تشهد إسرائيل أزمة سياسية "غير مسبوقة" تتمثل باستمرار الاحتجاجات، منذ أكثر من شهرين، للضغط على حكومة نتنياهو للتراجع عن خطته بتمرير مشروعات قوانين من شأنها أن تحد من سلطة القضاء واستقلاليته، الأمر الذي يهدد مصير نتنياهو "المتهم الذي يريد التلاعب بالقضاء".
بدأ آلاف الإسرائيليين، اليوم الخميس، مظاهرات "يوم مناهضة الديكتاتورية" للاحتجاج على مضي حكومة اليمين المتطرف في تمرير مشروع "الإصلاح القضائي"، الذي يعتبره المحتجون بأنه "انقلاب على الديمقراطية".
وتُعرف الخطة الحكومية باسم "مشروع ليفين" نسبة إلى وزير العدل ياريف ليفين، والذي يفضي لتقليص صلاحيات القضاء لصالح السلطتين التشريعية والتنفيذية.
بدأت الاحتجاجات بمسيرات وإغلاق للطرقات شاركت فيها شرائح عديدة من الإسرائيليين في عشرات المواقع، وفق هيئة البث الإسرائيلية الرسمية.
وشارك في الاحتجاجات الطلاب وأولياء أمورهم وناشطون عسكريون من وحدات الاحتياط والطواقم الطبية.
בשידור חי: אלימות קשה של המשטרה בהפגנה בת"א, השחקנית אלונה סער, בתו של ח"כ גדעון סער - "אכלתי מכות" | עדכונים שוטפים >>> https://t.co/Xgvu0TOw9Z@ittaishick pic.twitter.com/lHZVLNYewU
— כאן חדשות (@kann_news) March 9, 2023
كما تظاهر العشرات من الإسرائيليين في نيويورك بالولايات المتحدة أمام مكتب "كيرن هاتكفا"، وهي مؤسسة يهودية تروّج للتعديلات القضائية في إسرائيل.
وحمل المتظاهرون في نيويورك الأعلام الإسرائيلية ولافتاب كتب عليها "ياللعار"، مرتدين أغطية حمراء وقبعات بيضاء تعبيراً عن احتجاجهم.
وأشارت هيئة البث (التفزيون الرسمي) إلى أن ذروة الاحتجاجات ستكون في مظاهرة كبرى تنظم مساء اليوم، وسط مدينة تل أبيب.
في حين، نشرت الشرطة الإسرائيلية 3000 من عناصرها في جميع المدن الإسرائيلية لمنع إغلاق المتظاهرين للطرق.
وذكرت الشرطة، في بيان لها، أنها اعتقلت 11 متظاهراً للاشتباه بسلوكهم "غير المنضبط" و "الإخلال بالنظام العام".
نتنياهو يتنقل بمروحية عسكرية للقاء وزير الدفاع الأميركي
ذكرت صحيفة "يديعوت أحرونوت"، أن نتنياهو اضطر لتأجيل رحلته إلى إيطاليا إلى الساعة الثانية بعد الظهر، وفق التوقيت المحلي، نظراً لصعوبة الوصول إلى مطار بن غوريون وسط إسرائيل.
وكان من المقرر أن يلتقي نتنياهو بوزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في المطار قبل أن يتوجه إلى روما.
وأشارت "يديعوت أحرونوت" إلى أن الجيش الإسرائيلي قام بتأمين مروحية عسكرية لنقل نتنياهو وزوجته سارة من القدس الغربية مقر إقامته إلى مطار بن غوريون.
وهدد وزير الأمن القومي الإسرائيلي اليميني المتطرف إيتمار بن غفير المتظاهرين الذين يحاولون إغلاق الطرق المؤدية إلى المطار بفرض غرامات مالية.
وقال بن غفير، لن أسمح بسد مداخل ومنافذ مطار بن غوريون، قرب تل أبيب، والطرق المحورية.
وأصدر الوزير الإسرائيلي قراراً بفرض غرامة مالية قدرها خمسمئة شيكل (142 دولارا) على كل من يقود سيارته ببطء متعمداً في الطرق المؤدية إلى المطار، وفق التلفزيون الرسمي.
وزير الدفاع السابق يطالب بكف يد بن غفير
في المقابل، طالب وزير الدفاع الإسرائيلي السابق بيني غانتس الحكومة بكف يد بن غفير عن مواجهة المتظاهرين.
وقال غانتس، إنه تقدم بطلب إلى الحكومة لمنع وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير "ووقف تورطه السياسي ضد المظاهرات الاحتجاجية".
وأضاف غانتس في تغريدة على حسابه في موقع "تويتر"، اتصلت صباح اليوم بالمستشارة القانونية للحكومة، غالي بهارف ميارا، لطلب منع الوزير بن غفير من دخول مقر الشرطة ووقف تورطه السياسي في المظاهرات المناهضة لسلطاته.
وأضاف: "يجب أن يدير المفوض العام للشرطة والقادة في الميدان الحدث العملي للاحتجاج السياسي، لا شخص (بن غفير) له مصلحة واضحة ويطلق على المتظاهرين أنهم فوضويون".
الأزمة الداخلية في إسرائيل
تشهد إسرائيل منذ عودة بنيامين نتنياهو (صاحب أطول فترة حكم في إسرائيل) إلى الحكم اضطرابات داخلية وانقساماً حاداً في الشارع على خلفية محاولة اليمين المتطرف الحد من استقلالية المحكمة العليا.
ومنذ الأيام الأولى لتشكيل حكومته السادسة، قبل أقل من 3 أشهر، طرح نتنياهو خطة حكومية "مثيرة للجدل" تقدم بها وزير العدل ياريف ليفين، يقول إنها "إصلاحات ضرورية للقضاء".
وتصر الحكومة على تنفيذ "مشروع ليفين"، رغم الرفض الشعبي الواسع لهذه الخطوة، وتقول المعارضة التي تقود المظاهرات بأنها "انقلاب على الديمقراطية".
وفي 28 شباط/فبراير الماضي، صدّق الكنيست الإسرائيلي في القراءة الأولى، على مشروع "قانون الإصلاح القضائي" الذي يحتاج للمرور إلى ثلاث قراءات في المجلس حتى يصبح نافذا.
إلى ذلك، وصلت الاحتجاجات المستمرة منذ 9 أسابيع إلى درجة "الغليان”، وسط مشاركة واسعة من النخب السياسية والعسكرية ضد التدخل الحكومي في الجهاز القضائي.
تتضمن الخطة الحكومية أربعة بنود هي: الحد من مراجعة القضاء لتشريعات الكنيست (المعروف باسم تشريع التغلب)، وسيطرة الحكومة على تعيينات القضاة، وإلغاء تدخل المحكمة العليا في الأوامر التنفيذية، وتحويل المستشارين القانونيين للوزارات إلى معيَّنين سياسيين.
وتعد "المحكمة العليا" أعلى سلطة قضائية في إسرائيل، يقول أنصار اليمين المتطرف بأن أعضاءها حكر على النخب اليسارية والسياسية وأصحاب الثروة، ولا يُسمح بدخول أبناء "الهوامش" والطبقات الدينية.
يبرر نتنياهو خطته بأن قضاة "المحكمة العليا" غير منتخبين من الشعب، لذا يحاول إعطاء صلاحيات أوسع للساسة في تعيين أعضائها.
في المقابل، ترى المعارضة أنها محاولة من نتنياهو للتهرب من قضايا الفساد الموجهة ضده عبر إدخال قضاة موالين له، وتصف حكومته بـ "الإرهابية".
يواجه نتنياهو (73 عاماً)، ثلاث لوائح اتهام تتعلق بالرشوة والاحتيال وخيانة الأمانة، منذ عدة سنوات.
في 29 كانون الأول/ديسمبر الماضي، أدت حكومة نتنياهو اليمين الدستورية، تضم ائتلافاً حكومياً من 6 أحزاب اليمين الديني المتطرف، وتوصف بأنها "الأكثر يمينية وتطرفاً" في تاريخ إسرائيل.
المحكمة والمتهم
في غضون ذلك، تهدد المستشارة القانونية للحكومة غالي بهاراف ميارا، نتنياهو باحتمال إقالته من منصبه في حال خالف تعهده السابق بعدم التدخل بعمل المحاكم نظراً لأنه ما يزال متهماً بقضايا فساد سابقة.
وأعلنت بهاراف ميارا، في كانون الثاني/يناير الماضي، أنها بدأت مداولات مع كبار المسؤولين في وزارة العدل والنيابة العامة بشأن تدخل نتنياهو بجهاز القضاء واحتمال إجباره على التنحي لـ "عدم أهليته".
ويجيز القانون الإسرائيلي إقالة رئيس الوزراء في حال عجزه عن القيام بمهامه في حالات عديدة، كما في حالة المرض التي حدثت مع إسحاق شامير الذي أُصيب بالزهايمر، وأرئيل شارون الذي أصيب بغيبوبة دامت 8 سنوات.
ويحق للمحكمة العليا في إسرائيل عزل رئيس الوزراء والطلب منه في حالة عدم قدرته على أداء مهامه لأسباب صحية أو قانونية ترك منصبه والذهاب إلى حكومة تصريف أعمال.
أما نتنياهو، العائد إلى السلطة مجدداً، وقع قبل ثلاث سنوات على تعهد أمام المحكمة المركزية في القدس التي تنظر في لوائح الاتهام ضده بالفساد، بأن يبقى بعيداً عن التدخل بالشؤون القضائية طيلة فترة المحاكمة.
في 2020، وقع نتنياهو على تعهد خطي، يسمى بـ "تسوية تضارب المصالح" مع القضاء، للاستمرار بأداء مهام منصبه رئيساً للحكومة في الوقت الذي يواجه فيه لوائح اتهام بالفساد.
بموجب التسوية يمتنع نتنياهو عن الانخراط شخصياً بتعيين القضاة أو إحداث تغييرات في بنية الجهاز القضائي من شأنها أن تؤثر على سير محاكمته أو أموره الشخصية.
صراع على هوية إسرائيل
ترى المعارضة إضعاف سلطة القضاء بأنه حرب على القيم الليبرالية، وأن الحد من صلاحية "المحكمة العليا" يعني الحد من حقوق الأقليات ومجتمع الميم وسيطرة نظام ديكتاتوري يحاول صبغ إسرائيل بلون اليمين الديني المتشدد.
ويقول مراقبون إن الانقسام في الشارع الإسرائيلي يشكل صراعاً على هوية الدولة، بين "إسرائيل البيضاء" و"إسرائيل الهوامش"، وفقاً للعديد من التقارير التي اطلع عليها موقع "تلفزيون سوريا".
وتتسع رقعة الاحتجاجات وتزداد زحماً في إسرائيل ووصلت إلى درجة رفض جنود الاحتياط الخدمة، الأمر الذي يصفه أنصار اليمين بأنه "تمرد" يهدد وجود إسرائيل.
إضافة إلى الضغط الأميركي على حكومة نتنياهو للعدول عن خطته، لأنها لا تتماشى والقيم الديمقراطية التي تدافع عنها إدارة بايدن.
وتشير استطلاعات الرأي في إسرائيل إلى أن 63% من الجمهور الإسرائيلي يرفضون "مشروع ليفين"، ويعدونه "انقلاباً على الديمقراطية".
الأحد الماضي، أعلن 37 طيارا احتياطيا من أصل 40 في سرب "المطرقة" المقاتل الذي ينفذ عمليات ضد ما تسميه إسرائيل "التموضع الإيراني" في سوريا، أنهم لن يحضروا تدريبات مقررة الأربعاء، بحسب صحيفة "هآرتس".
ورداً على هذا التطور اللافت، قال نتنياهو إن "رفض الخدمة العسكرية يهدد أساس وجود بلاده".
وبعد يوم من احتجاج الطيارين، أعلن 200 طبيب يخدمون في الاحتياط، أنهم سيرفضون الحضور لأداء الخدمة إذا لم تتوقف عملية سن القوانين "فورا ومن دون شروط مسبقة"، على حدّ تعبيرهم.