حركت المحنة التي تعرضت لها دلال التي لم تبلغ من العمر عامين حالياً، مشاعر الناس والأطباء في مختلف أنحاء العالم وهي تصارع لتبقى على قيد الحياة بعد تعرضها لحروق "مريعة" طالت معظم جسدها.
لفت ألسنة اللهب جسد دلال عندما احترقت خيمة أسرتها في مخيم للنازحين قريباً من إدلب بسوريا بداية هذا العام. أما شقيقتها ياسمين فقد توفيت بسبب الحريق ذاته وهي تحاول أن تنقذها، غير أن أبويها وأشقاءها الأربعة تمكنوا من البقاء على قيد الحياة.
ولهذا نقلت دلال على جناح السرعة إلى الحدود التركية بوصفها حالة خاصة من بين ملايين الضحايا من الأطفال بسبب الحرب الذي امتدت لفترة طويلة من الزمان في سوريا، ومنذ ذلك الحين بدأت معركتها من أجل البقاء.
دفع صراع دلال من أجل الحياة بعض الأجانب لجمع تبرعات بآلاف الدولارات من أجلها وذلك بعدما أنشأت أم بريطانية عازبة صفحة عامة لجمع التبرعات من أجل تلك الصغيرة.
أما الأطباء الأتراك فقد أمضوا أشهراً وهم يكرسون وقتهم وخبرتهم دون أن يحصلوا على مقابل لذلك في محاولة منهم لإعادة تشكيل جسد تلك الصغيرة الذي تهتك واحترق، وذلك عبر إجراء العديد من العمليات الجراحية لها.
إذ أخبرنا هؤلاء الأطباء بأن تلك الصغيرة شارفت على الموت ثلاث مرات على الأقل، ولهذا صاروا يسمونها بالطفلة المعجزة.
ثم بدأ العديد من الأطباء والمشافي من مختلف أنحاء العالم بالتواصل معهم لتقديم المساعدة ومشاركة المعارف والخبرات في هذا السياق، وهكذا أنشؤوا مجموعة طبية على أحد مواقع التواصل الاجتماعي ليقوموا من خلالها بتبادل الخبرات وتقديم المشورة بواسطة فيس تايم، كل ذلك خلال الفترة التي كانت فيها تلك الصغيرة تتشبث بالحياة وتتحدى الصعاب مرة إثر مرة.
يذكر أن دلال الصغيرة خسرت شعرها وجفنيها وأنفها وأذنيها وشفتيها بسبب النار التي حرقت جسدها، أما ذراعاها وساقاها وكامل جسمها فقد تعرض كله لحروق شديدة، وكذلك الأمر بالنسبة لرئتيها وحلقها وقصبتها الهوائية، إذ تضررت كل تلك الأعضاء بشكل كبير.
وبذلت الفرق الطبية التي ترأسها منذ البداية الطبيب جاغاتاي ديميرجي في مشفى مدينة مرسين جهوداً عظيمة لإنقاذ حياة تلك الطفلة، إذ لم تكن فرصتها بالحياة تتجاوز 10% عند وصولها لذلك المشفى.
وشرع الطبيب ديميرجي وفريقه بسلسلة من العمليات المعقدة لزراعة جلد للطفلة ولإعادة تشكيل شفتيها وجفنيها، لكنه اضطر لبتر كلتا يديها إنقاذاً لحياتها، وبحلول شهر أيار تم تخريجها من المشفى.
وبما أن المعالجة الإسعافية كانت معقدة، وصار على دلال العودة إلى سوريا لتعيش في مخيم للنازحين، لهذا خشي الأطباء الذين تابعوا حالتها من تعرضها للإصابة بأي عدوى، إذ لابد وأن تصبح عندئذ إمكانية نجاتها معدومة.
غير أن "لطف الأجانب" الذين تعاطفوا مع حالتها إلى جانب القرار الذي اتخذته السلطات التركية، عقب تسلمهم لتقرير طبي مفصل من قبل الأطباء في مرسين، سمح لتلك الطفلة بالحصول على لجوء مؤقت في البلاد من أجل العلاج الطبي، وهذا ما نفخ الروح فيها من جديد.
وساعدت التبرعات التي قدمها محسنون بريطانيون دلال ووالدها عبد الفتاح على استئجار شقة متواضعة في مرسين قريبة من المشفى، كما تمت الاستعانة بتلك التبرعات لتأمين جوازات سفر لأسرة دلال على أمل منحهم هم أيضاً الإذن للم شمل الأسرة والعيش بأمان في تركيا.
وتمكنت فاطمة والدة دلال مع أشقاء دلال الأربعة من عبور الحدود أخيراً وهكذا صار بوسع تلك الأسرة أن تلتقي وجهاً لوجه بعد مرور ستة أشهر على الفراق، وهذا ما جعل جميع أفراد الأسرة يبكون بعدما أمضوا فترة مضنية وطويلة من البعد.
وفي وقت مبكر من ذلك اليوم، خضعت دلال لأول معالجة بالليزر خارج المشفى هدفها تنعيم جلدها الذي مايزال غضاً غير أنه أصبح مشدوداً ومسلوخاً بسبب الحرق.
ونظمت تلك العملية في غازي عنتاب بمساعدة مؤسسة إنارة الخيرية بعدما تبرعت أسرة ثرية بالمبلغ المرصود لها إثر تأثرهم الشديد بعدما رأوا ما حصل لدلال. ويمكن الاستعانة بهذا المبلغ أيضاً من أجل إجراء معالجة طبية فورية تحتاج إليها دلال كثيراً اليوم، إلا أن هذه الصغيرة أمامها سنوات طويلة من التدخل الجراحي قد تصل لعقد كامل من الزمان.
إلا أن تلك الصغيرة غدت اليوم فتاة كثيرة الحركة تسعى لأن تتحرك وتمشي وتطعم نفسها بنفسها وذلك عندما تمسك بالكأس بذراعيها المبتورين. ويحاول الأطباء اليوم تجهيز دلال للخضوع لأول عملية ترميم أساسية ستجرى لها في أواخر هذا العام.
كما يأمل الأطباء أن يتمكنوا من إعادة تشكيل وبناء بعض أصابعها على الأقل حتى تتمكن من الحركة وهذا ما سيخدمها في مراحل لاحقة من حياتها.
أما عملية إعادة تشكيل الوجه التي تعتبر أكثر تعقيداً والتي سيتم من خلالها إعادة تشكيل أذنيها وبناء أنفها وخديها وفمها فهي عملية طويلة وموسعة ولا يمكن أن تجرى لتلك الطفلة إلا بعد أن تكبر قليلاً.
وهنالك عملية أخرى يجب أن تجرى لعينيها في القريب العاجل إن قدر لها أن تحافظ على نظرها، وذلك لأن جلدها صار ينمو بسرعة كبيرة فوق عينيها، ولهذا بات لزاماً عليها أن تحرك رأسها للخلف حتى تتمكن من رؤية الأشياء أمامها.
ولكن على الرغم من صغر سنها، والمخاطر الصحية الكبيرة التي تتعرض لها، تتميز دلال بشخصيتها المشاكسة المحاربة المفعمة بالطاقة والحيوية، إذ حيرت الفريق الطبي بحماستها ورغبتها بالحياة وهي ترقص بكل إخلاص على قدميها وذلك بمجرد أن يحثها والدها على القيام بذلك، كما أعجبتها البالونات التي نفخها الأطباء من أجلها أيما إعجاب.
بيد أن العملية التي أجريت للصغيرة بواسطة الليزر كانت مؤلمة، إذ ظلت تصرخ وتبكي إلى أن تم تخديرها وعندها صار بوسع الأطباء العمل على جلدها المسلوخ ذي اللون الأحمر، فقاموا بتنعيمه بواسطة ضربات ثابتة وحازمة لابد لكل ضربة منها أن تتسبب بألم حارق.
ولكن بعد مرور ساعات على العملية، تلقفتها أحضان أشقائها وأمها، إذ حملتها في البداية شقيقتاها الأكبر منها سناً واللتان بدا عليهما أنهما نسيتا أمر الندبات الواضحة على جسد دلال التي تعتبر آخر العنقود والبنت التي يحبها جميع أفراد أسرتها وقد اشتاقوا لها كثيراً.
وهكذا اجتمعت الأسرة من جديد، وأصبحت تعيش في بيت واحد، وبات الأطفال ينامون تحت سقف واحد في مكان آمن لأول مرة في حياتهم.
وخلال فترة قريبة سيزيد عدد أفراد هذه الأسرة، وذلك لأن والدة دلال حامل في أشهرها الأخيرة، ومن المقرر لها أن تضع مولودها بين ليلة وضحاها، لذا لابد وأن يحظى هذا المولود بترحيب كبير من قبل أفراد أسرته، كونه الطفل الأول بين أشقائه الذي يولد وسط ظروف أفضل ومحيط آمن.
المصدر: سكاي نيوز