مع تصاعد التوتر في الشرق الأوسط عقب "حرب غزة"، حفزت روسيا إيران عبر ميليشياتها لضرب القوات الأميركية في سوريا والعراق، ودعمت مطالبات طهران وبغداد والنظام السوري الداعية لانسحاب القوات الأميركية، في حين ردت إدارة بايدن الديمقراطية التي تقف على أبواب انتخابات رئاسية صعبة، بقصف الميليشيات الإيرانية في سوريا والعراق واغتيال عدد من قادتها.
دعم استخباري روسي لإيران في سوريا
عسكريا، عززت موسكو بشكل أكثر فعالية تبادل المعلومات الاستخبارية مع الميليشيات الإيرانية وقالت تقارير صحفية إنها زودت حزب الله اللبناني بصواريخ مضادة للسفن عبر سوريا، وأعطت الضوء الأخضر لإيران من أجل تحديث الدفاعات الجوية للنظام السوي، أي أن التنسيق أصبح على مستوى عال بعد الحرب الأوكرانية.
وكالة رويترز قالت في وقت سابق، إن موسكو تخلت عن عدة مواقع رئيسية وسط وشرقي سوريا لتنتشر فيها الميليشيات الإيرانية ومنها حزب الله اللبناني، وبحسب مركز جسور للدراسات فإن عملية الانسحاب من بعض المواقع في سوريا تمت بالتنسيق مع إيران، موضحاً أنه تم رصد عمليات انسحاب من 16 موقعاً، بينها 4 قواعد عسكرية ضخمة، مثل مطار حماة العسكري، ومطار النيرب العسكري.
قدم الدعم الاستخباري الروسي دفعة للقدرات العملياتية للميليشيات، ما مكنها من استهداف المصالح والقوات الأميركية في شرقي سوريا بوتيرة متزايدة، وفي لبنان أيضا، ووفقا لإعلام إيراني و"فورين أفيرز" ضرب حزب الله اللبناني قاعدة ميرون الإسرائيلية بصواريخ موجهة مضادة للدبابات روسية الصنع في كانون الثاني الفائت.
وجنوبي سوريا بعد 7 من تشرين الأول، استأنف الطيارون الروس دورياتهم الجوية على طول خط فض الاشتباك في الجولان بعد توقف دام عاما، وأعلنت وزارة الدفاع الروسية أن القوات الجوية الروسية بدأت بدوريات جوية في منطقة الجولان، وقال نائب رئيس المركز الروسي للمصالحة في سوريا، الأدميرال فاديم كوليت، إن القوات الجوية الروسية بدأت دوريات جوية على طول ما يسمى بخط برافو الذي يقسم مرتفعات الجولان بين سوريا وإسرائيل، بحسب وكالة تاس.
أميركا لن تغوص أكثر في سوريا
عام 2016 وصفت صحيفة واشنطن بوست في مقال، أن روسيا ربما تغوص في المستنقع السوري عسكريا، معتبرة أن واشنطن أيضا تغوص في المستنقع نفسه لكن من الناحية الأخلاقية، فهل تخشى أميركا اليوم عقب استهداف قواتها الغوص عسكريا؟ وهل تحاول إلقاء العبء على حلفائها في التحالف الدولي؟ حتى الآن لا يوجد بديل عملي لانسحاب القوات الأميركية من الأماكن "الأقل أهمية" بالنسبة لسياسة البيت الأبيض مثل شمال شرقي سوريا والعراق، إلا أن واشنطن التي اعتادت انتهاز الفرص قد تحاول تحويل العبء الدفاعي في سوريا إلى الحلفاء الأوروبيين، حيث سارعت فرنسا لزيارة شمال شرقي سوريا، إذ أجرى مطلع الشهر الجاري فابريس ديبليشان، مبعوث الخارجية الفرنسية إلى شمال شرقي سوريا لقاءات مع أطراف سياسية مختلفة في مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، بالتزامن مع انشغال واشنطن بالتصعيد بينها وبين إيران وميليشياتها.
لطالما عملت باريس على الحفاظ على علاقات جيدة مع جميع الأطراف السياسية الكردية والعربية في شمال شرقي سوريا، كما تعد الداعم الغربي الأول لـ "قسد" بعد واشنطن.
وكشف مصدر خاص لموقع تلفزيون سوريا أن "باريس كثفت تحركاتها الدبلوماسية في مناطق شمال شرقي البلاد بالتزامن مع تراجع دور الخارجية الأميركية وشبه غياب مبعوثيها عن المنطقة مع استمرار التوتر والتصعيد بين واشنطن وطهران والميليشيات المرتبطة بالأخيرة في سوريا والعراق".
روسيا تضرب بيد إيران في سوريا
استهدفت الميليشيات الإيرانية أميركا في سوريا والعراق قبل عملية "طوفان الأقصى" وكانت إيران تدفع الميليشيات للتحرش وإطلاق الصواريخ في سوريا والعراق، بتأييد ودعم من روسيا التي ترى أن الوجود الأميركي في سوريا والعراق عائق فعلي أمام مد نفوذها في المنطقة.
وحول ذلك يقول د.خالد العزي المختص في العلاقات الدولية والسياسات الخارجية لموقع تلفزيون سوريا "لكن بالمقابل روسيا تعلم أنها مهما زودت الميليشيات بصواريخ وبمعلومات استخبارية فإن حركة روسيا في المنطقة ستبقى ضعيفة بسبب الوجود الإيراني المسيطر على الأرض في سوريا، و والحشد الولائي في العراق هو من يحدد طبيعة العملية السياسية القادمة، ولكن بظل المناكفات الحالية والحرب الأوكرانية بات واضحا أن روسيا تستخدم أي عمل للمناكفة السياسية".
وعقب العدوان الإسرائيلي على غزة، نشر "البنتاغون" حاملتي طائرات وأسطولا حربيا في الخليج العربي إلى جانب غواصات مجهزة برؤوس نووية، وأكثر من 3000 جندي إضافي.
ويضيف العزي قائلا "أميركا كانت تحتوي جميع الضربات وتحاول عدم الرد تحت شعار أنها لا تريد توسعة الحرب.. ولكن الأساطيل الأميركية أتت إلى الشرق الأوسط ليس لمساعدة إسرائيل في الحرب كما فهم البعض، نحن نعلم أن أموال العالم كله تحت تصرف إسرائيل، الأساطيل جاءت لتقول إن هذه المنطقة منطقة نفوذ أميركية لا يمكن التلاعب بها وكانت رسالة لروسيا وإيران وتركيا والصين وهم منزعجون من ما يجري في البحر الأحمر".
هل تقطع واشنطن "أذرع إيران"؟
ما تزال الرسالة الأميركية واضحة لإيران، عقب الهجوم على قاعدة " البرج 22 " في الأردن "لا نريد توسعة الصراع"، ولكن من الواضح أن الصراع اليوم يطول أذرع إيران وإذا استعدنا خطابات الولايات المتحدة القديمة حول تأديب سلوك إيران وليس اقتلاع نظامها، ويبدو أن طهران باتت تتخلى تدريجيا عن أذرعها، وذلك بعد أن حاولت إيران ابتزاز واشنطن مما عرض هيبة البيت الأبيض للإحراج، فالصفعة الإيرانية جاءت عبر ميليشيات، وسيكون الحديث عن أي انسحاب أميركي محتمل "هزيمة لواشنطن"، وهو لا يشبه الانسحاب الأميركي من أفغانستان.
ويوضح العزي قائلا "مخاوف إيران مازالت حقيقية في شرقي سوريا، خاصة أن واشنطن كانت تنوي تعزيز سيطرة القوى المعارضة من دير الزور وحتى الجنوب السوري وخاصة بعد انتفاضة السويداء وما أعاقها هو حرب غزة".
وتابع "ما سينتج عن هذه الترتيبات سيضعف النفوذ الإيراني ويمنع تغلغله، إيران علمت جيدا أنه عندما وضعت أميركا بشار الأسد على رأس الدول المهربة والمصنعة للمخدرات فإنه عاجلا أم آجلا سينتهي دور الأسد وهذا سيعرض الميليشيات التي تعتاش على المخدرات للخطر.. وهي ما تقارع به إيران الأردن وتهدد به أمن الخليج.. إيران تريد الجلوس على طاولة المفاوضات القادمة لتكون جزءا من المشهد".
سوريا قاعدة الاشتباك
ويرى العزي أنه "لا يوجد انسحابات أميركية لا من سوريا ولا من العراق لأن ذلك سيكون لصالح نمو إيران في المنطقة ونحن نرى قاعدة الاشتباك الإسرائيلي الفعلية ليست غزة وليس جنوب لبنان وإنما الساحة السورية.. وروسيا لا يمكنها الدفاع والانخراط في معركة.. هي تحاول بكل وسائلها الدفاع عن نظام الأسد والإبقاء عليه في أي تسوية قادمة وهم على يقين أن تسوية غزة ستنعكس على كل الإقليم وسيعود الديمقراطيون بالوراء إلى 6 من تشرين الأول أي إلى ما قبل طوفان الأقصى، لذلك روسيا تخاف على مصالحها".
وبرأيّ العزي فإن إيران هي "المحرجة اليوم" لذلك تضحي بأذرعها، ويتابع قائلا "ربما التسوية الخطيرة التي نخشى منها أن الأميركي يقدم عروضا وحوافز لإيران مقابل المحافظة على نفوذها في المنطقة ولكن هذه العروض والحوافز لا نزال نجهلها.. ولكن كما يبدو فإن مرحلة الدويلات في قلب الدول قد انتهت ولم يعد التعايش مطلوبا على الحدود مع إسرائيل.. العالم يرى أن أمن إسرائيل أولوية.. وواشنطن ترى أن الميليشيات في سوريا ولبنان وحتى اليمن هي عامل توتير يجب الانتهاء منه ولهذا السبب أبعدت إيران عن المواجهة وانحصرت الضربات بالميليشيات ويبدو أن إيران موافقة على حوافز تقدم لها مقابل إنهاء دور الميليشيات".
يتعايش الإيرانيون مع الديمقراطيين في البيت الأبيض، فقد أعلن سياسيون ومشرعون أميركيون أن واشنطن أبلغت إيران قبل شن الضربات "الانتقامية"،لكن خوفهم الفعلي يأتي من الحزب الجمهوري لأن عودة دونالد ترامب ستعني ضربات موجعة لإيران، وهو لن ينتظر التفاوض أو اجتراح الحلول، إلا أن المسار مازال طويلا، فعلى الرغم من صعوبة وضع بايدن أمام الجمهور الأميركي إلا أن طريق ترامب ليس معبدا إلى البيت الأبيض، وهناك ولايات تعيق ترشحه، وبينما ينتظر فلاديمير بوتين عودة ترامب إلى السلطة على البوابة السورية، يقول اللورد روبرتسون الأمين العام السابق لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، إن استراتيجية فلاديمير بوتين المتمثلة في انتظار عودة ترامب إلى البيت الأبيض هي "خطأ آخر في حسابات الكرملين".
ويعرف بوتين أن تكلفة دفع إيران للمواجهة مع تل أبيب، ستنعكس ليس فقط على وجوده في سوريا، بل أيضا على حربه في أوكرانيا. وكانت وكالة رويترز قد نقلت عن مصادر خاصة أن زيارة إسماعيل قاآني قائد ميليشيا فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني إلى بغداد، أدت إلى توقف الهجمات على القوات الأميركية التي تشنها الميليشيات الإيرانية في العراق منذ 7 من تشرين الأول.