النظام السوري بين ضغوط متعارضة.. هل يمنع نفوذ إيران دعوات التطبيع مع تركيا؟

2024.07.23 | 06:11 دمشق

آخر تحديث: 23.07.2024 | 06:11 دمشق

3666666666666
+A
حجم الخط
-A

بات النظام السوري يعيش بين مطرقة طهران وسندان أنقرة، خاصة بعد محاولات التطبيع الأخيرة بين تركيا والنظام بوساطة روسية وعراقية.

هذا الوضع المتأزم يضع النظام السوري في موقف لا يُحسد عليه، فمن جانب يواجه ضغوطًا هائلة من قبل إيران التي تسعى للحفاظ على نفوذها، وتريد قطع الطريق أمام أي تقارب سوري-تركي، ومن جانب آخر تمارس روسيا ضغطًا قويًا لعودة العلاقات بين تركيا والنظام بهدف تحقيق استقرار إقليمي يخدم مصالحها الاستراتيجية.

هكذا يجد النظام السوري نفسه محصورًا بين هذه الضغوط المتعارضة، في حين يظل مستقبله مرهونًا بتعقيدات المشهد السياسي والتحالفات الدولية المتشابكة.

الدور الإيراني في سوريا

تعد إيران من أبرز الداعمين للنظام السوري منذ بداية الثورة السورية في عام 2011. حيث قدمت الدعم العسكري والمالي واللوجستي، مما مكن النظام من الصمود في وجه المعارضة المسلحة. تسعى طهران من خلال دعمها المستمر إلى الحفاظ على نظام حليف يمكنها من تحقيق أهدافها الجيوسياسية في المنطقة.

يشمل النفوذ الإيراني التحكم في القطاعات الاقتصادية الحيوية، بما في ذلك النفط والغاز والبنية التحتية. بالإضافة إلى أن إيران تعتمد على تعزيز نفوذها العقائدي في سوريا من خلال دعم المجموعات الشيعية وتوسيع نطاق التشيع في المناطق التي تسيطر عليها قوات النظام.

يأتي هذا في إطار سعي إيران لتعزيز "الهلال الشيعي" الممتد من طهران إلى البحر الأبيض المتوسط، مما يعزز من هيمنتها الإقليمية، ويضمن ولاء الحلفاء المحليين.

ومن يعتقد أن إيران ستخرج من سوريا بعد أخذ ديونها فهو مخطئ، فالوجود الإيراني في سوريا أبعد وأعمق من موضوع ديون مالية، الموضوع هو ممر يصل إيران بإسرائيل مرورًا بالعراق وسوريا ولبنان.

يشمل النفوذ الإيراني التحكم في القطاعات الاقتصادية الحيوية، بما في ذلك النفط والغاز والبنية التحتية.

الدور التركي في سوريا

أما تركيا فقد ركزت جهودها على الشمال السوري، حيث دعمت فصائل المعارضة المسلحة، وسيطرت على مناطق واسعة مثل عفرين وإدلب.

الهدف الرئيسي لأنقرة هو تأمين حدودها ومنع تواجد أي قوات وميليشيات تعدها تهديدًا لأمنها القومي. وتشكل المناطق المحررة مناطق نفوذ تركية مباشرة تستخدمها أنقرة كأوراق ضغط في المفاوضات السياسية.

من جانب آخر، تسعى تركيا أيضًا إلى تحقيق استقرار نسبي في المناطق التي تسيطر عليها من خلال تقديم المساعدات الإنسانية وإعادة الإعمار. هذا يساعد على تقليل تدفق اللاجئين إلى تركيا ويعزز من صورتها كقوة إقليمية مسؤولة وقادرة على إدارة الأزمات.

تأتي محاولات تركيا للتطبيع مع النظام السوري ضمن إطار وساطة روسية عراقية تهدف إلى تحقيق استقرار إقليمي شامل. ترى تركيا في التطبيع فرصة لتأمين مصالحها في سوريا من خلال التفاوض مع النظام مباشرة، مما يضمن توازن القوى وتفادي أي صدام مباشر.

ومن بين الدوافع التركية أيضًا الحد من نفوذ قوات سوريا الديمقراطية وتعزيز التعاون الأمني لمواجهة التنظيمات الإرهابية مع النظام بدمشق، الذي هو الآن بأمس الحاجة إلى آبار البترول التي تقع تحت سيطرة قسد في ظل الانهيار الاقتصادي الذي تعانيه مناطق سيطرة النظام.

تأتي محاولات تركيا للتطبيع مع النظام السوري ضمن إطار وساطة روسية عراقية تهدف إلى تحقيق استقرار إقليمي شامل.

الصراع على سوريا

في تقديري، كان اغتيال إيران لمستشارة الأسد لونا الشبل هو إنذار واضح لرأس النظام السوري وحاشيته، أنه لا يجب اللعب بالنار مع إيران، وأن قوات الحرس الثوري الإيراني قادرة على اغتيال أي شخصية كبيرة من شخصيات النظام في حال تعاون النظام بدمشق مع أي دولة أخرى غير إيران.

فإيران تعتبر تطبيع النظام السوري مع تركيا خيانة عظمى بعد أن بذلت إيران الغالي والنفيس خلال عقد من الزمن لبقاء النظام السوري في السلطة في سوريا بالرغم من الضغوط الغربية والعقوبات الاقتصادية تجاه الأسد وحاشيته.

لذلك أعتقد أن مسار التطبيع التركي مع النظام السوري ممتلئ بالحفر والمفخخات الإيرانية، وفي حال تعذر مسار التطبيع ووصلنا لباب مغلق، ستقوم تركيا بتكثيف عملياتها النوعية داخل سوريا ومن الممكن أن نشهد عمليات عسكرية برية محدودة إذا شعرت أنقرة بحركات مريبة كالانتخابات المحلية في شمال شرقي سوريا.

ومن هنا نفهم أن أنقرة ستكافح التنظيمات الإرهابية على حدودها إن كان معها النظام السوري أو لا، فالأمن القومي التركي خط أحمر بالنسبة إلى تركيا.

تركيا وإيران قوتان إقليميتان تقعان في جغرافية واحدة، لذلك من الطبيعي أن يكون هناك تنافس كبير بين الدولتين. وهذا التنافس ليس فقط في سوريا، بل شهدناه في إقليم كاراباخ في أذربيجان أيضًا، فإيران لا توفر فرصة لتحجيم الدور التركي. فهي لا تقف على الحياد، بل أصبحت تدعم أعداء أنقرة بشكل علني، وهذا ما رأيناه في الأسابيع الماضية عندما سلمت إيران عددًا كبيرًا من طائرات الدرون إلى حزب العمال الكردستاني بشكل غير مباشر.

وهذا يدل على أن إيران أصبحت ترى تركيا خطرًا كبيرًا على نفوذها بالمنطقة. لذلك تتابع طهران ضغوطها على دمشق وتطالبها بالإصرار على موضوع الانسحاب التركي من سوريا، والنظام لا حول له ولا قوة، يقوم بتطبيق تعليمات إيران على أنها حليف استراتيجي كما يقول، ولكن الحقيقة أنها ليست حليفًا بل هي الحاكمة الفعلية في سوريا، ولا أعتقد أننا سنشهد عملية سياسية ناجحة في سوريا في ظل الوجود الإيراني.