في عالم نسعى فيه إلى العدالة والمساواة نصطدم بأن البعض ما يزال يحدد هويتنا اليوم وفقاً للون بشرتنا ولغتنا وشكل الزي الذي نرتديه، والدين الذي ورثناه من عائلاتنا ونشأنا عليه.
تشير الأحداث الأخيرة الموجهة ضد الفئات المسلمة في القارة الأوروبية أو في الصين أو الهند، إلى أن الترويج للتسامح والوحدة بهدف التمتع بالاستقرار بين مختلف الفئات ما زال نوعاً من الاستعراض لا أكثر، وأن المسلمين المنتشرين في أصقاع الأرض ما زالوا يعانون من نبذ وإقصاء وهم في طليعة الفئات التي تتعرض للعنف من فئات أخرى، علاوة على ما يتعرضون له من ضغوط اجتماعية بسبب الاتهامات والأحكام المسبقة التي تربط بين الإسلام والإرهاب وأعمال العنف في العالم.
يتعرض المسلمون يومياً وبشكل مستمر لحملات كراهية مستمرة سواء في الفضاء الإلكتروني أو على أرض الواقع
عرّفت الأمم المتحدة ظاهرة الإسلاموفوبيا بأنها "كراهية الإسلام أو هو الخوف من المسلمين والتحيز ضدهم، والتحامل عليهم، ما يؤدي إلى الاستفزاز والعداء، والتعصب بالتهديد وبالمضايقة، وبالإساءة وبالتحريض، وبالترهيب للمسلمين ولغير المسلمين، سواء في أرض الواقع أو على الإنترنت، وتستهدف تلك الكراهية، بدافع من العداء المؤسسي والأيديولوجي والسياسي والديني الذي يتجاوز تلك الأطر إلى عنصرية بنيوية وثقافية - الرموز والعلامات الدالة على أن الفرد المستهدف مسلما".
يتعرض المسلمون يومياً وبشكل مستمر لحملات كراهية مستمرة سواء في الفضاء الإلكتروني أو على أرض الواقع في العمل والمدرسة والمحيط الاجتماعي، ويواجهون تمييزاً يومياً في الحصول على السلع والخدمات، وفي العثور على عمل وفي التعليم، بسبب الاعتقاد بأن المسلمين يمثلون تهديدات للأمن القومي والإرهاب، ويجوز القول بأن النساء المسلمات يتحملن الجانب الأكبر من جرائم الكراهية، بسبب الزي الديني الذي يرتدينه.
واجه المسلمون تمييزاً بسبب معتقداتهم الدينية على الرغم من أنه يحق لكل فرد أينما كان أن يتمتع بحرية الفكر والدين والمعتقد، وعلى الرغم من أن دساتير الدول كفلت حرية المعتقد وضمنت حرية ممارسة شعائره، وجعلت من حق كل فرد أن يتمتع بحرية إظهار هذه المعتقدات بممارسته طقوس العبادة الخاصة به والاحتفال بمناسباتها، أفراداً أو جماعات مهما كانت الطريقة سرية أو علنية، غير أن ذلك لا يبدو متاحاً بسبب ما يعانيه المسلمون في العالم.
وبحسب تقارير الأمم المتحدة فإن أعداد "من يتعرضون للمضايقة أو الاحتجاز أو السجن أو حتى القتل لأنهم مسلمون أو يمارسون الإسلام أو اعتنقوا الإسلام أو يعتقد أنهم مسلمون في ازدياد في مختلف أنحاء العالم"، إذ صدر تقرير مؤخراً عن المقرر الخاص للأمم المتحدة، المعني بحرية الدين أو المعتقد، أشار إلى أن "الشك والتمييز والكراهية الصريحة تجاه المسلمين وصلت إلى أبعاد وبائية".
إن الاضطهاد الذي مارسته بعض الفئات على المسلمين ومهاجمة طقوسهم والتعدي على حقوقهم وحرياتهم الدينية، أدت إلى نفور جماهيري عام بين فئات المواطنين المختلفين في المعتقد في البلد الواحد أو في بلدان وجنسيات مختلفة، وهو أمر أصبح يهدد السلم الأهلي وينذر بسلوكات غير محمودة العواقب بين الأطراف.
ولأن "لكل فعل رد فعل يساوية في الشدة ويعاكسه في الاتجاه"، فقد كان حريّ بأصحاب المسؤولية محاولة الحدّ من هذه التجاذبات السلبية التي قد تؤدي إلى تطرف من الأطراف جميعاً وقد تسبب مع الوقت انفجاراً لا تُحمد عقباه.
انطلاقاً من هذا المبدأ فقد حرصت الأمم المتحدة على محاربة مثل هذه الظواهر وقد أعلنت يوم الخامس عشر من آذار يوماً لمكافحة الإسلاموفوبيا، في واحدة من السبل التي تعتزم اعتمادها من أجل محاربة الكراهية الدينية وإيقافها، ويصادف هذا التاريخ أيضاً ذكرى الاعتداء الإرهابي الذي استهدف مسجدين في مدينة كريستشورش في نيوزيلندا، عندما قتل مسلح 51 مصلياً مسلماً في مسجدين وجرح 40 آخرين.
مع صعود اليمين المتطرف في الحكومات الأوروبية أصبح الأمر يشكل حساسية أكبر، فارتأت بعض الدول ضرورة وجود قانون يضع حداً واضحاً لأي مظهر من مظاهر معاداة الإسلام، وكان لا بد من أجل تحقيق ذلك وجود عقوبات واضحة رادعة لأي سلوك مماثل.
اعتمدت مؤخراً الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراً باتخاذ "تدابير مكافحة كراهية الإسلام"، في خلال اجتماع بمناسبة اليوم الدولي لمكافحة كراهية الإسلام أو"الإسلاموفوبيا".
يشمل القرار إدانة أي نوع من أنواع التمييز ضد المسلمين وتدنيس كتابهم المقدس والهجمات التي تستهدف المساجد والمواقع والأضرحة
وصوتت 115 دولة لصالح مشروع القرار الذي قدمته باكستان نيابة عن منظمة التعاون الإسلامي، فيما امتنعت 44 دولة عن التصويت، ولم تصوت أي دولة ضد القرار.
ويدعو القرار، من بين أمور أخرى، إلى تعيين مبعوث خاص للأمم المتحدة معني بمكافحة الإسلاموفوبيا، ويشمل القرار إدانة أي نوع من أنواع التمييز ضد المسلمين وتدنيس كتابهم المقدس والهجمات التي تستهدف المساجد والمواقع والأضرحة.
المفارقة أن الدول التي امتنعت عن التصويت هي دول أوروبا بمن في ذلك بريطانيا، فرنسا، إيطاليا، أوكرانيا، إسبانيا، السويد، سويسرا، أيرلندا، كرواتيا، هولندا، بولندا، البرتغال، رومانيا، لاتفيا، ليتوانيا، لوكسومبورج، مالطا، النمسا، بلجيكا، فنلندا، بلغاريا، المجر، الدنمارك، بالإضافة للهند.
وإذا كان ذلك قد يلفت النظر إلى شيء فهو يثبت ازدواجية المعايير التي تتبناها دول القارة الأوروبية التي تدعي حرصها على تطبيق العدالة والمساواة، لكنها ترفض تأييد قرار إنساني يدين الكراهية الدينية والتمييز والعنف ضد المسلمين في حين أنها لا تتهاون في فرض عقوبات على من تشتبه في عدائه للكيان الإسرائيلي بحجة معاداة السامية.
العالم ممتلئ حتى الذروة بقصص تنعدم فيها المساواة ويظهر فيها اللاتكافؤ بين بني البشر بشكل جليّ، لكن امتناع الدول عن التصويت لصالح القرار لا يبدو بريئاً تماماً، وصمتها عن الإدانة يشي بأن تلك الدول لا تكترث لازدياد حالات الاعتداء ضد المسلمين على أراضيهم ويفتح أمامنا أبواب الاحتمالات بأنها تعد سيناريوهات تستبدل الإسلاموفوبيا بوحش جديد قادر على تحجيم وجود الإسلام فيها، ذلك أنه كان من المفترض أن تدافع الدول التي تدعي حماية حقوق الإنسان عن فئات المضطهدين وأن تعمل على توعية شعوبها للتخلص من الانحرافات الفردية التي ترتكب ضد فئة بعينها، حرصاً على استدامة حالة السلم الأهلي، وحتى وإن لم تكن تمتلك الرغبة في إحداث التغيير فكان حريّاً بها أن تحافظ على ماء وجهها وتقبل بالالتزام بالقواعد الدولية للحد من التمييز ضد فئات معينة لصالح فئات أخرى.