بايدن وترامب في ميزان الشرق الأوسط

2024.07.16 | 06:31 دمشق

سبسب
+A
حجم الخط
-A

تشهد الولايات المتحدة الأميركية حالة من الترقب والحماسة مع اقتراب الانتخابات الرئاسية المقبلة، التي يتنافس فيها الرئيس الحالي جو بايدن والسابق دونالد ترامب. تعد هذه الانتخابات من أهم الأحداث السياسية العالمية، ليس فقط لأنها تحدد مصير القوة العظمى في العالم، بل لأنها تحمل تأثيرات واسعة النطاق على الساحة الدولية، بما في ذلك منطقة الشرق الأوسط.

تلعب الولايات المتحدة دورًا محوريًا في السياسات الدولية، وتأثير قراراتها يمتد ليشمل مختلف القضايا العالمية، بدءًا من الاقتصاد وصولًا إلى الأمن الدولي. في هذا السياق، تكتسب الانتخابات الرئاسية الأميركية أهمية خاصة، حيث يترقب العالم توجهات الإدارة القادمة وكيفية تعاملها مع الملفات الشائكة والمصيرية.

على مستوى الشرق الأوسط، تحمل هذه الانتخابات أهمية مضاعفة نظرًا للعلاقات المعقدة والمصالح المتشابكة التي تربط الولايات المتحدة بدول المنطقة. من المتوقع أن تؤثر نتائج الانتخابات على كثير من القضايا المحورية مثل الحرب على غزة والقضية الفلسطينية، الاتفاق النووي الإيراني، الملف السوري، مكافحة تركيا لحزب العمال الكردستاني والتحالفات الإقليمية، بالإضافة إلى قضايا الطاقة والتجارة.

"تلعب الولايات المتحدة دورًا محوريًا في السياسات الدولية، وتأثير قراراتها يمتد ليشمل مختلف القضايا العالمية، بما في ذلك منطقة الشرق الأوسط."

بالنسبة إلى تركيا
على مستوى العلاقات الشخصية يحظى الرئيس أردوغان بعلاقة جيدة مع ترامب على عكس الرئيس الحالي جو بايدن الذي تهرب من اللقاء مع الرئيس أردوغان عدة مرات خلال فترة ولايته، ولكن على المستوى العام شهدنا مشكلات بين واشنطن وأنقرة خلال ولاية الاثنين، واعتقد أن سبب هذه المشكلات هو الظروف، وليس شخصية الرئيس الأميركي فقط. فعلى سبيل المثال تعرضت العلاقات التركية الأميركية لمشكلات خلال فترة ترامب بسبب شراء تركيا لمنظومة الدفاع الجوي الروسية S-400، مما أدى إلى فرض عقوبات أميركية على تركيا وخروجها من برنامج المقاتلات F-35. بالإضافة إلى أزمة القس الأميركي التي أضرت بالاقتصاد التركي إلى حد بعيد، ولكن من ناحية أخرى، ترامب مع سحب القوات الأميركية من سوريا، مما أعطى مجالًا للجيش التركي بشن عمليات عسكرية كبيرة ضد قوات قسد في شمال شرق سوريا. أما بايدن فهو أكثر تشددًا بشأن بعض القضايا الإقليمية التي تخص تركيا، مثل الملف السوري والعلاقات مع الأكراد، بالإضافة إلى أن بايدن صاحب اهتمام أكبر بقضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان، مما قد يخلق توترات مع تركيا في ضوء الانتقادات الموجهة إلى سجلها في هذا المجال. وبالمحصلة، الخلافات والمشكلات حاضرة دائمًا بسبب تغيير الظروف، ولكن اعتقد أن الحكومة التركية تفضل ترامب على جو بايدن.

بالنسبة إلى سوريا
خلال فترة جو بايدن، تجمد الملف السوري، ولم يعط بايدن أهمية كافية تجاه هذا الملف. مع زيادة العقوبات الاقتصادية على نظام الأسد واهتمام بايدن بملف حقوق الإنسان، لم نجد أي قرار مؤثر وواضح لإدارة بايدن تجاه النظام السوري. أما ترامب فيملك الكثير من المفاجآت كاستهداف سيارة قاسم سليماني واغتياله بالقرب من مطار بغداد من قبل القوات الأميركية، وهذا ما انعكس إيجابيًا على الملف السوري، حيث كان قاسم سليماني هو المخطط والمهندس للوجود الإيراني في سوريا. لهذا لا نعلم إذا كان ترامب اكتفى بهذا الاغتيال أم سيعيد الكرة تجاه شخصية كبيرة من النظام السوري أو النظام الإيراني. بالإضافة إلى أن ترامب سيحاول الانسحاب من سوريا وبالتالي ترك قوات سوريا الديمقراطية دون داعم على الأراضي السورية، مما يخدم تركيا والجيش الوطني السوري في شمالي سوريا.

بالنسبة إلى الملف الفلسطيني
للأسف عندما يكون الموضوع إسرائيل، نرى تشددًا ودعمًا واضحًا من قبل كل الإدارات الأميركية بغض النظر عن شخصية الرئيس، وهذا بسبب اللوبي الصهيوني المهيمن على قرارات الإدارة الأميركية. فترامب اتخذ مواقف داعمة جدًا لإسرائيل، حيث اعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل السفارة الأميركية إلى هناك، واعترف بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان وقدم خطة سلام تُعرف بـ"صفقة القرن"، التي كانت تميل بشدة إلى صالح إسرائيل ورفضتها القيادة الفلسطينية بما في ذلك حماس. بالإضافة إلى أنه رعى اتفاقيات التطبيع بين إسرائيل وبعض الدول العربية (اتفاقيات أبراهام)، مما عزز موقف إسرائيل الإقليمي وأضعف من نفوذ حماس. أما إذا أردنا التكلم عن بايدن، بايدن أيضًا يدعم إسرائيل بقوة، لكنه يدعو إلى حل الدولتين، ويؤيد مساعي السلام التي تأخذ في الاعتبار حقوق الفلسطينيين. على عكس ترامب، أعاد بايدن المساعدات الأميركية للفلسطينيين التي كان ترامب قد قطعها، مما يساعد في تحسين الظروف الإنسانية في غزة والضفة الغربية. ولكن سلوك بايدن تجاه المجازر في غزة سلوك خانع أخرس وأعمى، فلم يستطع بايدن أن يسيطر على الحكومة الإسرائيلية المتهورة والمجنونة بقيادة نتنياهو الذي يأخذ إسرائيل والمصالح الأميركية والمنطقة إلى الهاوية. لذلك سنرى سلوك ترامب، هل سيكون سلوكًا أكثر شدة وحزمًا مع نتنياهو أم لا؟ أعلم أن ترامب سيواصل دعم إسرائيل، ولكن أعتقد أن ترامب سيكون حازمًا أكثر مع نتنياهو الذي أصبح عبئًا على الإدارة الأميركية، وأعتقد سيتم إقالة الحكومة الإسرائيلية بقيادة نتنياهو خلال حكم ترامب.

"تحمل الانتخابات الرئاسية الأميركية أهمية مضاعفة نظرًا للعلاقات المعقدة والمصالح المتشابكة التي تربط الولايات المتحدة بدول المنطقة."

بالنسبة إلى إيران
ترامب سياساته كانت قاسية وصارمة تجاه إيران، حيث انسحب من الاتفاق النووي، وفرض عقوبات اقتصادية شديدة، مما زاد من عزلة إيران وأدى إلى تفاقم الأزمات الاقتصادية والسياسية فيها. أما بايدن، فيسعى إلى العودة إلى الاتفاق النووي والتفاوض مع إيران، مما قد يفتح الباب لتحسين العلاقات وتخفيف العقوبات الاقتصادية. هذا النهج الدبلوماسي يمكن أن يكون أفضل لإيران من حيث التخفيف من الأزمات الاقتصادية والسياسية. في المجمل، يمكن القول إنَّ بايدن يعد أفضل لإيران والاتفاق النووي، نظرًا لنهجه الدبلوماسي واستعداده للتفاوض وتخفيف العقوبات، مقارنة بسياسة ترامب التي كانت تعتمد على الضغط الأقصى وزيادة العزلة.

في نهاية الأمر، الرئيس الأميركي هو مجرد موظف لدى الإدارة الأميركية، وسيعمل على خدمة المصالح الأميركية في كل أصقاع العالم بغض النظر عن شخصية الرئيس التي من الممكن أن تغير ترتيب أولويات الإدارة الأميركية فحسب. أي إن أولويات الولايات المتحدة سارية على الرئيس كائنًا من يكن، الرئيس هنا فقط يستطيع التركيز أكثر على بعض الأولويات بحسب الظروف المتغيرة في العالم. وبتقديري، بعد محاولة الاغتيال الفاشلة، أعتقد أن نتائج الانتخابات الأميركية قد حُسمت لصالح ترامب وسيأتي ترامب وفي جعبته الكثير من المفاجآت التي ستؤثر في العالم عامة والشرق الأوسط خاصة.