icon
التغطية الحية

إلغاء انتخابات قسد للمرة الثالثة.. رسالة سياسية أم أزمة اعتراف؟

2024.08.03 | 16:11 دمشق

أعضاء من "المفوضية العليا للانتخابات" خلال الإعلان عن فتح باب الترشيح للانتخابات - 21 أيار 2024 (الإدارة الذاتية)
أعضاء من "المفوضية العليا للانتخابات" خلال الإعلان عن فتح باب الترشيح للانتخابات - 21 أيار 2024 (الإدارة الذاتية)
إسطنبول - خاص
+A
حجم الخط
-A

للمرة الثالثة على التوالي تتجه الإدارة الذاتية، التي تعتبر الذراع المدنية لـ"قـوات سوريا الديمقراطية" (قسد) إلى تأجيل الانتخابات المحلية التي كانت تنوي إجراءها الشهر الحالي، وفي حين أرجعت السبب في المرتين السابقتين إلى "ضيق الوقت المخصص للفترة الدعائية"، يأتي القرار الحالي ليؤكد أن التأجيل سببه ضغوطات عدة في مقدمتها التهديدات التركية.

وبينما تحاول "قسد" على مدى السنوات الماضية أن تصدر نفسها كقوى شرعية وطنية وليست سلطة أمر واقع فقط، يكشف التأجيل الأخير عن قيود واضحة تواجه الإدارة الذاتية في مساعيها لنيل الاعتراف الدولي والقبول المحلي.

وبين التهديد التركي بشن عملية عسكرية والتحفظ الأميركي على إجراء الانتخابات، تأتي هذه التطورات في ظل تعقيدات المشهد السياسي في المنطقة وانفتاح تركيا ونظام الأسد على عودة العلاقات وإمكانية لقاء الرئيسين، والتي قوبلت بدعوات من "قسد" للحوار مع جميع الأطراف بما فيها أنقرة.

التأجيل الثالث

مطلع مايو/ أيار الماضي، أصدرت "الإدارة الذاتية" ما سمته "قانون التقسيمات الإدارية"، وقسمت المنطقة الخاضعة لسيطرتها إلى سبع مقاطعات هي الرقة ودير الزور والجزيرة ومنبج وعفرين والطبقة والفرات، تحت اسم"الإدارة الذاتية الديمقراطية في إقليم شمال وشرق سوريا".

وبناء على التقسيمات الجديدة أعلنت الإدارة إجراء أول انتخابات بلدية وحددت 30 من أيار الموعد الأول، قبل تأجيله إلى 11 من حزيران تحت ذريعة أن "الوقت المحدد للاستعداد لإجراء انتخابات غير كاف". 

الإعلان عن إجراء الانتخابات أثار غضب تركيا التي هدد رئيسها رجب طيب أردوغان، بشن هجوم جديد شمال شرق سوريا في حال إجراء الانتخابات في المنطقة، قائلاً "نتابع من كثب التحركات العدائية من منظمة متطرفة ضد وحدة أراضي بلادنا، فضلا عن سوريا، بذريعة الانتخابات".

وأكد أن "تركيا لن تسمح لمنظمة انفصالية بإقامة (دولة إرهابية) أبعد من حدودها الجنوبية في شمال سوريا والعراق"، مضيفاً "فعلنا ما كان مطلوباً في السابق في وجه أمر واقع. ولن نتردد في التحرك مجددا إن واجهنا الوضع نفسه".

وتعتبر تركيا "قسد" امتدادًا لـ"حزب العمال الكردستاني"  (PKK)، الذي تصنفه كمنظمة إرهابية، وترى فيها تهديدًا لأمنها القومي.

أما الموقف الأميركي، الداعم الأبرز لـ"قسد" في المنطقة، كان مفاجئاً بعدما شهد تغيراً واضحاً عقب التهديدات التركية، حيث اعتبر نائب المتحدث باسم الخارجية الأميركية، فيدانت باتيل، أن "شروط الانتخابات الحرة والنزيهة في شمال شرقي سوريا غير متوفرة".

وقال باتيل إن "أي انتخابات تجري في سوريا يجب أن تكون حرة ونزيهة وشفافة وشاملة، كما يدعو قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، والولايات المتحدة لا تعتقد أن هذه الشروط متوفرة بالانتخابات".

وبين التهديد التركي والرفض الأميركي، أعلنت "المفوضية العليا للانتخابات في شمال شرق سوريا" تأجيل الانتخابات للمرة الثانية حتى شهر أغسطس/آب، مرجعة السبب أيضاً إلى "ضيق الوقت المخصص للفترة الدعائية"، و"لتأمين المدة اللازمة لمخاطبة المنظمات الدولية لمراقبة سير الانتخابات".

وقالت المفوضية في بيان لها إن التأجيل "كان استجابة لمطالب الأحزاب والتحالفات السياسية التي طالبت بالتأجيل بموجب كتب رسمية" وهم "مجلس سوريا الديمقراطية" (مسد)، و"تحالف الشعوب والنساء من أجل الحرية"، و"قائمة معا لخدمات أفضل"، و"حزب الوحدة الديمقراطي الكردي في سوريا".

لكن في ظل التجهيز للانتخابات الشهر الحالي، نقلت وسائل إعلام مقربة من "قسد"، خلال الأيام الماضية، أن عدداً من الأحزاب في شمال شرقي سوريا طلب تأجيل الانتخابات للمرة الثالثة حتى إشعار آخر ولحين تهيئة ظروف مناسبة، حسب ما قال سكرتير الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا (البارتي)، نصر الدين إبراهيم، لوكالة "نورث برس".

تأجيل أم إلغاء؟

لم تقنع تبريرات "الإدارة الذاتية" حول أسباب التأجيل العديد من المراقبين والمتابعين للأوضاع في المنطقة، حيث يرون أن هناك ثلاثة أسباب حقيقة وراء عملية التأجيل التي تعتبر بنكهة الإلغاء.

السبب الأول والرئيسي حسب ما حدده الكاتب والباحث السياسي علي تمي لموقع "تلفزيون سوريا" هو التهديدات التركية بتدخل عسكري في حال استمرّت قسد في هذه الخطوة.

وإلى جانب الموقف التركية الرافض وهو ما توَج بموقف أميركي رافض للخطوة، اعتبر الباحث السوري بدر ملا رشيد سبباً أن التأجيل يعود إلى أسباب محلية سواء فيما يتعلق برفض المجلس الوطني الكردي لها، أو حتى العديد من الأحزاب المنضمة للإدارة.

وقال رشيد لموقع "تلفزيون سوريا" إن هذه الأحزاب استشعرت بخطورة الإقدام على الخطوة دون وجود تقبل من سلطة دمشق أو المجتمع المحلي والدول الإقليمية.

من جانبه أرجع الباحث السياسي مهند الكاطع إلغاء الانتخابات إلى ضغط أميركي ألماني لأن إجراء الانتخابات قد يعطي مبرراً لتركيا لشن عملية عسكرية جديدة قد تكلف "قسد" خسارة مزيد من المناطق التي تسيطر عليها.

وقال الكاطع في حديث لموقع "تلفزيون سوريا"، إن العلاقات الاستراتيجية والمصالح المتبادلة بين تركيا وكل من أميركا وألمانيا، أكبر من أن يتم التضحية بها على رهان مع قسد وما تواجهه من أزمة عدم الاعتراف بها محلياً بوصفها جماعة مرتبطة بحزب إرهابي (العمال الكردستاني) التركي".

ونفى أن يكون تأجيل الانتخابات بسبب حركة التطبيع بين تركيا والنظام، معتبراً أن هناك "علاقة عضوية بين نظام الأسد وقسد هي التي ترسم معظم سياسات قسد في المنطقة، بما في ذلك الإعلان المتدرج للإدارة الذاتية من طرف واحد والإعلان عن إجراء انتخابات لتشكيل ضغط أكبر على تركيا ودفعها باتجاه خيارات الانفتاح الأكبر على الأسد

واعتبر أن "الأسد بالنهاية استخدم ولا يزال، يستخدم ورقة قسد لإجبار تركيا على تقديم تنازلات بملف المعارضة العسكرية واللاجئين السوريين".

وفي سياق ذلك اعتبر علي تمي أن نظام الأسد هو صاحب فكرة الانتخابات وليس "قسد" لأن "طرح هذه الفكرة وفي هذا التوقيت هدفه الضغط على أنقرة ودفعها للرضوخ في مطالب النظام وإعادته إلى طاولة المفاوضات"، مشيراً إلى أن التنسيق بين قسد ودمشق لم تنقطع يوماً.

ما الرسالة؟

وعلى مدى السنوات الماضية سعت "قسد" إلى ترسيخ نفسها كسلطة أمر واقع في شمال شرق سوريا، مدعومة بتحالفات مع واشنطن ونجاحها في محاربتها لتنظيم داعش، لكن على الرغم من ذلك واجهت تحديات كبيرة في تعزيز شرعيتها السياسية والوطنية.

إحدى هذه التحديات تجلت مؤخراً في إلغاء قرار الانتخابات البلدية، وهو الأمر الذي يعتبر رسالة واضحة بعدم الاعتراف بـ"قسد" كسلطة سياسية شرعية، وتحويلها من ميليشيا عسكرية إلى كيان سياسي معترف به.

ويرى الكاطع أن إلغاء الانتخابات كان بمثابة رسالة واضحة بأنه "لا يمكن الموافقة على تحويل ميليشيات أمر واقع اقتضت الظروف والمصالح الدولية، بما فيها مصلحة الأسد، استخدامها في المناطق الشرقية لإضعاف المعارضة وتأمين المنطقة تحت غطاء محاربة داعش، إلى حالة سياسية محمية بسلطة التمثيل الشعبي ومسرحية الانتخابات البلدية".

وتؤكد هذه الرسالة وتفسر فشل "مجلس سوريا الديمقراطية" (مسد)، الذراع السياسي لـ"قسد"، بإقامة أي علاقات سياسية رسمية مع الدول الغربية واقتصار العلاقة مع الفصيل العسكري فقط.

من جانبه أوضح تمي أن خطوة إجراء الانتخابات ستسارع بشكل كبير التفكير الجدي لدى الأتراك في تنفيذ عملية جديدة في شرق الفرات، و"محاولة قصقصة أجنحة قسد من جديد ومنعها من التحليق بعيداً عن قدراتها وحجمها".

إلغاء الانتخابات اعتبره كثيرون أنه تبديد لحلم "الإدارة الذاتية" بتصدير نفسها كقوى شرعية وإقامة فدرالية في المنطقة، لكن رشيد أكد أنه لا يمكن التكهن بالنهايات المغلقة في الملف السوري، فلا زالت كافة الاحتمالات حول شكل الدولة المستقبلي مطروحة، حسب رشيد، رغم محاولات كثير من الدول القيام بالقبول بالأمر الواقع عبر إعادة الاعتبار للنظام السوري.

وأشار رشيد إلى أن "هشاشة الواقع الميداني وتضارب مصالح واستراتيجيات الدول المنخرطة في الملف السوري، تضع كافة الاحتمالات والسيناريوهات أمام إمكانية الفشل أو النجاح الجزئي".

إلغاء الانتخابات أعقبها إطلاق زعيم "قسد" مظلوم عبدي دعوات للحوار، حيث اعتبر أنه لا يمكن حل الأزمة السوري عن طريق العنف والحرب، معرباً عن استعداده "للحوار مع جميع الأطراف وكافة القوى ومن ضمنها تركيا، وداعمون لأي حوار يفضي إلى وقف الاقتتال والوصول إلى حل سياسي للحرب في سوريا".

دعوة عبد وصفها الباحث علي تمي بأنه "ملغومة" من حيث التوقيت، فهي جاءت للتغطية على الإفراج عن قيادين وعناصر من تنظيم "داعش" من سجن الحسكة ضمن العفو العام الذي أصدرته، إضافة إلى التغطية على إلغاء الانتخابات حتى لا تظهر نفسها في موقف الضعيف والمستسلم للضغوطات التركية.

في حين أرجع الكاطع دعوة عبد الحوار لأنه "يدرك أن شرعية إدارة قسد في مهب الريح، إذا لم تحظ باعتراف سياسي، وهذا ما لم يحدث حتى الآن ولا أتوقع حدوثه".

ترامب أم هاريس؟

بين إلغاء الانتخابات المحلية في مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) والتهديدات التركية المستمرة، تبرز دعوات القائد العام لقسد، مظلوم عبدي، للحوار مع جميع الأطراف في وقت حساس تزامناً مع ترقب نتائج الانتخابات الأمريكية المقبلة الذي ينتظرها الجميع لمعرفة من سيكون الرئيس القادم للبيت الأبيض: دونالد ترامب أم كامالا هاريس، وما تأثير ذلك على السياسة الأميركية في الشرق الأوسط، وخاصة التوازنات في سوريا ومصير "قسد".

وتدور تساؤلات عمن سيكون الأفضل بالنسبة لـ"قسد"، هل هو ترامب الذي اتبع خلال إدارته السابقة نهجاً انعزالياً فيما يتعلق بسوريا، حيث ركز على سحب القوات الأميركية والاعتماد على الصفقات، مما أثر سلباً على قسد؟

أم هاريس، مرشحة الحزب الديمقراطي بعد انسحاب بايدن، الذي أبدى خلال فترة رئاسته التزاماً أكبر بدعم قسد والحفاظ على الاستقرار في المنطقة، مع السعي لتحقيق توازن في العلاقات مع تركيا وحلفاء الولايات المتحدة الآخرين؟

يرى المحللون أن ترامب سيكون الخيار الأسوأ لـ"قسد"، لأنه يركز على المصالح التي لها أثر مباشر على إدارته، وبالتالي مستعد للدخول في صفقات مع تركيا وروسيا مما يعرض وجود قسد للخطر.

في المقابل، لا تبدو هاريس بعيدة عن سياسات بايدن وأوباما في استراتيجية البقاء الأمريكي في المثلث الحدودي (سوريا-العراق-تركيا)، ولكن قد تكون هناك سياسات جديدة في بعض الملفات تحمل مفاجآت لا يمكن التنبؤ بها، حسب الباحث مهند الكاطع.

أما الباحث علي تمي، فيرى أنه من المرجح فوز ترامب في الانتخابات، مما يعني سحب القوات الأميركية من سوريا باستثناء قاعدة التنف التي تعتبر حيوية لأمن إسرائيل، مع الاحتفاظ بعدد من القواعد في العراق.

ويضيف تمي أنه في حال فوز هاريس، فإن القوات الأميركية ستبقى في سوريا وستستمر الدوامة الحالية، مشيراً إلى أن أنقرة تحضر نفسها لجميع السيناريوهات المحتملة، ولذلك تحاول التقرب من دمشق وتطبيع العلاقات معها، وتسعى لتوسيع اتفاقية أضنة من 5 كم إلى 35 كم لإضفاء الشرعية على عملياتها ووجودها العسكري الطويل الأمد في سوريا.