوات، ويلم شمل ممثلين لم يلتقوا منذ مدة طويلة، خصوصاً دريد لحام وأسامة الروماني، اللذين التقيا آخر مرة في مسرحية "غربة"، منذ قرابة الـ46 عاماً.
لكن اليوم، وبعد انتهاء عرض "على قيد الحب" نستطيع القول إن العمل كان أقل من مستوى التوقعات ومخيباً للآمال، وخاصةً أن النهاية لم تكن مرضية أو مقنعة للجمهور، الذين انتقدوها وعبروا عن خيبة أملهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ليفاجؤوا بتصريحات صادمة من قبل قوشقجي يتهم فيها شركة الإنتاح "إيمار الشام" بتغيير نهاية المسلسل دون الرجوع إليه. حيث صرح أنه تم إعادة كتابة الحلقة الأخيرة من المسلسل من قبل المخرج باسم السلكا ومديرة شركة الإنتاج ديانا جبور، وطلب من الأخيرة أن تحذف اسمه من العروض القادمة للمسلسل، مصرحاً بأنه سينشر النسخة الأصلية من العمل.
وعلى إثر ذلك، فتحت "إيمار الشام" النار على قوشقجي، وأصدرت بياناً يتسم باللامهنية، جاء على صيغة توعّد. إذ أشارت الشركة بأنها ستقوم بمقاضاة الكاتب قانونياً بسبب التشهير بها، وانتقدت قوشقجي وحطت من قدره ككاتب حين ذكرت في بيانها أن الشركة تعرضت للخداع من قبل قوشقجي من خلال الحلقات الست الأولى التي كانت مشجعة على تبني المشروع، في حين أن ما تلاها بعد توقيع العقد لم يكن يليق بمستوى الشركة. وأشار البيان إلى أن الشركة عملت طوال الوقت على إضافة تحسينات وتعديلات للرفع من سوية العمل!
في الحقيقة، إن مشكلة المسلسل لا تكمن في الحلقات الأخيرة ولا الخاتمة، بل هناك مشكلات تمتد على العمل كله، وتزداد وطأةً مع تتالي الحلقات ولكنها موجودة منذ البداية. ومن خلال المقارنة مع الأعمال السابقة لقوشقجي نلاحظ أن "على قيد الحب" هو العمل الأكثر سطحية من ناحية الحوارات بين الشخصيات وأن الروح الرومانسية التي كان يمتلكها قد ضاعت وحلت مكانها رومانسية مبتذلة وزائفة، فعلاقات الحب التي تنشأ بين أبطال العمل غير مقنعة إطلاقاً، وقصة الحب الرئيسية بين هفال حمدي وترف التقي، تبدأ بالتشكل على نحو ملحمي ساذج، لتبدأ من النظرة الأولى، وتتلوها حوارت شعرية سطحية لا يمكن احتمال ميوعتها، لتبدو الوجه النقيض لعلاقات الحب التي رسمها في مسلسلاته السابقة، مثل "على طول الأيام" و"أرواح عارية" التي كانت تتميز بالخفة وقربها من الواقع والتي كانت تطرح ضمن إطار اجتماعي يقربها من المشاهدين.
أعمال قوشقجي السابقة كانت تملك نفساً تحررياً وتتميز بخطابها المنفتح والواضح، والذي كان ينطوي على فكر نسوي ليتصدى بأعماله للدفاع عن المرأة بمواجهة المجتمع، فكان في "أرواح عارية" أكثر الكتاب السوريين جرأة بتصويره خيانة المرأة المتزوجة، والتناقضات التي يعيشها المجتمع، الذي يتسامح مع الرجل الخائن، ولا يغفر للمرأة أبداً ولا يكف عن ملاحقتها. اليوم نرى روحا مختلفة في "على قيد الحب"، فوتيرة الخطاب التحرري تنخفض، وتبرز بدلاً عنها أحكام ذكورية يتوافق معها الفكر السائد للشخصيات الإيجابية وتسقط ضد المرأة الأكثر جدلية في العمل "كندة" (ترف التقي) التي ينقلب حالها بعد العثور على وظيفة في شركة إنتاج فني وبعد تحسن أوضاعها المادية، لتتحول إلى فتاة مادية، شريرة ولعوب، تحاول أن تغوي العديد من رجال الشركة، ليتفق محيطها على وسمها بالفتاة الرخيصة، دون أن يكون هناك أي وجهة نظر تدعمها، لتكون النتيجة نبذها في النهاية عندما تحاول العودة حين تحاول العودة. ربما تكون النهاية قد ساهمت بإعطاء الانطباع الذي يجعل العمل مغرقاً لهذا الحد بالأفكار الذكورية، وقد تكون هذه إحدى النقاط التي وقع حولها الخلاف بين قوشقجي والشركة المنتجة.
إلا أن مشكلة المسلسل لا تقتصر على المشاهد العاطفية وقصص علاقات الحب الغريبة، بل تمتد لتشمل كثيرا من التفاصيل أيضاً. من بينها مشكلة المغالاة بالنوستالجية للدراما السورية القديمة ومحاولة ربط "على قيد الحب" بمسلسلات قديمة من العصر الذهبي، حيث يتم حشو المسلسل بتفاصيل تتقاطع مع السوريين بذكرياتهم ومع أعمال درامية لا تزال تعيش معهم إلى اليوم؛ فعلى جدران المطعم الذي يعمل فيه "نمر" نجد صوراً للمخرج الراحل حاتم علي، وتستخدم إحدى الشخصيات الرئيسية الموسيقا التصويرية للفصول الأربعة" كنغمة لرنين الهاتف، كما أن الشاشات في خلفية المشاهد الداخلية، تظهر فيها لقطات من مسلسل "أحلام كبير"؛ ليبدو واضحاً أن صنّاع العمل يسعون لربط عملهم بالمخرج حاتم علي.
هذه القصدية في محاولة استرداد روح الدراما السورية القديمة، تؤدي إلى الدخول في جو درامي لطيف مع تتالي الحلقات، لتبدو الدراما بكثير من اللحظات خفيفة ودافئة. لكن هذه الأجواء تكسرها الرسائل الرمزية التي تُرهق العمل. إذ إن حكاية المسلسل لا يمكن قراءتها خارج الإطار الرمزي الذي تسير فيه؛ فعلاقات الصداقة العائلية التي تشكلت قبل ما يقارب 40 سنة، تصل إلى مرحلة حرجة بسبب تصرفات الدخيل الخارجي "عزام"، الذي تنتهي بموته المتوقع في الحلقة الأخيرة كل الشرور، ويتزامن موته مع نهوض الطفلة "شام" من غيبوبتها؛ الطفلة التي بدت باسمها وبحالتها ترمز لسوريا. هذه الترميزات تخنق الدراما اليومية البسيطة والجميلة في المسلسل.