شكّلت الأحداث السياسية والمواقف التركية المتباينة من النظام السوري انعطافة في المطالب الشعبية شمالي سوريا، فبعدما كانت معظم هذه المطالب تتمحور خلال السنوات الماضية حول إسقاط النظام وإطلاق سراح المعتقلين وغيرها، تطورت في الأسابيع الماضية، ليُضاف إليها دعوات لخلق إدارة عسكرية ومدنية موحّدة، وعزل من وصِفوا بـ "الفاسدين"، ما يمكن أن يعبّد الطريق أمام مبادرة شاملة يتم العمل عليها، تنسجم أهدافها مع طلبات المتظاهرين إلى حد بعيد.
مظاهرات ومطالب جديدة
خرجت مظاهرات بريف حلب الشمالي، يوم الجمعة، طالب المدنيون خلالها "بتوحيد الجيش الوطني السوري وفتح الجبهات"، إضافة لإطلاق سراح عدة أشخاص تم اعتقالهم من قبل قوات الأمن المحلية.
وفي مدينة اعزاز شمالي حلب، رفع المتظاهرون لافتات، قالوا في إحداها، إنّ "أطفال درعا شرارة ثورة 2011، ومعتقلينا شرارة ثورة 2022"، كما أعربوا عن "رفض الوصاية على الثورة"، معتبرين أن "فساد الإدارة في الشمال السوري هو الذي أزّم الموقف".
وأفاد يوسف سليمان عبود، أحد القائمين على "الحراك الثوري الموحد"، بأن العنوان العريض للمظاهرة هو "توحيد القيادة والقرار ومحاربة الفساد"، مضيفاً أنهم طرحوا سابقاً مبادرة لتوحيد الجيش الوطني بقائد واحد، وصندوق مالي واحد، لتكون الواردات الاقتصادية تحت إشراف إدارة واحدة، فضلاً عن "محاربة الفساد بكافة أشكاله وأنواعه".
وقال "عبود" في حديث مع موقع تلفزيون سوريا، إنّ "محاربة الفساد يجب أن تكون على مستوى الفصائل والمجالس المحلية وغيرها"، كما شدد على رفض المصالحة مع نظام الأسد.
ودعا المدنيون إلى الإفراج عن المعتقلين، وبحسب "عبود" فإن عددهم ما بين اثنين أو ثلاثة، وسيتم إطلاق سراحهم يوم الأحد أو الاثنين، حسب وعود الجهات الأمنية.
بدوره قال المنشد والناشط أبو صبحي الغريب: "خرجنا في المظاهرة لنوجه رسالة لقادة الفصائل، بأن المظاهرات مستمرة حتى نرى في الشمال السوري قائداً واحداً وإدارة واحدة للمنطقة، بعيداً عن الفاسدين وتجار المخدرات".
وعن الأسباب التي دفعتهم للمطالبة بذلك، أضاف "أبو صبحي" في حديث مع موقع تلفزيون سوريا: "هناك عدة مفسدين على رأس عملهم، وبعد عدة محاولات للإصلاح، تبين أن الحل مرهون بتوحيد القيادة".
تصور للخروج من "المأزق"
سبق المظاهرات يوم الجمعة، صدور بيان عن النقابات المهنية والعلمية في الشمال السوري طرحت فيه تصوراتها "للخروج من المأزق الذي تعيشه الثورة السورية"، وكان البيان باسم نقابة المحامين الأحرار في سوريا، ونقابة أطباء حلب ونقابة المهندسين السوريين الأحرار، ونقابة التمريض والفنيين والإداريين المركزية، ونقابة الصيادلة الأحرار، واتحاد المقاولين السوريين للإنشاءات، ونقابة الاقتصاديين الأحرار، ونقابة المعلمين السوريين الأحرار، ونقابة الأكاديميين السوريين الأحرار.
وأكدت النقابات في بيانها، الانفتاح "على جميع المبادرات والرؤى التي تخدم مصلحة الثورة السورية وتسهم في إنهاء معاناة الشعب السوري"، كما شددت على ما يلي:
- وقف كل أشكال المفاوضات العبثية مع نظام الأسد المجرم.
- رفض كل أشكال الوصاية على الثورة السورية مع التّأكيد على عمق العلاقات مع جميع الأصدقاء وضرورة توازنها.
- التأكيد على حق التظاهر السلمي ودعم الحراك الشّعبي بكل أشكاله واعتباره الضمانة الحقيقية لاستمرار الثورة السورية ونجاحها.
- اعتبار الشرعية الانتخابية هي الشرعية القانونية التي تُبنى عليها الدول والمؤسسات وتمثيل الشعوب وانتخاب سلطات تشريعية وتنفيذية ومجلس قضاء أعلى وتفعيل مبدأ فصل السلطات.
- توحيد المناطق المحررة بإدارة مدنية واحدة ينتج عنها حكومة مركزية ذات صلاحيات كاملة يرأس مفاصلها أشخاص مقيمون مع عائلاتهم في الداخل المحرر.
- دعم مؤسسة الجيش الوطني وتفعيل مبدأ مركزية القرار وإنهاء الحالة الفصائلية.
- إصلاح الائتلاف بكل مؤسساته وإعادته لحاضنة الثورة بتطبيق الشرعية الانتخابية ونقل مؤسساته الرئيسية للداخل المحرر.
"مبادرة شاملة"
خلال جلسة جمعت اللجنة الوطنية للإصلاح مع عدة صحفيين في شهر حزيران/يونيو الماضي -أي إنها سبقت المبادرات المذكورة سابقا - كشف رئيس اللجنة عمر حذيفة عن مبادرة يتم العمل عليها لجمع فصائل الجيش الوطني تحت قيادة واحدة، وإيجاد إدارة واحدة للمعابر، إضافة لمحاولة أن يكون هناك والٍ تركي واحد هو المسؤول عن متابعة أمور الشمال السوري من قبل الجانب التركي، بدلاً من أربعة ولاة حالياً، لسهولة المتابعة والإدارة.
وقالت مصادر خاصة لموقع تلفزيون سوريا، إنّ المبادرة يشرف عليها عدد من الأكاديميين والأطباء والنخب وأعضاء في المجلس الإسلامي، وقد تم عقد لقاءات مع قادة فيالق وفصائل الجيش الوطني وجمع الرؤى والملاحظات على أمل تحقيق الهدف من المبادرة.
وتتضمن المبادرة خططاً لتوحيد الجيش الوطني والمعابر، وتشكيل قيادة موحدة داخلية (عسكرية - اقتصادية - مدنية)، وقد حاول موقع تلفزيون سوريا الحصول على معلومات تفصيلية عنها، لكن الشخصيات القائمة عليها رفضوا التصريح، وأكدوا أنه سيتم تعيين ناطق رسمي يتحدث لوسائل الإعلام عند استكمال المبادرة.
خارطة طريق تنسجم مع المبادرة
يبدو أن المطالب الشعبية عبر المظاهرات، وخريطة الطريق والدعوات التي أطلقتها النقابات المهنية والعلمية في شمالي سوريا، تنسجم تماماً مع المبادرة الساعية إلى توحيد المنطقة عسكرياً ومدنياً.
ويؤكد ذلك نقيب المحامين الأحرار في سوريا، المحامي محمود الهادي النجار، إذ قال لموقع تلفزيون سوريا: "طالبنا في البيان المشترك للنقابات بدعم مؤسسة الجيش الوطني وصولاً إلى مركزية القرار فيه وإنهاء الحالة الفصائلية، وفي حال تمت الاستجابة لهذه الدعوة ستنعكس إيجاباً على أداء الجيش الوطني وعلى الحالة الأمنية في المنطقة، وكذلك فهي تنسجم مع كافة المبادرات الشريفة التي طُرحت ولا زالت تُطرح لإصلاح الوضع، عدا عن أنها تنسجم وتعبر عن رأي الشارع وآماله وتطلعاته وتعالج همومه".
وأشار إلى أنّ الدوافع من بيان النقابات، وطنية ثورية بامتياز، وهي "نتيجة طبيعية للحال الذي وصلت إليه الثورة وعدم وجود سلطة مركزية صاحبة قرار سياسي وإدارة مركزية، ونتيجة الظروف والأوضاع المأساوية التي يعيشها السكان في المناطق المحررة من سوء إدارة وفقر وبطالة وانعدام فرص العمل وتدني الخدمات الصحية والتعليمية والتعدي على الأملاك العامة والفوضى الأمنية وعدم احترام الأنظمة والقوانين وعدم تنفيذ أحكام القضاء".
وتضمن بيان النقابات - حسب النجار - رؤية للخروج من الأزمة التي تعيشها الثورة والمناطق المحررة، والنقاط التي تضمنها مستقاة من رأي المدنيين وتمثل رأي غالبية الشارع، مضيفاً أن النقابات هي أطر تنظيمية تضم وتؤطر مواقف وجهود العديد من شرائح المجتمع المثقفة.
وشدد نقيب المحامين، على أن التحرك الحالي لم يكن ضد أي جهة كانت، وغير مرتبط بأي ظرف آني، إنما جاء نتيجة الظروف الموضوعية المتراكمة، ويأتي ضمن سياق خطة عمل النقابات وبرامجها لكي تكون صوت المجتمع للنهوض بالواقع الحالي للمناطق المحررة وإصلاح المؤسسات وتصحيح مسارها والدفاع عن مبادئ وأهداف الثورة.
وختم النجار حديثه بالقول: "نحن مستمرون في عملنا وأداء واجبنا المنوط بنا كنقابات مهنية وعلمية تعبّر عن هموم وتطلعات الشعب، وسنستمر في الدفع والعمل باتجاه تنفيذ بنود هذه الرؤية التي تم طرحها، ونعتقد أنها تصب في صالح المجتمع وتصحّح مسار مؤسسات الثورة، لتكون أكثر قرباً من الشعب ولتحظى بدعمه وتأييده".