عندما بدأ أكبر مخيم للاجئين السوريين في العالم بالتوسع في عام 2013 أصبح كبيراً لدرجة أنه صُنّف كرابع أكبر مدينة في الأردن، إذ يؤوي مخيم الزعتري 150 ألف نسمة، بيد أن تدفق الوافدين الجدد أثبت أنه لا بد من إقامة مخيم جديد على بعد بضعة كيلومترات من هذا المخيم.
وقد عانى هذا المخيم من أخطاء في التصميم ارتبطت بالعنف وانعدام التنظيم، ولهذا عندما تم افتتاح مخيم أزرق في عام 2014 ليكون مخيماً نموذجياً في هذه المنطقة، بشّر ظهوره بفرصة لتصحيح تلك المشكلات، بيد أن الأمر لم يكن بتلك السهولة.
تقول أزرا أكساميا مؤسسة منظمة مخبر تراث المستقبل MIT الذي يقوم بتطوير استجابات إبداعية للمناطق التي تعاني من أزمات: "كان مخيم أزرق جميلاً في عيون منظمات الإغاثة الإنسانية، ولكنه كان قاحلاً أيضاً، إذ لم يكن هنالك أي نشاط ثقافي أو تعليمي فيه، وهكذا دخلنا ذلك الخواء". ساهمت هذه المنظمة في مخيم أزرق بمشروع: تصميم للحياة: اختراعات يومية من مخيم للاجئين، والذي وثق أكثر من 20 مشروعا أقامه سكان ذلك المخيم، ابتداء من سرير هزاز تم تصميمه من مقاعد المدارس، وصولاً إلى منحوتة رملية ضخمة تحاكي قلعة حلب. وهكذا أخذ أهالي مخيم أزرق يتحدون ليس فقط ظروفهم التي أقل ما يقال عنها إنها جدباء، بل أيضاً فكرة التصميم الإنساني للاحتياجات الضرورية.
يذكر أن أكثر من 6.6 ملايين سوري فروا من بلدهم منذ بدء الحرب فيها في عام 2011. وفي الوقت الذي يعيش فيه غالبيتهم في فقر في دول الجوار، هنالك 5% منهم يعيشون في مخيمات للاجئين ترعاها قائمة طويلة من المنظمات الحكومية وغير الربحية ووكالات الأمم المتحدة. ويحكي مشروع تصميم للحياة قصة ما لم يتم تقديمه لهؤلاء اللاجئين. إذ تجري إعادة استخدام أكياس الخيش المختومة بختم الأمم المتحدة وألواح التوتياء لحل المشكلات بطريقة عملية، مثل المبرد الصحراوي الذي ظهر في ظل غياب جهاز التكييف مع وصول درجة الحرارة إلى 45 مئوية. بيد أن تصميمات مثل تصميم لوحة فسيفسائية ببذور التمر لتزيين كوب الشاي تعالج قضية فلسفية ألا وهي قضية المخيم بحد ذاته: إذ كيف تعيش في مأوى ليس ببيتك؟
وفي مقابلة مع المهندس المعماري محسن البواب قال: "العيش هو فعل مقاومة داخل المخيم، وأن تكون نفسك هو فعل مرونة وتأقلم، لأنك في بيئة تذكّرك على الدوام بأن كل شيء ليس لك. لذا فإن كل ابتكار، حتى لو كان مجرد لوحة جدارية، يعتبر شيئاً مناقضاً لسبب قيام المخيم".
تنطلق التصميمات في مخيم أزرق من مواد الإغاثة الأساسية التي تقدمها الأمم المتحدة، مثل عبوات الماء التي كتبت عليها مواصفات الوزن أو "المأوى-ت"، وهو عبارة عن وحدة سكنية مساحتها 24 مترا مربعا مخصصة لأسرة من أربعة أو خمسة أفراد، ولكن إن لم تستطع أن تأكل أو تشرب أو تنام في هذا المأوى، فهذا العنصر لا يعتبر ضمن قانون التصميم الإنساني. وتأتي هذه الفكرة من تنظيم حياة البشر بناء على البيانات بهدف تغطية الحاجات الأساسية لأكبر عدد ممكن من الناس. بيد أن المشكلة تتلخص في أن حالة تحقيق الذات لدى اللاجئين والحفاظ على تراثهم وإرثهم الحضاري تهمل في هذا السياق. ولكن ماذا لو كانت مخيمات اللجوء عبارة عن مساحات مدنية لتنمية الإبداع والتعافي الاجتماعي؟ فلوحة جدارية قد تبدو ذات قيمة كبيرة بالنظر إلى الشيء الذي أشعل موجة القمع التي قامت في سوريا: أي تلك المظاهرات التي نزلت إلى الشوارع دعماً لمجموعة من المراهقين الذين اعتقلوا بسبب الكتابات المناهضة للنظام التي كتبوها على الجدران.
وتعلق أزرا على ذلك بقولها: "إنها لكارثة، إذ من الضروري جداً دعم حالة الإحياء الثقافية للمجتمعات المتضررة، وليس فقط الرموز الفارغة للآثار المادية، أوليست الثقافة التي ينتجونها في أثناء نزوحهم بإرث للمستقبل؟" تعدّ النافورة سمة تقليدية تميز فناء البيت السوري، إلا أن 20% من سكان مخيم أزرق ممن هم تحت سن الخامسة لم يشاهدوا بحياتهم كيف حوّل أهاليهم النرجيلة إلى شلالات مصغرة. كما لم يكن لديهم كثير من الأشياء ليلعبوا بها، لولا ما تمّت إعادة تدويره وتحويله من مخلفات البيت عبر نسج ثياب للدمية أو صناعة دمى محشوة. إن هذه اللحظات للقوة والتخريب تسلط الضوء على الفجوات في البنية التحتية الموجودة حالياً.
وفي الوقت الذي تقف فيه البيروقراطية حجر عثرة في طريق أفكار أهالي المخيم، يرى مشروع تصميم للحياة بأن البيروقراطية حاجز يمكن تجاوزه، فتعديل مدخل المأوى – ت للتحايل على درجة الحرارة ولزيادة الخصوصية بالنسبة للمحرم، وهو أحد أفراد الأسرة الذي لا يجوز وضع الحجاب أمامه، تحوّل إلى أمر شائع لدرجة أن المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة اعتمدته بصورة رسمية.
وتخبرنا ميلينا فيليبو مديرة البرامج لدى مخبر تراث المستقبل فتقول: "يعالج مجال التصميم الإنساني مشكلة النزوح على أساس أنها مؤقتة، وعلى أساس أننا سنوفر اللوازم لعدد فائض من السكان على مدار فترة قصيرة من الزمن، فضلاً عن إقامة مدن فورية تبنى على عجل ويتم تفكيكها على عجل، إلى أن تعود كل الأمور للوضع الطبيعي. إلا أن العالم لا يعمل بهذه الطريقة. ولهذا فسيكون لدينا مزيد من التحركات الديناميكية للسكان".
هذا وقد عرض العمل الذي صممه لاجئون وأشرفت عليه أزرا ومنظمة مخبر تراث المستقبل في معرض بينالي للهندسة المعمارية بمدينة البندقية، تحت عنوان: إمبراطورية النزوح، وهو عبارة عن تشكيل تفاعلي من القماش يمزج بين تصميمات القصور العثمانية المتنقلة والمأوى المعاصر في مخيم أزرق. ويتجول الزوار الذين يرتدون ثياباً أنيقة ضمن مساحة مقدسة ليدخلوا بعدها إلى خيمة مصنوعة من ملابس تم رميها ومنسوجات إنسانية لمختلف دول العالم وتشمل الرايات الإمبراطورية المطرزة بمشاهد يومية من مخيم أزرق. ويتمثل الأمل هنا بحسب رأي أزرا بأن بعضهم سيعتبر هذا العمل بأنه يمثله.
إننا جميعاً جزء من مجتمع عالمي مسؤول عن تصدير اللاجئين، كما أن الظروف المعيشية الحالية للنازحين اليوم في الشرق الأوسط تنبئ بأن مستقبلنا واحد، في الوقت الذي تخلق فيه أزمة المناخ كوارث أخرى بصرف النظر عن الناتج القومي الإجمالي للأراضي المدمرة. إذ تقدر إحدى النماذج المناخية أنه بحلول عام 20100، ستستقبل مدن أتلانتا وأورلاندو وهيوستن وأوستن الأميركية أكثر من ربع مليون وافد جديد بسبب النزوح المترتب على ارتفاع منسوب مياه البحر فقط. وهل بوسعنا إقامة حدائق عمودية إذا أصبحت الزراعة في الأرض مستحيلة؟ تقول أزرا: "إنكم لن تستوعبوا المعنى الكامل والإنجاز الذي تحققه هذه التصميمات إلا إذا تفهّمتم حالات القصور التي تكمن خلفها، فكل ما نحتاج إليه من التصميم الإنساني هو التعاطف".
المصدر: غارديان