icon
التغطية الحية

"بلوك 26".. شركة بريطانية ترصد ضياع 3.5 مليارات دولار من عائدات نفط سوريا

2024.09.15 | 20:29 دمشق

بئر نفط قرب بلدة القحطانية في محافظة الحسكة - أ ف ب
شركة نفط بريطانية ترصد ضياع نفط سوريا في بلوك 26 - AFP
تلفزيون سوريا - علا مصطفى
+A
حجم الخط
-A

ملخص:

  • نهب مستمر: على مدى السنوات السبع الماضية، تعاني حقول النفط في "بلوك 26" من إنتاج غير مشروع، تسيطر عليه جماعات مسلحة شمال شرقي سوريا.
  • خسائر ضخمة: تجاوزت الخسائر الاقتصادية الناتجة عن هذا الإنتاج غير المشروع 3.5 مليارات دولار منذ 2017، حيث يتم استخراج نحو 16 ألف برميل يومياً بشكل غير قانوني.
  • تأثيرات بيئية وصحية: العمليات البدائية أدّت إلى تسرب النفط وتلوث البيئة، مما زاد من حالات الإصابة بالسرطان والأمراض التنفسية.
  • مستقبل مظلم: شركة "غولف ساندز" تدعو لوضع صناعة النفط السورية تحت إشراف دولي لوقف النزيف.
  • حلول مقترحة: يقترح الخبراء إعادة بناء البنية التحتية للطاقة وبيع النفط بأسعار السوق لضمان توزيع عادل للعائدات بين السوريين.

أُبلغت شركة "غولف ساندز" البريطانية، قبل سبع سنوات، أن حقول النفط في "بلوك 26" شمال شرقي سوريا، التي تخضع حالياً لقوة قاهرة، عادت للإنتاج بشكل كبير ومنتظم، من قبل كيانات تابعة لـ"الإدارة الذاتية" التي تسيطر على المنطقة.

وبلغت القيمة التراكمية للهيدروكربونات المختلسة من المنطقة، منذ عام 2017 حتى تاريخ هذا اليوم، أكثر من 14 مليار دولار أميركي، تستفيد منها جهات غير شرعية ومدعومة دولياً، بينما يعاني الشعب السوري وحده من ويلات الخسائر الاقتصادية والتداعيات البيئية الخطيرة، التي يسببها إنتاج النفط غير المشروع شمال شرقي سوريا.

"بلوك 26".. الإنتاج والاستكشاف والتطوير 

في عام 2003، أبرمت شركتا "غولف ساندز بتروليوم" البريطانية و"سينوكيم" اتفاقية تقاسم إنتاج مع "الحكومة السورية" لاستكشاف وتطوير وإنتاج النفط في "البلوك 26" الذي يغطّي مساحة 5414 كم مربعاً شمال شرقي سوريا، بحصتي عمل بنسبة 50% على التساوي لكل شركة.

وبموجب العقد يذهب ثلثا الإنتاج إلى حكومة النظام السوري، وتنتهي فترة الاستكشافات، عام 2012، في حين تستمر حقوق الاستفادة من الإنتاج من الحقول المكتشفة لمدة لا تقل عن 25 عاماً من تاريخ الموافقة على التطوير مع إمكانية تمديدها لمدة 10 سنوات أخرى، لكن العقوبات البريطانية وإعلان القوة القاهرة في كانون الأول عام 2011 أوقف كل شيء.

خريطة سورية توضح موقع حقول البلوك 26 شمال شرق البلاد

تحت إشراف المجموعة، وبحسب تقارير "غولف ساندز" تم اكتشاف وتطوير حقلين نفطيين يحتويان على خزانات تعود إلى العصر الطباشيري ضمن منطقة عقود المشاركة في الإنتاج، خربة شرق (2008) ويوسفية (2010)، وخلال العام 2011، وصل الإنتاج المشترك من هذين الحقلين إلى مستوى يقل قليلاً عن 25000 برميل من النفط يومياً.

بالإضافة إلى ذلك، تم تحديد اكتشافين آخرين للنفط والغاز بخزانات من العصر الترياسي أسفل خزان إنتاج النفط في حقل "خربة شرق" وداخل تكوينات "كوراشين وبوتماه دولوميت".

تم منح الموافقات على تطوير هذه الاكتشافات بي عامي 2008 و2011 على التوالي، وتم اكتشاف نفطي آخر، أواخر عام 2011، في بئر الاستكشاف "الخيرات"، وينتظر هذا الاكتشاف مزيداً من أعمال التقييم والتطوير.

تتولى شركة دجلة للبترول "DPC"، وهي شركة تشغيل مشتركة شُكّلت بين "غولف ساندز" و"سينوكيم" ومؤسسة البترول العامة "GPC" لهذا الغرض، تشغيل هذه الحقول في أثناء مرحلة الإنتاج، والتي تمت إعارة موظفي كل من "غولف ساندز" ومؤسسة البترول العامة إليها سابقاً.

ومنذ فرض العقوبات البريطانية، عام 2011، والإعلان اللاحق عن القوة القاهرة بموجب اتفاقية تقاسم الإنتاج، لم تشارك "غولف ساندز" في عمليات شركة دجلة للبترول، وتم سحب موظفيها المنتدبين إلى شركة دجلة، التي تُركت تحت إدارة المنتدبين من شركة البترول العامة.

"سبع عجاف في تاريخ الشركة"

في عام 2017، تلقت "غولف ساندز" تقارير عن عمليات إنتاج غير قانونية، تُدار في البلوك، وقالت في بيان لها عبر موقعها الإلكتروني: "لقد أدركنا أن مرتكبي هذا الإنتاج غير المشروع كانوا، ولا يزالون، كيانات تابعة للإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا (AANES)، ووحدات حماية الشعب (YPG)، وقوات سوريا الديمقراطية (SDF/ قسد)، ومجلس سوريا الديمقراطية (SDC/ مسد)، وهي كيانات تسيطر على أجزاء كبيرة من المنطقة بدعم من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية".

ووفقاً لتقديرات "غولف ساندز"، تجاوزت الخسائر الناتجة عن الإنتاج غير المشروع في "بلوك 26" ما يزيد على 3.5 مليارات دولار أميركي، منذ عام 2017.

ويُقدر أن ما يقرب من 50 مليون برميل من المكافئ النفطي تم إنتاجها بشكل غير قانوني من هذا الموقع وحده، ويستمر الإنتاج اليومي غير المشروع بمعدل نحو 16 ألف برميل، مما يؤدي إلى خسائر يومية تقدر بنحو 1.28 مليون دولار.

معدل إنتاج النفط غير المشروع في بلوك 26 - غولف ساندز
معدل إنتاج النفط غي المشروع في بلوك 26 منذ عام 2017 - Golf Sands

ولكن هذا ليس كل شيء، حيث يمثل "البلوك 26" أقل من ربع إجمالي الإنتاج غير المشروع من شمال شرقي سوريا، ويقدر متوسط ​​الإنتاج بنحو 80 ألف برميل من النفط المكافئ يومياً.

ويمثل هذا خسارة مستمرة تقدر بنحو 6.4 ملايين دولار يومياً، بسعر النفط الحالي الذي يبلغ نحو 80 دولاراً للبرميل، وقيمة تراكمية تزيد على 14 مليار دولار منذ بدء الإنتاج غير القانوني في أوائل عام 2017.

أين يتوزع النفط المهدور؟

يقول الباحث المختص في الشأن الكردي، بدر ملا رشيد، لـ موقع تلفزيون سوريا، إنّ مصير واردات النفط والغاز ما يزال مجهولاً في شمال شرقي سوريا، وتحكمه تفاهمات بين النظام السوري و"قسد" تعود للعام 2012، حيث تبيع "قسد" النفط للنظام بأسعار رمزية تتراوح بين 25 و30 دولاراً للبرميل الواحد، ويتم إرسال الشحنات من خلال وسطاء أبرزهم شركة "القاطرجي"، ليعيد النظام بدوره جزءاً من هذا النفط بعد تكريره في مصفاتي بانياس وحمص.

وفيما يتعلق بالعقوبات الأميركية يشير رشيد إلى أنّ "الإدارة الذاتية" دعت الولايات المتحدة لإعفائها من قانون "قيصر"، وهو ما يفسر التغاضي الأميركي عن شحنات النفط الواصلة لمناطق النظام.

لاينكر القائد العسكري لـ"قسد" مظلوم عبدي، العلاقات الوطيدة بين الطرفين، فقد صرّح مراراً بالاتفاقية الموقعة بين الطرفين بضمانة روسية، والتي تضمن استمرار تدفق النفط للنظام مقابل نشر الأخير قواته في نقاط التماس مع القوات التركية، عقب عملية "نبع السلام"، التي شنتها تركيا بالاشتراك مع الجيش الوطني السوري على "قسد"، كجزء من ردع "حزب العمال الكردستاني-PKK"، والذي تصنّفه تركيا كتنظيم إرهابي.

إعلامياً، يتهم النظام السوري القوات الأميركية بـ"نهب نفط" سوريا، وقد أفادت وزارة خارجيته في بيان لها، شهر أيلول الماضي، بأنّ "الأضرار التي لحقت بقطاع النفط والثروات المعدنية بسبب النهب والتخريب الأميركي منذ عام 2011 حتى حزيران 2023 بلغت 115.2 مليار دولار".

وقالت وكالة أنباء النظام (سانا) آنذاك، إنّ "القوافل الأميركية، تحمل النفط في صهاريجها وتمر عبر معبر المحمودية غير الشرعي، متجهة إلى القواعد الأميركية شمالي العراق".

وتبيع "قسد" النفط أيضاً -عن طريق وسطاء- إلى مناطق سيطرة المعارضة السورية بسعر يصل إلى 50 دولاراً للبرميل، وذلك من خلال معبر "الحمران" الذي يفصل مناطقها سيطرتها عن مناطق سيطرة المعارضة في جرابلس شمال شرقي حلب، حيث يتم تكريره بشكل بدائي في مصافٍ بسيطة في بلدة ترحين قرب مدينة الباب شرقي حلب، بحسب "كيو ستريت جورنال".

التواجد الأمريكي في مواقع حقول النفط السورية - Clam Reports
سرقة النفط هي السبب غير المعلن للأزمة الإنسانية المستمرة في سوريا - آلان دنكان

ويتوزّع النفط السوري إذاً على الجميع بصورة عادلة -نوعاً ما- وإذا تغاضينا عن قساوة التهم، وخطابات التخوين المتراشقة يميناً ويساراً عبر المنابر الإعلامية بين الأطراف المستفيدة، يبقى المالك الشرعي الوحيد لهذه الثروة خارج المعادلة، لا بل يواجه الجوع والمرض ويجتر السم البطيء.

كارثة صحية وبيئية

تشير تقارير متعددة إلى أنّ افتقار المشغلين غير الشرعيين إلى الخبرة والمعرفة التقنية، أدى إلى تسرب النفط بشكل متكرر، وأكد تحقيق نشرته مجلة "المجلة" العربية، افتقار المنطقة إلى مرفق لإدارة المنتجات الثانوية والنفايات الناجمة عن تكرير النفط "مما يؤدي إلى التخلص منها بشكل عشوائي، بما في ذلك خلطها بالمياه.

ويصف الرئيس التنفيذي لشركة "غولف ساندز،"، جون بيل، الوضع في "بلوك 26" بـ"كارثة إنسانية وبيئية".، مؤكّداً عبر حسابه على "لينكدإن"، أنّ "الكارثة الإنسانية في سوريا موثقة جيداً، ولكن تأثير الأزمة السورية على البيئة وصحة السكان لا يتم مناقشته بشكل كافٍ".

ويوضح: "القسم الأعظم من هذا الدمار يأتي من قطاع الطاقة، فقد كانت البنية الأساسية للطاقة، بما في ذلك حقول النفط ذاتها، هدفاً متكرراً للهجمات العسكرية، من قِبَل أطراف تسعى إما إلى المطالبة بالفوائد المتاحة، أو إلى حرمان الآخرين من الوصول إليها". 

تسمم التربة بسبب تسرب النفط

ووفقاً لوكالة الطاقة الذرية، ارتفعت حالات الإصابة بالسرطان بشكل متزايد في شمالي سوريا المنتج للنفط بمعدل أسرع بثلاث مرات مقارنة بالفترة المقارنة قبل الحرب، كما تتزايد أمراض الجهاز التنفسي وغيرها من القضايا الصحية المرتبطة بالانبعاثات السامة.

ويعرض "بيل" عبر  "لينكدإن"، حلولاً تحد من تفاقم الكارثة أهمها:

  • وضع صناعة النفط والغاز السورية تحت إشراف دولي، وبيعها وفقاً لأسعار السوق العالمية لضمان توزيع عادل وشفاف للعائدات بين السوريين.
  • إعادة بناء البنية التحتية للطاقة، عبر السماح لشركات عالمية ذات خبرة بتنفيذ أفضل ممارسات الصناعة، بما يضمن مستقبلاً أنظف لسوريا.

ويضيف: "في العصر الذي يركز فيه العالم على التأثير البيئي لأفعالنا، لا ينبغي لنا أن نترك بلداناً مثل سوريا تتخلف عن الركب".

بدوره يشير وزير بريطاني سابق، والمستشار الأول لـ"غولف ساندز " آلان دنكان، إلى إسهام العقوبات في الكارثة البيئية والاجتماعية، ويقترح إعادة النظر فيها، وسبق أن قال لـ"عرب نيوز": "من خلال رفع العقوبات بشكل انتقائي أو منح إعفاءات محددة، يمكن لشركات الطاقة الدولية العودة إلى أجزاء من سوريا واستعادة العمليات الآمنة، مع الإشراف المستقل الفعال والدعم من السكان المحليين، إن إعادة تطبيق المعايير الصحيحة من الممكن أن يؤدي إلى بدء عكس مسار الضرر البيئي والصحي الرهيب".

مشروع الأمل وحلول مقترحة

بحسب تقديرات شركة "غولف ساندز"، فإنّه يمكن زيادة الإنتاج في شمال شرقي سوريا من 80 ألف برميل إلى نحو 500 ألف برميل يومياً، ومن المتوقع أن يدر هذا الإنتاج عائدات تتراوح بين 15 و20 مليار دولار أميركي سنوياً، إذا ما سمح لها باستكمال نشاطها في سوريا تحت إشراف دولي.

كذلك، يمكن استخدام هذه العائدات في مبادرات إنسانية ومبادرات التعافي المبكر، بما في ذلك برامج الأمن والتوظيف والصحة والبيئة.

ويتحدث جون بيل عن مبادرة تحمل اسم "مشروع الأمل"، تهدف إلى "إنقاذ النفط المهدور بما يتماشى مع قرار مجلس الأمن (2254) ولصالح الشعب السوري والذي يجب عليه الاستفادة من هبة الموارد الوطنية لبلاده لبناء الاستدامة الذاتية، والصمود مستقبلاً".

مشروع الأمل - الموقع الالكتروني لغولف ساندز البريطانية

ويضيف: "إننا نقدر كل الملاحظات والدعم الذي تلقيناه خلال اجتماعاتنا، كانت الأفكار التي تلقيناها من المسؤولين الحكوميين ومستشاري السياسات وأعضاء الشتات السوري وخبراء العقوبات والقانون والمحللين المتخصصين في سوريا ذات قيمة لا تصدق في مساعدتنا على تعميق فهمنا للتعقيدات التي يتعين علينا التعامل معها في تصميم مشروع الأمل".

واستناداً إلى تقرير مختصين بشأن خطة عودة الإنتاج، يمكن إثبات أن "بلوك 26" يحتوي على أكثر من مليار برميل من الموارد القابلة للاستخراج مع إمكانية مستويات إنتاج تبلغ نحو 50 ألف برميل من المكافئ النفطي يومياً من الاكتشافات الحالية في الأمد القريب، وأكثر من 100 ألف برميل من المكافئ النفطي يومياً من تطوير الكتلة الكاملة بما في ذلك إمكانات الاستكشاف الصاعدة.

سرقة النفط محرك استمرار الأزمة

يصف السير دنكان "سرقة النفط" بأحد أهم المحركات الرئيسية لاستمرار الأزمة الإنسانية في سوريا، ويقول لصحيفة "عرب نيوز": "سمحت العقوبات المفروضة على سوريا بوقوع مصادر الطاقة في أيدي جهات فاعلة خاصة وبغيضة، بما في ذلك الإدارة الذاتية، وبحسب تصريحات صادرة عن هذه المجموعة في عام 2022، فإن أكثر من ثلاثة أرباع ميزانيتها التشغيلية البالغة 780 مليون دولار تتكون من عائدات النفط".

ويضيف: "لقد سعت نداءات الأمم المتحدة الإنسانية لسوريا لعام 2023 إلى جمع 5.4 مليارات دولار، لكنها لم تجمع سوى ثلث هذا المبلغ. قارن ذلك بـ15 مليار دولار تقدرها شركة غولف ساندز، بأنها ستكون متاحة كل عام، إذا ما رأى مشروع الأمل النور".

بحسب الوزير البريطاني السابق، والمستشار الأول لـ"غولف ساندز" آلان دنكان: "هذه الإمكانات تُهدَر وتُسرق حالياً.. لقد حان الوقت لكي ينفذ المجتمع الدولي حلاً جذرياً، ويساعد في إنهاء هذه المأساة الإنسانية".