بدأت الإدارة الذاتية التابعة لـ"قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) إجراء الانتخابات المحلية في مناطق سيطرتها شمال شرقي سوريا، وذلك بشكل سري بعد ضغوط دولية أدت لتأجيل الانتخابات ثلاث مرات في وقت سابق.
وقالت شبكة نداء الفرات الإخبارية المحلية إن الإدارة الذاتية التابعة لقسد بدأت يوم الإثنين انتخابات المجالس المحلية بشكل سرّي في ريف ديرالزور الشرقي، وأجبرت موظفيها وعسكرييها على الانتخاب.
وأفادت الشبكة بأن "قسد" عمدت إلى تهديد موظفيها بفصلهم، والمدنيين المستفيدين من المساعدات الإنسانية بقطعها عنهم في حال الامتناع عن المشاركة، بالتزامن مع إجراءات متخذة لإبقاء عملية الانتخاب سرية وبعيدة عن وسائل الإعلام.
وأشارت إلى أنّ الانتخابات ستجري في يومي 18 و 19 تشرين الثاني الجاري حيث شارك أمس الإثنين عسكريو "قسد" بالانتخاب، ومن المقرر أن يكون اليوم الثلاثاء موعد انتخاب المدنيين.
وسبق أنّ أعلنت "قسد" عن هذه الانتخابات وأجلتها ثلاث مرات وأجلتها، بسبب تهديدات تركية بشن عملية عسكرية تستهدفها في حال إجرائها للانتخابات، ما دفعها أخيرا إلى إجرائها بشكل سري.
وكان مستشار العلاقات العامة والإعلام في وزارة الدفاع التركية، زكي آق تورك، قال إن أنقرة لن تسمح بفرض أمر واقع يهدد أمنها القومي وينتهك وحدة أراضي سوريا، وذلك رداً على سؤال بشأن استعداد "الإدارة الذاتية" لإجراء "انتخابات محلية" في شمال شرقي سوريا.
وكذلك أكد وزير الدفاع التركي، في وقت سابق، أن مخططات "قسد" لتنظيم انتخابات محلية في شمال شرقي سوريا "غير مقبولة"، وتشكل تهديداً للأمن القومي التركي، مؤكدا رفض بلاده القاطع لمساعي إجراء "انتخابات بلدية" في مناطق شمال شرقي سوريا، معتبراً ذلك خطوة نحو "تأسيس دولة إرهابية في المنطقة".
عجز قسد عن الحصول على اعتراف
وأرجع الباحث السياسي مهند الكاطع إلغاء الانتخابات ثلاث مرات إلى ضغط أميركي ألماني لأن إجراء الانتخابات قد يعطي مبرراً لتركيا لشن عملية عسكرية جديدة قد تكلف "قسد" خسارة مزيد من المناطق التي تسيطر عليها.
وقال الكاطع في حديث لموقع "تلفزيون سوريا"، إن العلاقات الاستراتيجية والمصالح المتبادلة بين تركيا وكل من أميركا وألمانيا، أكبر من أن يتم التضحية بها على رهان مع قسد وما تواجهه من أزمة عدم الاعتراف بها محلياً بوصفها جماعة مرتبطة بحزب إرهابي (العمال الكردستاني) التركي".
ونفى أن يكون تأجيل الانتخابات بسبب حركة التطبيع بين تركيا والنظام، معتبراً أن هناك "علاقة عضوية بين نظام الأسد وقسد هي التي ترسم معظم سياسات قسد في المنطقة، بما في ذلك الإعلان المتدرج للإدارة الذاتية من طرف واحد والإعلان عن إجراء انتخابات لتشكيل ضغط أكبر على تركيا ودفعها باتجاه خيارات الانفتاح الأكبر على الأسد
وعلى مدى السنوات الماضية سعت "قسد" إلى ترسيخ نفسها كسلطة أمر واقع في شمال شرق سوريا، مدعومة بتحالفات مع واشنطن ونجاحها في محاربتها لتنظيم داعش، لكن على الرغم من ذلك واجهت تحديات كبيرة في تعزيز شرعيتها السياسية والوطنية.
أحد هذه التحديات تجلى مؤخراً في إلغاء قرار الانتخابات البلدية، وهو الأمر الذي يعتبر رسالة واضحة بعدم الاعتراف بـ"قسد" كسلطة سياسية شرعية، وتحويلها من ميليشيا عسكرية إلى كيان سياسي معترف به.
ويرى الكاطع أن إلغاء الانتخابات كان بمثابة رسالة واضحة بأنه "لا يمكن الموافقة على تحويل ميليشيات أمر واقع اقتضت الظروف والمصالح الدولية، بما فيها مصلحة الأسد، استخدامها في المناطق الشرقية لإضعاف المعارضة وتأمين المنطقة تحت غطاء محاربة داعش، إلى حالة سياسية محمية بسلطة التمثيل الشعبي ومسرحية الانتخابات البلدية".
وتؤكد هذه الرسالة وتفسر فشل "مجلس سوريا الديمقراطية" (مسد)، الذراع السياسي لـ"قسد"، بإقامة أي علاقات سياسية رسمية مع الدول الغربية واقتصار العلاقة مع الفصيل العسكري فقط.
من جانبه أوضح تمي أن خطوة إجراء الانتخابات ستسارع بشكل كبير إلى التفكير الجدي لدى الأتراك في تنفيذ عملية جديدة في شرق الفرات، و"محاولة قصقصة أجنحة قسد من جديد ومنعها من التحليق بعيداً عن قدراتها وحجمها".
إلغاء الانتخابات اعتبره كثير أنه تبديد لحلم "الإدارة الذاتية" بتصدير نفسها كقوى شرعية وإقامة فدرالية في المنطقة، لكن رشيد أكد أنه لا يمكن التكهن بالنهايات المغلقة في الملف السوري، فما زالت كافة الاحتمالات حول شكل الدولة المستقبلي مطروحة، حسب رشيد، رغم محاولات كثير من الدول القيام بالقبول بالأمر الواقع عبر إعادة الاعتبار للنظام السوري.
وأشار رشيد إلى أن "هشاشة الواقع الميداني وتضارب مصالح واستراتيجيات الدول المنخرطة في الملف السوري، تضع كافة الاحتمالات والسيناريوهات أمام إمكانية الفشل أو النجاح الجزئي".
إلغاء الانتخابات أعقبها إطلاق زعيم "قسد" مظلوم عبدي دعوات للحوار، حيث اعتبر أنه لا يمكن حل الأزمة السورية عن طريق العنف والحرب، معرباً عن استعداده "للحوار مع جميع الأطراف وكافة القوى ومن ضمنها تركيا وداعمون لأي حوار يفضي إلى وقف الاقتتال والوصول إلى حل سياسي للحرب في سوريا".
دعوة عبد وصفها الباحث علي تمي بأنها "ملغومة" من حيث التوقيت، فهي جاءت للتغطية على الإفراج عن قيادين وعناصر من تنظيم "داعش" من سجن الحسكة ضمن العفو العام الذي أصدرته، إضافة إلى التغطية على إلغاء الانتخابات حتى لا تظهر نفسها في موقف الضعيف والمستسلم للضغوطات التركية.
في حين أرجع الكاطع دعوة عبد للحوار إلى أنه "يدرك أن شرعية إدارة قسد في مهب الريح، إذا لم تحظ باعتراف سياسي، وهذا ما لم يحدث حتى الآن ولا أتوقع حدوثه".